مكاوي سعيد: أنا «شوارعي» أقرأ وجوه البشر

يقرأ حاليا «البرنسيسة والأفندي» لصلاح عيسى

TT

بعد رحلة إبداعية استمرت لعقدين، عرف الروائي مكاوي سعيد الشهرة مع «تغريدة البجعة»، التي ترجمت للغات كثيرة، ورشحت للبوكر. وخلال فترة الكمون بعيدا عن الأضواء كان سعيد يصبر على إبداعه، ويصب في وجدانه ما أبدعه غيره، ويتأني ويصحح ما تخطه يداه.

يقول: «تفتح وعيي على مجلات الأطفال، مثل ميكي وسمير، ثم دلفت تلقائيا إلى الأدب البوليسي مع أجاثا كريستي، وشارلوك هولمز. وفي مرحلة المراهقة وأواخرها بدأت قراءة الكلاسيكيات؛ أعمال نجيب محفوظ الروائية كاملة، وقصص يوسف إدريس القصيرة، وأعماله المسرحية، وفي مرحلة الجامعة أثناء دراستي بكلية التجارة اتسعت قراءاتي الأدبية بالأدب الروسي، خاصة أعمال ديستويفكسي، وجوجول وتشيكوف».

وبحسب سعيد فإن رواية «المساكين» لديستويفسكي هي الكتاب الذي وجهه إلى الحكي، وزاد من تعلقه بالقص، وفي تلك المرحلة في بداية الثمانينات قرأ روايات لحنا مينا والطيب الصالح وعبد الرحمن الشرقاوي، ومسرح الحكيم، وشعر محمود درويش، وصلاح عبد الصبور، وأعمال محمد البساطي، كما اتسعت قراءاته في التاريخ والسياسة والأدب، فكانت أسماء جمال حماد ومحمد حسنين هيكل تتكرر باستمرار على أرفف مكتبته.

في مدرجات كلية التجارة بدأ مكاوي سعيد مشواره مع الإبداع، خط أولا مجموعة من الخواطر على مجلات الحائط بجوار رسوم زملائه، ثم اتجه للشعر، لكنه فتن في مرحلة تالية بالحكي والقص، فكتب القصص القصيرة، وأولها مجموعة «الركض وراء الضوء» عام 1981، ثم بعدها بعشر سنوات كاملة كتب رواية «فئران السفينة»، وحازت على جائزة سعاد الصباح، وطبعت أربع مرات، قبل أن يكتب في عام 2001 مجموعته القصصية «راكبة المقعد الخلفي». كتب سعيد أيضا مجموعة أخرى عام 2008، هي «سري الصغير»، ثم أصدر هذا العام كتابا قصصيا لافتا بعنوان «مقتنيات وسط البلد»، يضم حكايات عن الشخصيات والأماكن في منطقة «وسط البلد» بالقاهرة الخديوية. بحسب مكاوي، فإنه اعتاد أن يقرأ قبيل النوم على سريره، لا يجلس على المكتب إلا للكتابة فقط، يقرأ كل ما تقع عيناه عليه من كتب تعجبه، ولا يؤمن بالقراءة المتخصصة في أوقات معينة، لكنه يحرص عند البداية في عمل روائي جديد أن يتجنب قراءة الرواية، وبالمثل القصص القصيرة. فعندئذ لا يقترب من أية قصة حتى لا يحدث تماس لا إرادي بين أفكاره أو أسلوبه من جهة، والمبدع الذي يقرأ له من جهة أخرى.

يقرأ مكاوي الأدب العالمي بالإنجليزية، إضافة إلى ما ينقل إلى العربية منه، لكنه في تلك الحالة يدقق في اسم المترجم قبيل اتخاذ قراره باختيار الكتاب لقراءته. يقول سعيد إنه يتأني كثيرا أثناء الكتابة، ويصبر على الإبداع سنوات، مثلما فعل مع «تغريدة البجعة» فخرجت بمستوى رضي عنه، وخلال فترة التأني والصبر لا يستعين مكاوي بقراءات تعينه على الإبداع، بل فقط يمنح نفسه فرصة لاكتشاف الأخطاء، والتخلص من نزعة انحياز الكاتب لما يكتبه. تعود سعيد أن يقرأ الوجوه أيضا؛ ساعده على ذلك بقاؤه لفترات طويلة من اليوم خارج منزله، فهو، بحسب تعبيره، «شوارعي» يقسم وقته بين المقاهي والشوارع، يضم إلى أجندة معارفه يوميا عشرات الشخصيات، ترسخ في ذاكرته ملامحها، ثم يستدعيها بعد فترة في حكاية. يكتب سعيد على أوراق منفصلة، ولا يميل إلى الكراسات أو الدفاتر؛ لأنها في رأيه تلزمه بنهايات، أما الأوراق المنفصلة فتمنحه حرية وآفاقا رحبة. وحاليا يقرأ كتاب صلاح عيسى «البرنسيسة والأفندي»، وهو عمل يوثق تفاصيل قصة غرام شقيقة الملك فاروق برياض غالي، والحكاية مليئة بالدراما، فهو أفندي وهي أميرة، كما أنه (غالي) مسيحي، وهي مسلمة، وبين سطور حكايتهما يصوغ عيسى ما خفي من تاريخ مصر الاجتماعي في تلك الفترة المهمة.

يقول مكاوي سعيد: «يفتنني أسلوب عيسى.. فهو خلطة من التاريخ والحكي والمشاعر ورشاقة الكتابة.. تجعلك متشبثا بالكتاب حتى تنتهي منه، وبعد فترة يدفعك الشوق إليه مرة أخرى».