فيروز في مواجهة «قانون الملكية الفكرية والأدبية»

هل ضللت اجتهادات المحامين «سفيرتنا إلى النجوم»؟

فيروز (أ.ف.ب)
TT

لم يسبق لأي قضية تتعلق بحقوق الملكية الفكرية والأدبية في العالم العربي، أن أثارت الضجيج الذي تسبب به الخلاف بين فيروز وأولاد منصور الرحباني، على إرث «الأخوين رحباني». فهذا الإرث الاستثنائي الذي أسس لما يسمى الأغنية اللبنانية، شكل ضمير اللبنانيين والعرب على السواء، والنزاع عليه اليوم يجابه بحملة عاطفية عربية كبيرة تناصر فيروز. ولكن ما هو الرأي القانوني في هذا الموضوع؟ أين تنتهي حقوق فيروز وأين تبدأ حقوق ورثة منصور الرحباني؟

* «يجب أن يسحب موضوع الخلاف بيننا وبين فيروز من التداول الإعلامي. فهذه مشكلة قضائية وعائلية، وحلها لا يتم بالاعتصامات في الشوارع أو بالشتائم على صفحات الصحف» هكذا يقول أسامة بن منصور الرحباني لـ«الشرق الأوسط»، مضيفا: «مهما كان التعاطف مع فيروز كبيرا، فإن هذا لن يغير أو يبدل من القوانين شيئا، فنحن ورثة لمنصور الرحباني، كما أن فيروز وأولادها ورثة لعاصي الرحباني، ولنا الحقوق ذاتها فيما تركاه بالشراكة تحت اسم الأخوين رحباني». لكن فيروز لا تنظر إلى الأمر من هذا المنظار. ومنذ وفاة زوجها عاصي الرحباني عام 1986، لم تسر الأمور بيسر مع سلفها منصور الرحباني، فقد أصدر ابنها زياد الرحباني مجموعة أغنيات من أعمال الأخوين رحباني مهداة إلى عاصي، وكأن عمه ليس شريكا فيها. وبدأ كلام يشيع في السر والعلن، بأن الإرث الرحباني هو من عبقرية عاصي، ولم يكن لمنصور فيه غير دور هامشي. وبقي التواصل على صعوبته موجودا بين فيروز ومنصور، إلا أن العلاقة تأزمت حين تجاوزت فيروز إقامة الحفلات الغنائية إلى إعادة مسرحيات «الأخوين رحباني». فحين قدمت مسرحيتها «صح النوم» في دمشق، وتقاضت عن تسع حفلات مبلغا كبيرا جدا من المال، دون أن تستوفي منصور حقوقه المالية أو تطلب إذنا خطيا منه، بدا أن الوضع يزداد صعوبة بين الطرفين. لكن الانفجار الكبير حدث غداة وفاة منصور، عندما صدر قرار عن وزارة التربية اللبنانية، قضى «بتشكيل لجنة لتخليد فن وأدب منصور الرحباني والعائلة الرحبانية عبر إدخالهما في المناهج والأنشطة التربوية». عدم ذكر اسم عاصي استفز ابنته ريما التي أصدرت بيانا شديد اللهجة، معتبرة أن والدها تم تجاهله في القرار. وعلى الرغم من أن أولاد منصور يعتبرون ما حصل مجرد خطأ غير مقصود من وزارة التربية، طالبوا بتصحيحه على الفور، فإن محامي فيروز أصر على إصدار البيان.

وكبر الخلاف حين قررت فيروز إعادة تقديم مسرحية «يعيش يعيش» في «كازينو لبنان»، وبعث أولاد منصور برسالة إلى الكازينو للتذكير بأنهم كورثة لم يستأذنوا في تقديم العمل، مما جعل الكازينو يتراجع عن الاتفاق مع فيروز.

وهكذا فإن أولاد منصور يشتكون من أن فيروز تتجاهل كليا دور أبيهم كشريك في أعمال «الأخوين رحباني»، وتتصرف فيه كما تشاء، دون العودة إليهم. بينما تعتبر فيروز أن أولاد منصور يحصلون على حقوقهم من (الساسم) وهي «جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى» الموجودة في باريس، التي انضم إليها «الأخوان رحباني» منذ العام 1963، وهي التي تجبي لهم حقوقهم وليس لهم أن يطالبوها بشيء.

