مصادر القانون الإسلامي ومفاهيم القانون الدولي المعاصر

كتاب سوري عن العلاقات الدولية في الإسلام

الكتاب: «يوميات صوفيا تولستوي» الترجمة الإنجليزية: كاتي بورتر الناشر: «ألما بوكس»، لندن، 2010
TT

يسعى هذا الكتاب إلى التذكير بتضمن الإسلام لفقه قانون دولي متطور ومبكر وإلى تأسيسه وبعثه من جديد (دار الفكر - دمشق - 2010)، وينفي نفيا قاطعا تهمة خلو الشريعة الإسلامية من فقه العلاقات الدولية. ويرى المؤلف مع باحثين آخرين أن مصادر القانون الدولي الإسلامي بموجب مفاهيم القانون الدولي المعاصر، تتفق مع القواعد الكلية التي حددها فقهاء القانون المعاصرون. هذه القواعد تصنف في القانون الأساسي لمحكمة العدل الدولية في أربع فئات: العرف (عادات وتقاليد، ونتذكر هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يثني على حلف الفضول..)، والسلطة (قرآن كريم وسنة)، والعقد (القوانين التي تتضمن المعاهدات التي أبرمت مع الشعوب غير المسلمة)، والعقل (المؤلفات الفقهية المرتكزة على الشريعة).

ويبرهن الكتاب بالأمثلة المستفيضة على سابقة الإسلام في مجال العلاقات الدولية، فالإسلام يعترف بانقسام العالم إلى كيانات سياسية متفرقة. ويتميز القانون الدولي الإسلامي بثلاث خواص مهمة: الأولى هي أنه جزء من القانون الداخلي للدولة الإسلامية (الشريعة الإسلامية)، وبالتالي لا يتوقف قانون الدولة الداخلي على اعتراف الدول الأخرى به، كما أن عدم قبول القانون الإسلامي من قبل الدول الأخرى لا يسوغ للدولة الإسلامية مخالفة الشريعة. الخاصية الثانية هي أن أساس التزام الدولة الإسلامية القانون الدولي الإسلامي هو إرادتها لا قواعد القوة وموازينها. الخاصية الثالثة هي أن الاجتهاد الإسلامي أبدع في فقه المعاملات بين الدول والجماعات، وثمة اختلافات كثيرة بين الفقهاء حول قواعد السلم والحرب تترك هامشا واسعا لصياغة «القانون الدولي الإسلامي».

يلحظ الباحث مع باحثين آخرين تشابها بين مواثيق الأمم المتحدة ومؤتمر لاهاي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومصادر التشريع الإسلامي. وقد سلمت محكمة العدل الدولية بمبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة والعادات الدولية المعتبرة والاتفاقات الدولية، والشرع الإسلامي بدوره يعدّ العرف والعدالة أساسا لأدلة الفقه الفرعية من إجماع وقياس واستحسان واستدلال ومصالح مرسلة..

لقد عالج الفقهاء المسلمون قواعد العلاقات الخارجية في (فقه السير) الذي يعني مسلك الدولة في المغازي (مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم وسِير أهل بيته والصحابة)، وقد أفردوا مدونات لمسائل الحرابة والعهد والأمان والصلح والغنائم والعلاقة مع أهل الذمّة والخراج والعُشر وأهل البغي وأهل الردة، ووضعوا هذه القواعد منذ القرن السابع الميلادي، أي قبل نحو ألف سنة من انطلاق القانون الدولي الحديث في أوروبا. ومن الأسماء الشهيرة في هذا المجال، نجد اسم المؤرخ والفقيه محمد بن حسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة (804م) والإمام الأوزاعي ويعقوب بن إبراهيم الأنصاري. وقد تأثر العالم الإسباني «سواريز» بالفكر الإسلامي وأثر بدوره في فكر رائد القانون الدولي المحامي الهولندي «غروسيوس»، الذي ألف مؤلفا أهداه إلى لويس الثالث عشر. ويعتقد كثيرون أن غروسيوس تأثر بالشيباني، فقد كان منفيا إلى الأستانة سنة 1640. والشيباني معروف عربيا وغربيا إلى درجة أن مستشرقا ألمانيا أسس معهدا باسم الشيباني سماه (جمعية الشيباني للقانون الدولي). ومن الأسماء الإسلامية التي اشتغلت على العلاقات الدولية، نجد ابن تيمية صاحب كتاب «السياسة الشرعية» والسرخسي والطحاوي - كتاب « المختصر».

