العرب والأتراك: سوء تفاهم دفن ثروة ثمينة

مؤتمر في دمشق لتصحيح قراءة التاريخ المشترك مع الأتراك

TT

دعت وزارة الثقافة السورية ومركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية «أرسيكا» في إسطنبول إلى مؤتمر «العرب والأتراك مسيرة تاريخ وحضارة» عقد في دمشق الأسبوع الماضي بهدف إعادة النظر في علاقة العرب والأتراك، فمنذ انهيار السلطنة العثمانية، والعلاقات بينهما محكومة بالالتباس، فهم من جانب يجمعهم الجوار الجغرافي والدين والتاريخ المشترك، ومن جانب آخر يصعب على كثير من العرب النظر إلى الأتراك بمعزل عن ماضي الاحتلال والاستبداد، لكن النظرة إلى تركيا راحت تتغير في السنوات الأخيرة مع بروز دور تركي جديد في المنطقة منفتح على العرب وداعم لقضاياهم. الأمر الذي تطلب إعادة نظر في القراءة التاريخية للعلاقة العربية - التركية والانتقال من خانة الالتباس إلى خانة التعاون والتكامل والثقة. وعلى مدى يومين، ناقش مثقفون عرب وأتراك ما وصفه وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا «سوء التفاهم» بين العرب والأتراك الذي بدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر، وسببه الرئيسي - بحسب رأي الوزير السوري – «الصهيونية التي فتكت بتلك العلاقات بدءا من زيارة هرتزل للسلطان عبد الحميد الثاني». ودعا الوزير السوري إلى «التركيز على الإيجابيات في العلاقة بين العرب والأتراك من أجل أن نمضي بعلاقة وثيقة معا في المستقبل محاولين زيادة التدفق في الترجمة بين الطرفين». السفير التركي في دمشق عمر أونهون لم يتحدث عن سوء تفاهم، وإنما «ثروة دفينة قد نجهل بعض ملامحها» التي هي العرب والأتراك ورأى أهمية هذا المؤتمر تكمن «في توضيح الصورة الحقيقية للعلاقات بين الجانبين»

ليبدو لنا اليوم أن الخطاب العربي كرس على مدى القرن العشرين، صورة ناقصة للعلاقة مع تركيا بهدف تبرير مطالب الاستقلال عن الدولة العثمانية، عدل زاوية النظر حيال جار انتبه فجأة أنه لم يقرأ تاريخه كما يجب، وأن وقوف تركيا إلى جانب القضايا العربية ليس مستجدا، بل إن للأتراك السلاجقة دورا تاريخيا في التصدي للحملات الصليبية في بلاد الشام، تحدث عنه الدكتور وليد رضوان في مداخلة بعنوان «العرب والسلاجقة والدفاع ضد الغزو الأجنبي»، توقف فيها عند دور كل من القادة نور الدين وعماد الدين زنكي في «مواجهة حملات الفرنجة وتحرير المدن العربية وتوحيد بلاد الشام ثم بلاد الشام ومصر»، إضافة إلى نجاح نور الدين الزنكي في تأسيس «دولة كانت الأولى على مستوى العالم في تقديم الضمان الصحي لكل المواطنين».الدكتور جنكيز تومان من تركيا، أوغل أكثر في العلاقات التركية - العربية، فتناول تاريخها قبل الإمبراطورية العثمانية، مبينا عمق العلاقات التركية - العربية ليس من الناحية السياسية فقط، وإنما في التعليم والفن والثقافة. الدكتور نذير العظمة وسع دائرة بحثه عن اشتراك العرب والأتراك في الدفاع والمقاومة «ضد مراكز النفوذ والقوة في العهود التاريخية المختلفة». ودور الأتراك في «التعبئة ضد بيزنطة وروما وأوروبا التي حاولت أن تخرج من أزمة تزايد سكاني وفائض قوة معرفي واقتصادي وتكنولوجي بالسيطرة على العالم، الأمر الذي أدى إلى نشوء حركة الاستعمار في الأزمنة الحديثة».

في حين اعتبر توفال بوزبنار، من تركيا أن الفترة العثمانية «شهدت مرحلة فريدة من نوعها» فقد كان الجانبان أثناء الحكم العثماني «رعايا دولة واحدة» وناضلا معا «كأعضاء في دولة واحدة ضد الأعداء الخارجيين». الدكتور وجيه كوثراني، حاول تقديم مفاهيم قراءة موضوعية للتاريخ العثماني من خلال «أربعة منطلقات في معالجة التاريخ العثماني» منها «اندراج التاريخ العثماني في منطق ومسار التاريخ الإسلامي العام ولا سيما في النطاق الذي درسه ابن خلدون، بالإضافة إلى اندراجه أيضا في محيطه الحضاري المتوسطي والآسيوي وخضوعه لقانون التغير في الأزمنة التاريخية والتمييز بين الذاكرة الجماعية والكتابة التاريخية»

الدكتور صبحي ساعتجي، قرأ العلاقة من خلال الفن المعماري السوري في العهد العثماني، منوها بالدور الكبير الذي لعبته المؤسسات التعليمية والثقافية في المحافظة على ملامح المدن وما تحويه من آثار مهمة وثقت معالم الحضارة الإسلامية. كما لفت الدكتور يحيى محمد محمود، من مصر إلى أن «أسواق إسطنبول كانت في القرن السابع عشر الميلادي مركزا لتسويق الفنون الدمشقية في بلدان أوروبا المختلفة»

خلص المؤتمر إلى ضرورة تكثيف اللقاءات العلمية والفكرية التي «تسهم في رسم خطوط التواصل والتفاهم للارتقاء بالعلاقات العربية - التركية». وأكد البيان الختامي على أهمية «ترجمة الوثائق وزيادة حركة النشر والترجمة في الاتجاهين والدعوة إلى زيادة فتح مدارس تعليم العربية والتركية وتقديم المنح الدراسية لتوفير المزيد من فرص تنشيط تعلم اللغتين، وفتح مكتبات المخطوطات أمام الباحثين العرب والأتراك وتسهيل مهماتهم، إضافة إلى تخصيص جوائز مجزية للبحوث والدراسات التي تبحث في توثيق القواسم المشتركة في الموسيقى والثقافة والتراث المعماري والفنون». ولعل أبرز نقطة في البيان كانت في تأكيده على «ضرورة الصراحة التامة» في تبيان إيجابيات وسلبيات العلاقات العربية والتركية بما يؤدي للوصول إلى قواعد مشتركة لبناء تعاون إيجابي مشترك وتأليف لجان لإعادة صياغة التاريخ وإنتاج برامج وثائقية تظهر التاريخ الحقيقي للروابط العربية - التركية منذ بداية الدولة الإسلامية.