المحامي فادي سركيس، القريب من فيروز، يرى أن «مجرد انضمام الأخوين رحباني إلى (الساسم) يعني تنازلا عن حقوقهم للجمعية التي تجبي لهم مداخيلهم ليس فقط من لبنان، وإنما من كل الدول التي تتواجد فيها. صحيح أن المبالغ التي تعود إليهم زهيدة، بسبب الاعتباطية وعدم شفافية هذه الجمعية، وربما هذا ما يزعج أولاد منصور، إلا أن هذه مشكلتهم مع (الساسم) وليست مع فيروز». ويضيف سركيس: «على أولاد منصور أن يختاروا إما أن تجبي لهم (الساسم) حقوقهم، وإما أن يخرجوا منها، وهذا ممكن، وعندها يطالبون فيروز مباشرة بالحقوق. لكنهم لا يستطيعون عمل الشيء وضده». كما يؤكد سركيس «أن (الساسم) تجبي لورثة الأخوين رحباني حقوقهم عن الأغنيات تأليفا وتلحينا، كما تجبي مداخيل مسرحياتهم الغنائية في حال تمت إعادتها من قبل فيروز أو غيرها».

لكن ممثل (الساسم) في لبنان، المحامي سمير تابت قال لـ«الشرق الأوسط»: إنه تلقى كتابا من طرف السيدة فيروز تطلب فيه الترخيص لها (دون أن يحدد نوع هذا الترخيص) في حدود إمكانياته كمسؤول عن الجمعية». ويضيف «لكنني أجبت بأنكم لم تسددوا المستحق عليكم لـ(الساسم) منذ 10 سنوات، ولم تسووا وضعكم المالي، ولم يسبق لكم أن سألتم عن إذن من (الساسم)، فكيف لنا الآن أن نعطي أي ترخيص لكم، ونحن نعلم أن الطرف الآخر، سيأتي ليطالبنا بحقوقه المالية التي لم تسدد».

ويؤكد المحامي تابت أن «الجمعية رسالتها فنية حقوقية، وليست رسالة محاور لتكون مع هذا الطرف أو ذاك. لكن هناك من لا يدفع، وثمة من لا تصله حقوقه». ويشرح تابت «أن الانضمام إلى (الساسم) لا يعني إعطاءها الحقوق، وإنما توكيلها بإدارة هذه الحقوق، وبالتالي ليس للجمعية السلطة المطلقة على هذه الأعمال الفنية، ويبقى لصاحب العمل أو ورثته حق الرفض أو التقييد أو الاشتراط، أو حتى الانسحاب من الجمعية لحظة يشاء». كما أن الجمعية ينحصر اختصاصها في حقوق التأليف والتلحين الغنائيين والاسكتشات، أما المسرحيات الغنائية فهي مركبة من نصوص، وفيها قصص وأفكار، وتخضع لإنتاج وإخراج، وضمن مسرحيات «الأخوين رحباني» تندرج أسماء كثيرة لها حقوقها أيضا مثل سعيد عقل، وفيلمون وهبي، ونجيب حنكش وآخرين. لذلك فهي ليست من اختصاص (الساسم)، وإنما من اختصاص «شركة المسرحيات الدرامية». ويؤكد تابت على أن الجمعية ترفض أن تكون طرفا في هذا النزاع المادي البحت، كما أنها لا تقبل أن يقال إن ثمة من يمنع فيروز من الغناء. وهي ترخص لمن يطلب منها ضمن الإمكانات المعطاة لها، وفي حدود صلاحياتها، لكن المشكلة الآن أن هناك طرفين يملكان عملا واحدا، وغير راضين عن (الساسم).

ويرى رئيس لجنة الملكية الفكرية والأدبية في نقابة المحامين اللبنانيين، كمال بارتي أن قضية فيروز مع أولاد منصور، تشوبها تعقيدات عدة، بسبب انضمام الأخوين رحباني إلى (الساسم). لكنه يؤكد في الوقت نفسه، على أن «حقوق المؤلف هي حق حصري لصاحبها مدى الحياة، وتبقى خمسين سنة بعد وفاته محصورة في ورثته». وهو أمر لا علاقة له بـ(الساسم) وغيرها من المؤسسات. وبالتالي فعلى الرغم من بعض التداخلات التي تشوب هذه القضية، بسبب أن فيروز أدت الأغنيات لفترة طويلة واشتهرت بها، فإن أولاد منصور من المفترض أن تكون لهم حقوقهم».

