الغذامي: أنا مفكر حر ومستقل.. ودور المصلح الثقافي لا يناسبني

قال إن فوزية أبو خالد رائدة شعر النثر في السعودية كما كانت نازك الملائكة رائدة تأنيث القصيدة العربية

د. عبد الله الغذامي
TT

ينفي المثقف والناقد السعودي الدكتور عبد الله الغذامي تقمص دور «المصلح الثقافي» الذي أسبغه عليه بعض ناقديه ومحبيه، من خلال طروحاته المختلفة التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط الثقافية السعودية، وهو يقول في هذا الحوار مع «الشرق الأوسط» إن الدور الوحيد الذي يناسبه هو «دور المفكر المستقل الحر».

والغذامي شخصية مثيرة للجدل داخل المشهد الثقافي السعودي، سواء من خلال طروحاته أو من خلال مساجلاته، لكنه في كل الأحوال يرفض ما يتهمه الآخرون به وهو «ممارسة الوصاية الفكرية». ويقول: «إنني أطرح أفكاري بحرية تامة، واستمتاعي بهذه الحرية يسبب لي التزامي التام بأن آرائي ليست ملزمة لأحد، فمن أراد أن يأخذ بها فله ذلك ومن أمسك عنها فهذا شأنه، ومن أخذ ببعضها وأمسك عن البعض الآخر فله ما أراد».

ويعتبر الغذامي أن المفكر إذا منح الناس هذه الحرية في التعامل مع أفكاره وما يطرحه عليهم، يصبح حرا في إنتاج الأفكار، أما إذا كان يعتقد بأن أفكاره ملزمة لغيره، فعليه حينئذ أن يفكر في شروط التطبيق وإمكانية تنفيذها، بشروط تداوليتها وبشروط ضررها من نفعها.

إن تقمص الدور الإصلاحي، كما يضيف، هو سمة من سمات السياسي أو الواعظ (المصلح الديني أو الاجتماعي)، في حين أن المفكر الحر المستقل يعطي فكرته بأقصى حدودها دون أن يشعر بتأنيب ضمير من أي نوع ما، لأن الفكرة حينئذ «متروكة للناس مثلها مثل طبق الطعام إذ بإمكانهم أن يطلبوه أو لا يطلبوه، وإذا طلبوه عليهم أن يرفضوه أو يستهلكوه، فالفكرة من حيث نشأتها حرة، وهي حرة أيضا من حيث تداول الناس لها».

وحيث ما زال الجدل بين المثقفين السعوديين ساخنا حول دور كل منهم في التحديث وطرح الفكر الجديد في الحركة النقدية لكي تتسق مع الحركات والمدارس النقدية العالمية، يعود الغذامي لهذا المربع بالقول: «أجزم بأنني أول من تناول واستخدم مصطلح التشريحية في العلم العربي، إذ لم يسبقني إليه أحد، فكنت أميز بين تفكيكية ديري ديرادا وتشريحية رولان بارت وقد وضحت الفارق بينهما في كتابي من البنيوية إلى التشريحية».

ولكن ما مدى التزام الدكتور الغذامي بمصطلحاته النقدية؟ يجيب: «ليست لي مشكلة في ذلك في أن أتعامل مع مقولاتي ومع مصطلحاتي بحرية مطلقة، غير أنني أرفض بعضها في وقت من الأوقات، وقد ألغيها أو أتجاوزها.. فأنا لست مملوكا لمصطلحاتي».

وفي هذا الصدد، يقول عن كتابه «الخطيئة والتكفير» إنه «كتاب في النظرية والمنهج، وهذا هو التأسيس، وأرى أننا في ثقافتنا العربية نحتاج إلى هذا النوع من التأسيس الفلسفي النظري المعرفي، الذي يتبعه بعد ذلك التطبيقات، فالناس عادة في حالة الاستقبالات ينشغلون بالتطبيقات ولا يتوقعون الشيء الكثير من التأسيس المعرفي والنظري والمنهجي، غير أنني لا أشك في أن كتابي ينطلق من أهمية فهم التأسيس المعرفي».