إن الأصل في التعامل بين الدول هو السلام، والسلام هو اسم من أسماء الله الحسنى وقد ذكر في القرآن في 133 آية، بينما لم يرد لفظ الحرب إلا ست مرات فقط. والسلام الإسلامي له متطلبات، وأولها: الحرية المنضبطة بالعدل والمساواة والأخلاق، من غير أن تكون الحرية هذه بابا للفوضى أو العدوان (الذي يشرعه هوبز في مقولته الشهيرة الإنسان ذئب لأخيه الإنسان)، وكذلك يتم إقرار هذه الحرية بسياسة الأبواب المفتوحة مع الدول والاعتراف بالتعددية الثقافية والعقائدية والسياسية وإنكار القسر والإكراه، والمطلب الثاني: هو الإقرار بالمساواة الشاملة، والمطلب الثالث: هو الوفاء بالعهود والمواثيق.

يورد الباحث عشرات الأمثلة من حفظ المسلمين للعهود، التي يعرفها تعريفات معاصرة ويخرجها من جميع الأوجه، كما يذكر الأمثلة عن الدبلوماسية النبوية واتخاذه خاتما من ثلاثة أسطر (محمد رسول الله) وحسن اختياره سفراءه ورسله إلى الملوك والقياصرة والأكاسرة (نجد الصحابي الجميل دحية الكلبي الذي كان جبريل ينزل على صورته، والصحابي الذكي عمرو بن العاص، وعمرو الضمري المعروف بالشجاعة والنجدة..). ويعرض لتطور تاريخ الدبلوماسية الإسلامية (فن السياسة الخارجية) في العصور التالية الراشدية (استخدم عمر النساء في المفاوضات مع الروم، وخصص عثمان أموالا لاستقبال الرسل الأجانب)، والأموية والعباسية. ويعرّف المؤلف الحصانة الدبلوماسية (الحرمة الشخصية) وامتيازات الدبلوماسيين من حق دخول وتجول وإقامة وعدم خضوع للتفتيش وأشكال العلاقات التجارية والثقافية. ويبين اختلاف الفقهاء حول تسمية نظام الدارين (دار الحرب ودار الإسلام)، الذي كان تخريجا فقهيا تم اقتباسه من الرومان (المدنيين والبرابرة). ويعرض الكتاب أمثلة قديمة ومعاصرة للهجرة من دار الإسلام وطريقة التعامل الشرعي مع العدو بالمثل. ويتطرق إلى طبيعة الحرب في الإسلام وأسبابها ودوافعها في الشريعة الإسلامية، وأنواع الحرب (عادلة لرد الظلم والعدوان، وحرب نفسية، وحرب عدوانية)، وتوضيح معنى الجهاد الذي شوهه الإعلام الغربي. ويخصص الكتاب فصلا خاصا لقواعد الحرب وشرط إعلانها وكيفية بدئها إسلاميا، وقواعد إعلان الحرب وإدارتها وتعبئتها وأخلاقياتها، ومدى مشروعية وسائل العنف القاسية كالحرق والإتلاف، وتحريم الإسلام للمثلة بالجثة والتعذيب بالنار حتى لو فعل العدو ذلك، ومدى مشروعية الخداع والغش الحربي من تورية وتبييت وكمائن واستطراد (لا يقع الغدر ضمنها بعد منح الأمان)، وأساليب انتهاء الحرب، وتوزيع الغنائم، وقوانين الأسرى وأحكامهم.