لماذا لا يمارس غلاف الكتاب العربي فن الإغراء؟

إتقان الغواية يبدأ من الاشتغال على الخطوط ولا ينتهي على الكومبيوتر

TT

لماذا انحدر فن تصميم غلاف الكتاب في العالم العربي، وهو أصلا لم يكن على المستوى المطلوب؟

ما الذي يجعل التطور التكنولوجي يؤثر سلبا على جمالية الغلاف عند العرب، وإيجابا عند غيرهم؟

ولماذا تبقى أغلفتنا باهتة، فوضوية، بدلا من أن نجعل منها صفحة جذب لا تقاوم، كي تصطاد القارئ وتوقعه في شباكها؟ تحقيق يبحث في وسائل الخروج من مأزق تردي الأغلفة العربية.

* على الرغم من أن المثل الشعبي الدارج يقول: «الكتاب يقرأ من عنوانه» مشكلا دلالة مهمة على عمق ما يحتويه النص، وعلى الرغم من تطور صناعة الكتب والتقدم الهائل في علوم الكومبيوتر، وتنامي ذائقة القراء، فإن أغلفة الكتب في عالمنا العربي، لا تزال - في الأغلب - رديئة وباهتة، تفتقر لعناصر الجذب والتشويق. ولا تشير الأغلفة إلى التمايز الذي تفرضه طبيعة الأجناس الأدبية واختلافها، ما بين قصة ورواية ومسرحية، ودواوين شعر، وأدب أطفال، وكتب في الفن والتاريخ والجغرافيا والعلم، ودراسات التراث والمعاجم، وغيرها من صنوف المعرفة.

«الشرق الأوسط» في هذا التحقيق استطلعت آراء نخبة من المختصين في صناعة الكتب حول هذه القضية، وكيف يصبح غلاف الكتاب نصا موازيا لما يحتويه الكتاب نفسه، على مستوى الدلالة والتشكيل والرؤية؟ وما هي الأسس والمقومات الجمالية والآيديولوجية التي يتم على أساسها اختيار غلاف الكتاب؟ وفي المقابل ما الذي يعوق تحقيق هذا الهدف؟ خاصة أن صناعة الأغلفة أصبحت تجارة رابحة، في ظل تعدد دور النشر في عالمنا العربي، وتسابقها على نشر الكتاب، ومحاولة كل منها أن يكون له خصوصية في فضاء الطباعة والنشر.

في بحث لنيل درجة الماجستير للباحثة أريج صلاح الدين سعد، عن السمات الفنية لأوائل الكتب المطبوعة في أوروبا من القرن الرابع عشر إلى القرن السادس عشر، خلصت الباحثة إلى أن هذه الفترة تعد من أكثر الفترات خصوبة وثراء في فنون صناعة الكتاب، حيث عمل خلالها كبار الفنانين لاستحداث الجديد واستخدموا الكثير من التقنيات، باحثين عن التفرد والتميز. كما ظهر في تلك الفترة الكثير من الطباعيين المتميزين الذين أصدروا كتبا اعتبرت علامة مميزة، مما كان له الأثر البالغ في الارتقاء بمستوى الكتاب.

وأوصت الدراسة العلمية بالاهتمام بدراسة الخطوط العربية والإسلامية والبحث المستمر فيها، وأيضا الاهتمام بتقديم دراسات حول فناني الغرافيك وفنون الكتاب ودراسة أعمالهم وإلقاء الضوء عليهم. كما أوصت الدراسة بالعودة إلى الاهتمام بفنون الحفر والطباعة الأولى كأحد أعظم وأجمل فنون الغرافيك، والحرص على تقديم بعض الكتب التي تحمل الطابع الفني الأصيل دون الاعتماد على تكنولوجيا الطباعة. وأكدت الباحثة في رسالتها أن ضعف القوة الشرائية للكتاب العربي أثر على طرق صناعته عموما. كما شددت على عدم المبالغة في الاعتماد على الكومبيوتر بشكل خاطئ دون الاهتمام بالشكل الجمالي، لأنه ينتج أغلفة مكتظة بالكلمات والصور، دون تناسق.