ويتابع: «أنا لست معنيا بحاجة الشعراء ولا المؤلف عموما، نحن في النقد الأدبي الذي ننتمي إليه نؤمن بفكرة موت المؤلف التي تبعد تأثيرات المؤلف وتأثيرات العلاقات المتبادلة بين الناقد والمؤلف، ويشبه ما يقوم به الناقد الأدبي بالعملية التشريحية وهي على حد وصفه محاولة لكشف الدلالات العميقة للنص (ما وراء النص) أو (ما وراء المعنى) الذي يسميه الجرجاني (معنى المعنى) وليس المعنى. وكل قارئ يستطيع إدراك المعنى عبر فك معاني اللغة في ثقافته، ولكن الوصول إلى (معنى المعنى) هو مهمة أساسية، ويحتاج الناقد أن يتعامل معها بشدة حتى يصل إلى أبعادها».

أما بالنسبة للشعر، وتحديدا قصيدة النثر، فيقول: «تقوم قصيدة النثر على الإيقاع الداخلي للصورة الشعرية، بينما يقوم الشعر عامة على الإيقاع بالضرورة. في قصيدة النثر نتحدث عن إيقاع داخلي غير الإيقاع الخارجي، فالموسيقى في الشعر العربي أساسية ولا يمكن أن يقوم شعر عربي دون بنية إيقاعية موسيقية عرضية» وهذا ما دعاه إلى البحث في الجذور الموسيقية للشعر العربي الحديث في الشعر العربي القديم، وهي نقطة تحول القصيدة العربية العمودية إلى قصيدة التفعيلة ومعها إلى الأنماط الأخرى المتعددة للقصيدة بحسب رأيه.

وتطرق الغذامي أيضا إلى مقولة «تأنيث القصيدة» و«فحولة اللغة»، وهو يرى أن الشاعرة العراقية نازك الملائكة «هي التي تولت تأنيث القصيدة وأخرجتها من عمود الفحولة إلى اللغة المؤنثة». وعلى المستوى السعودي، يعتبر أن الشاعرة فوزية أبو خالد هي رائدة قصيدة النثر في السعودية، وتبعتها شاعرات من جيل الثمانينات، مثل لطيفة قاري وأشجان هندي وبديعة كشقري، وخديجة العمري، وهدى الدغفق. وهنا يستدرك قائلا: «دعني في هذا المقام أشير إلى الدكتورة خيرية السقاف وهي صاحبة كتابة شعرية مذهلة جدا، والناس دائما يتحدثون عنها كباحثة وأكاديمية وكاتبة ولكنهم ينسون أنها شاعرة. إن شعرها مهم جدا».

وهو يرى أن هؤلاء الشاعرات قدمن صيغة أدبية مختلفة نوعيا، وشكلت تجاربهن علامات ثقافية كبيرة، قبل حدوث الطفرة الروائية التي بدأ الناس أخيرا يتحدثون عنها».

أما عن مفهوم «ثقافة الوهم»، الذي ورد في كتابه «ثقافة الوهم.. مقاربات مع اللغة والمرأة والجسد» فيقول إن ثقافة الوهم «تتحول إلى يقين في فترة من الفترات، فالوهم إذا وجد في ثقافة من الثقافات ومر عليه زمن كاف من حيث تعاقب السنين ومن حيث تواتر الرواية، يصبح يقينيا، بمعنى أنه يتحول من وهم إلى يقين. ومفعول هذه التعاقبات والتواترات تورث أوهاما كما هو الحال في كل ثقافة من الثقافات». ويضيف: «إن الثقافة العربية توهم أنباءها بأنهم أفضل الناس. وهذه العبارة متداولة على مدى سنين طويلة متوارثة وتقال باستمرار من كل الفئات كبارا وصغار وتتجلى في الأعمال الإبداعية وغيرها. ولكنها ليست حكرا على الثقافة العربية فهي كما يقول الغذامي موجودة عند الإنجليز وعند الأميركيين والصينيين والأفارقة، بمعنى أنها موجودة في كل الثقافات».