ثقافة الطفل في السعودية.. من يقرع الجرس؟

باحثون وأدباء يدعون لمشروع وطني ينهض بها

TT

مشكلة الثقافة الموجهة للطفل، من كتب وأدب وسمعيات وبصريات تتوسل بالتقنية الحديثة، من المشكلات المهملة التي يقل الحديث عنها. ليس فقط بسبب التغافل عن أهميتها، ولكن لأن المشكلات التي تصيب الوعي المعرفي والثقافي كثيرة إلى درجة لم تعد هذه سوى «شذرات» منها.

إنها تتعدى حجم القراء الصغار، إلى طبيعة المنتج الموجه لهم، وهو كتاب الطفل، الذي على الرغم من شحه وقلته، وعلى الرغم من أنه لا يفي بالغرض في اجتذاب الطفل وتعليمه وتنشئته، فإنه أدب يعيد إنتاج المباني الأدبية القديمة التي تخاطب الطفل بلغة عفّى عليها الزمن، تستعيد أحيانا البطولات الفردية، والأسطورة، وقصص المعارك والبطولات التي ربما كانت تلهم الطفل قبل قرن من الزمان، لكنها اليوم بحاجة إلى مراجعة لكي تلائم خيال طفل اليوم.

في الملف التالي، يتحدث مثقفون سعوديون، عن طبيعة المشكلة، وأهميتها وفرص حلها.

* الشمري: إشكالية وعي

* الكاتب والروائي السعودي عبد الحفيظ الشمري، وهو من الأدباء السعوديين الذين كتبوا للطفل، يقول: «عند الحديث عن الأدب السعودي الموجه للطفل على وجه التحديد، من حكاية أو قصة أو قصيدة، لا بد من أن نتعرض لـ(إشكالية الوعي)، ونتوقف عندها كثيرا، فهي من أخطر الإشكاليات التي تواجه ذائقة الطفل، ليس في السعودية وحدها، إنما في عامة العالم العربي. ويعتقد الشمري أن أول ملامح هذه الإشكالية هو ندرة العمل الأدبي أو المعرفي الموجه للطفل، لا سيما القصص المدعومة بالصور أو البرامج الموجهة بأسلوب شيق، أو المشاهد التمثيلية المحققة للمتعة والفائدة أو الأفلام ذات المغزى أو البعد الجمالي الواعي».

ويضيف الشمري: «إذا ما حاولنا التفاؤل، فربما نستبدل الغياب بالندرة، وهذا لا يحل المشكلة إنما يجعلها قائمة، فطالما أنه لم يكن هناك دعم مادي لمشروع ثقافة الطفل يتمثل في تجهيز وإعداد الكثير من الأعمال الفنية التي تعتمد على خبرة وعطاء جيل كامل من الأدباء والمثقفين الذين لديهم الرغبة ويمتلكون الكثير من القصص والبرامج والأفكار التي تخدم ثقافة الطفل وأدبه وذائقته، لكن مع غياب الدعم المادي، ندرك أننا في موازاة قضية لن تحل».

ويشير الشمري إلى أن زراعة حب القراءة عند الطفل تحتاج إلى توفر العمل الأدبي المهتم به، بشكل يسهم في بناء وتنمية شخصيته، بما يعود بالنفع على مجتمعه. وهذا يتطلب توفر مصادر قراءات الطفل ومطالعاته.

وهو يرى أن هناك بعض الجهد الذي يبذل في مجال ثقافة الطفل، إلا أن هناك نقصا واضحا في بناء منظومة ثقافية متكاملة، حسب منهج حديث يأخذ في الاعتبار خصوصية المجتمع والبيئة.

وعن مدى اهتمام الأدباء السعوديين بالطفل وأدبه، قال الشمري: «إن الأديب السعودي لديه القدرة على الكتابة للطفل بوصفه حالة إنسانية خاصة، انطلاقا من خبرة حياتية صرفة، قادرا على تدوين الكثير من القصص والحكايات والمعارف، كما في نصوص وحكايات الأديب والمؤرخ عبد الكريم الجهيمان، الذي عني بأدب الطفل، وصاغ من خلال خبرته الحياتية وتراكمات عطائه الأدبي الكثير من القصص الشيقة والرسائل الإنسانية الجديرة بالمتابعة والاهتمام».