الناشر خالد زغلول، رئيس مجلس إدارة دار «مصر المحروسة» للنشر والتوزيع حدد الأمر أساسا في الخط العربي قائلا: اللغة العربية مختلفة عن اللغة اللاتينية، ويجب على مصمم الغلاف أن يفهم فنيات وجماليات الخط العربي، مشيرا إلى أن الفنان حامد العويضي هو الوحيد الذي فهم هذا وقدمه بتميز، فقد درس الخط العربي دراسة معمقة لسنوات طويلة، وعندما قام بتصميم الأغلفة كان يتكئ على أرضية خصبة، وقام بتوظيف الحرف جيدا في الغلاف. أما خطوط الكومبيوتر التي يعملون بها الآن فهي مجرد قوالب جامدة يعمل عليها الجميع، وأصبح الغلاف مزدحما بلا داع وبشكل مربك. بعض دور النشر الكبرى تصنع لنفسها خصوصية. صحيح أننا عندما نرى أغلفة هذه الدور نعرف أنها لهذه الدار بعينها، لكن جماليات الغلاف قصة أخرى. اللغة العربية بخطوطها صعبة جدا، وتصميم الأغلفة ليس بلصق اسم الدار والمؤلف والكتاب. المرحوم محيي الدين اللباد كان متميزا جدا، وكان يستخدم الحرف العربي بحرفية ورقي فني، والمتميزون حاليا في تصميم الغلاف قليلون جدا.

وفي رأي الدكتور يحيى عبده، عميد كلية الفنون الجميلة السابق بالقاهرة، أستاذ الغرافيك، وله تجارب متميزة في تصميم الأغلفة، فإن استخدام الخط العربي على الغلاف يجب أن يكون بنسب فنية، وله وظيفة جمالية تتقاطع مع محتوى الكتاب نفسه، لافتا إلى أنه في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانت الأغلفة سيئة وبدائية. أما منذ بداية الثمانينات، وصولا إلى منتصف الألفية الثانية، فهناك أغلفة كثيرة مميزة كما وكيفا. هي أغلفة تعبر عن جوهر المضمون. لكن في السنوات القليلة الماضية أصبحت السمة الرئيسية للأغلفة هي الاستسهال والسطحية، بجمع عناصر من شبكة الإنترنت ووضع أي شيء على الغلاف، وأصبحت دور النشر لا تدفع ثمنا مقابل تصميم غلاف الكتاب، وتأخذه مجانا من صفحات الإنترنت. وهناك دور نشر عندها قسم فني، من مهامه الأساسية البحث عن الأغلفة إلكترونيا. كما أن المتلقي لا توجد عنده ثقافة فنية ليفرق بين الجيد والغث، فالمثقف ليس وحده هو القارئ. كما أن الخط العربي الكلاسيكي مع كل جماله موجود وأنواعه كثيرة، لكن المهم كيف نشكل منه إبداعا تشكيليا يصلح لتصميم غلاف.

ويرى عبده أن الغلاف الجيد يجب أن تتوازى فكرته وأبعاده الفنية مع مضمون الكتاب، وليس من الضرورة أن تتطابق معه، هي تومض وتشير من بعيد، وكأنها بمثابة مفتاح أو مدخل للولوج إلى عالم الكتاب، ومن ثم هناك رسالة في الغلاف، ورسالة في المضمون.

دار نشر «سحاب» معنية بعلوم التربية والإدارة والإعلام. وقد أكد رئيس مجلس إدارة الدار، عادل عبده، أنه لا بد لكل دار أن تخلق لنفسها شخصية في كتبها ويكون الغلاف عاملا مهما جدا في ذلك، وبالإضافة لأهميته للدار هناك أهمية أخرى للقارئ. فعندما تتربى عين الطفل مثلا على كتب جميلة وصور متزنة في عناصرها يكبر وعنده ذوق في تعاملاته مع البشر والحياة، في لبسه، في عمله، في أشياء كثيرة. لذلك فرسوم الكتب لها دور تربوي مهم ويجب الاهتمام بها.