وليد حنا، محامي ورثة منصور الرحباني يسرد على مسامعنا عددا من مواد قانون الملكية الفكرية والأدبية اللبناني التي تؤكد حق أولاد منصور كورثة، كما فيروز وأولادها تماما، فيما تركه الرحبانيان ويعطينا أكثر من مثل ليثبت أن فيروز تعلم بذلك، ومارست هذا الحق في حياة منصور الرحباني وبالشراكة معه، دون أن تعتبر (الساسم) هي الموكلة بذلك. ويقول وليد حنا: «أقامت فيروز مع منصور الرحباني دعوى قضائية ضد عبد الله شاهين، لأنه يطبع ويستفيد من بيع مسرحيات الأخوين رحباني، منذ مدة طويلة جدا، دون أن يطلعهم على شيء، أو يدفع مستحقاته. كما أقامت فيروز مع منصور دعوى على تلفزيون (إل بي سي) وتحديدا برنامج (ستار أكاديمي)، لأنه يستخدم أغاني الأخوين رحباني، وأصدر (دي في دي) وباعه، يتضمن أغنيات رحبانية، دون إذن الورثة. وهناك دعوى مشتركة أقامها بالشراكة أيضا على أحد برامج (إم بي سي) لاستخدامه أغاني رحبانية». ويضيف حنا «هذا إقرار من فيروز بأن لها حقوقا مشتركة مع منصور عند مستخدمي الأغنيات خارج نطاق (الساسم)». ثم يسأل حنا: «كيف للمؤلف أو ورثته ألا يكون لهم حرية قبول أو رفض استخدام أغنياتهم، ألم تعترض فيروز على استخدام مادونا لأغنيتها (عيد الآلام)؟ ألم يتدخل محامي فيروز عدة مرات لإيقاف عدة أفلام استخدمت أغنيات لها؟ علما بأنها ليست المؤلف أو الملحن. ثم ألا يحق لها أو لأولاد منصور أن يتدخلوا مثلا لو استخدم فيلم إسرائيلي ربرتوار الأخوين رحباني لمجرد أن الأخوين انضما إلى الساسم؟» ويتساءل أيضا: «كيف لأصحاب الحقوق ألا يكون لهم أي رأي في إعادة مسرحيات الأخوين رحباني. ماذا لو جاء أحدهم وأعاد مسرحية وشوهها، أو أدخل عليها ما لا يليق؟ المنطق واضح والقوانين واضحة تماما».

ويؤكد حنا، وهو من العائلة الرحبانية وابن عمة أولاد منصور وعاصي على السواء، أن كل الكلام عن دعاوى أقامها منصور الرحباني ضد فيروز هو كلام عار عن الصحة، والدعوى الوحيدة التي أقامها منصور كانت مدنية وإثر صدور «دي في دي» إحدى حفلاتها في دبي عليه توقيع مزور لمنصور. لكن في المقابل، تقيم فيروز دعوى ضد «كازينو لبنان»، وورثة منصور الرحباني، بعد مراسلتهم للكازينو وتذكيره بأن عرض مسرحية «يعيش يعيش» يحتاج إذنهم، واعتذار الكازينو عن استقبال المسرحية. ورفض محامي «كازينو لبنان» ريمون شديد أن يشرح سبب الاعتذار عن تقديم المسرحية أو إعطاءنا أي تفاصيل حول هذا الموضوع، معتبرا أن فيروز اختارت القضاء ونحن نلتزم بذلك ونقول كلمتنا في المحكمة، لا في الصحافة.

وكشف وليد حنا لـ«الشرق الأوسط»، أن والده المحامي إلياس حنا، المتزوج من شقيقة الأخوين رحباني، كان قد توصل إلى اتفاق بين فيروز ومنصور الرحباني، ينص على حق كل منهما، بما في ذلك حقوق منصور المالية والمعنوية. لكن منصور الرحباني توفي للأسف قبل توقيع الاتفاق. ويضيف وليد حنا: «في هذه الفترة التقيت محامي فيروز فوزي مطران، وقلت له سننتظر أن تنتهي فترة الحداد، ونوقع الاتفاق، فوافقني الرأي. لكن لا أدري كيف طلعت غضبة ريما الرحباني عند صدور قرار وزارة التربية، ولم تعد تقتنع بأن عدم ذكر اسم والدها هو مجرد خطأ. وحتى بعد تصحيح الخطأ وإبلاغ محامي فيروز بذلك، رفض التوقف عن إصدار البيان، ومن يومها والأمور تزداد اشتعالا». ويعتبر حنا أن موقف فيروز هو نتيجة نصائح قانونية غير مدروسة من محاميها، لن تؤدي إلى أي نتيجة.