ويؤكد صاحب دار «سحاب» أن دار النشر التي توفر نقودها بعدم إعطاء الغلاف حقه، هي الخاسر الأول. كما أن الشباب الجديد العامل في هذا المجال الذي يبحث عن قطعة من هنا وأخرى من هناك، هو أيضا خاسر عندما لا يقدم تميزا لنفسه.

أما أحد فناني أغلفة الكتب من الشباب المبشرين، صاحب صيت متميز في الوسط الثقافي المصري، عمرو الكفراوي، فيشتكي من عدم وجود دراسة متخصصة عن صناعة الكتاب. ففي كلية الفنون الجميلة هناك ما يسمى فن الكتاب وليس صناعة الكتاب بشكل متعمق، من تصميم الصفحة، وشخصية الكتاب، وشخصية دار النشر، وشكل الكتاب الحديث، ونوعية الورق، وورق الغلاف، وأنواع القطع. ولا توجد دراسة مستفيضة عن كل هذا في المنطقة العربية. يتابع الكفراوي: بعض دور النشر من كثرة تدخلها في التصميم تفسده. فهي تريد العنوان كبيرا واسم الدار أيضا، وتقترح صورا ساذجة لجذب القارئ، فالناشر - في الغالب - يريد شيئا لافتا وهذا يسيء للكتاب. كما أن الطباعة في مصر تعاني الكثير من المشكلات. فسورية ولبنان لهما نفس إمكانيات المطابع المصرية، بل كثيرا ما تكون المطابع المصرية أكثر تطورا، لكن العامل هناك عنده إحساس بالطباعة أكثر، والمصمم كذلك عنده فكرة عن الطباعة، لذا كثيرا ما يفسد العمل بعد الطباعة ويتهم المصمم المطبعة، لكن الخطأ يكون منه، فهو لا يعرف شيئا عن الطباعة. وعن برامج الكومبيوتر، يرى عمرو أنها أفادت العالم كله، لكنها في مصر لم تضف لفن الغلاف الكثير. في فترة الثمانينات والسبعينات من القرن الماضي كان التصميم يحوي رسوما أكثر ويعتني بالخط. الآن خطوط الكومبيوتر بها تنوع مهول. لكن قليلا ما تقع العين على خط جميل. زمان كان الخطاط يبدع ويقدم خطا فيه اجتهاد شخصي، لكن الآن أصبح الأشخاص يستسهلون الخط الجاهز والفن الجاهز، وهو في معظمه ليس جميلا. كما أن العرب لم يضيفوا إلى الكومبيوتر - في مجال الخطوط - شيئا عدا إيران ولبنان. وهناك تجارب في المغرب ومصر لكن ما زالت جماليات الخط العربي على الكومبيوتر ليست عالية.

وأضاف قائلا: «معظم خريجي كليات الفنون الجميلة لم يدرسوا برامج الكومبيوتر المتخصصة، وكيفية التعامل السليم مع الصورة. ما يحدث الآن ضوضاء بصرية من دون تصميم ومن دون جمال. وهذا سببه الأول التعامل السيئ مع الكومبيوتر، من دون دراسة متكاملة ومعرفة عميقة».

من جهته يرى الفنان محمد عبلة أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تميزا من بعض الدور الخاصة في تصميمات الأغلفة، أما «الهيئة العامة للكتاب» وبعض الهيئات الحكومية والخاصة فأغلفتها سيئة وهم لا يدفعون جيدا للمصممين، لذا تأتي الأغلفة رديئة.

واقترح عبلة فكرة جميلة، وهي إقامة مسابقة سنوية عن أجمل غلاف، مشيرا إلى أنها فكرة موجودة في أوروبا. ويوضح عبلة أنه لو دفعت كل دار مبلغا بسيطا في حدود 200 جنيه مثلا من أجل هذه المسابقة، أو يقوم بذلك المجلس الأعلى للثقافة، أو الهيئة العامة للكتاب، أو المجلس القومي للترجمة، فإن هذه المسابقة ستشجع الكثيرين على التميز.

ويؤكد عبلة أن الأغلفة مهمة لدور النشر، فهي عامل جذب للكتاب أو عامل نفور. لذا يكون مصمم الغلاف شريكا للمؤلف، ويوجد فنانون في الخارج يكسبون قوتهم ويعيشون من مردود الأغلفة فقط.