إذن، يضيف الشمري، لا بد من «غرس مفاهيم حضارية جديدة ومتطورة من خلال المادة الأدبية والإسهام قدر المستطاع في تحرير خطاب إنساني مفعم بالوعي، لا بصيغ التلقين والتخويف والحشو الذي قد لا يكون له وجود الآن، لا سيما في زمن الصورة والمشهد».

ويسجل الكاتب بعض المطالب من أجل نهوض مشروع ثقافي ومعرفي للطفل في السعودية، من خلال قيام مشروع وطني متكامل ترعاه جهات مستقلة عن خطط ومشاريع التربية والتعليم، لأن «هذه التجارب على مدى عقود لم تحقق ما يبحث عنه الطفل، ليس لقصور أو عجز من هذه الجهات، إنما من منطلق اضطلاعها بمهام أخرى تتعلق بالمنهج والتعليم والتلقين ومكافحة الأمية».

* الزهراني: الطفل لم يعد قارئا

* من جانبه، يرى الشاعر السعودي حسن الزهراني، رئيس نادي الباحة الأدبي، أن الطفل السعودي لم يعد قارئا، عازيا السبب إلى تراجع وعي المجتمع والمؤسسات التعليمية والثقافية بتربية الطفل ثقافيا، وعدم إدراك المسؤولين هول الكارثة.

ودعا الزهراني إلى وضع استراتيجية تدرس هذه الظاهرة، وتعد البحوث والدراسات الكفيلة بإيجاد حلول من أجل جذب الطفل للقراءة وتعويده عليها، وجعلها جزءا من حياته، داعيا إلى أن تشمل الاستراتيجية المعدة لثقافة الطفل كل فئات ومؤسسات المجتمع، بدءا من الأسرة، وصولا للمدارس والجامعات والمؤسسات الثقافية، وأن يتم تقويم هذه الاستراتيجية مرحليا لتعزيز نقاط التميز ومعالجة الضعف.

وبالنسبة لواقع الثقافة الموجهة للأطفال في السعودية، يقول الزهراني: «ما زلنا نحبو حبوا، على الرغم من تقديري لكل من كتب للطفل من أفراد أو مؤسسات، لكن هذا ليس ذنبهم؛ فقد قدموا جهدا يشكرون عليه، ولهم سبق المبادرة، لكن الأمر يحتاج إلى تغيير شامل ومتكامل». وعن مسؤولية المؤسسات الثقافية، وهو يرأس إحداها، قال الزهراني: «طرحنا في نادي الباحة الأدبي مسابقة (صديق مكتبة النادي)، وأعلنا عنها في وسائل الإعلام المختلفة، ولكنا صدمنا بقلة المتنافسين، ومع ذلك كرمنا الطالب الذي استحق الفوز، وتناولت الصحف الفكرة على أنها رائدة، ولكن هذه الجهود الخاصة لن تغير شيئا ما لم نتكاتف لهذا الأمر».

* العيدان: نحو بدائل عصرية

* الكاتب بدر العيدان، وهو الآخر من المهتمين بأدب الطفل، يضيف سببا آخر للفجوة بين الأدباء وعالم الطفل، هذه الفجوة تتمثل في عدم الاهتمام بالعنصر التقني الحديث الذي يستهوي الكثير من الأطفال.

يقول عن ذلك: «نظرا لاستطاعة الطفل تثقيف نفسه بطرق التقنية الحديثة، التي يمكنها أن توفر لهم وجبات ثقافية ومعرفية من خلال الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة، بالإضافة لوسائل الترفيه المختلفة، فإن من المناسب العمل على تسويق منتجات ثقافية عبر هذه الوسائل التي ينجذب إليها الطفل».

* ملاك الخالدي:

لا حواضن لأدب الطفل

الشاعرة والكاتبة السعودية ملاك الخالدي، التي اشتغلت على كتابة أناشيد وقصص للأطفال، ترى أن انصراف الطفل عن عالم القراءة، يعود في المقام الأول لانصراف الأدباء السعوديين، عن الكتابة للطفل (كأن الكتابة للطفل تنقص من قدر الكاتب أو قيمة ما يكتب، متناسين أن الكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابة وأخطرها؛ فكلما صغرت الفكرة وتناقص عمر المتلقي بدا التعبير عنها صعبا لا يسرجه إلا متمكن).

وهي تعتقد أن أدب الطفل في السعودية يبدو متأخرا عن غيره في الأقطار العربية الأخرى، فلم تظهر في السعودية قامات عملاقة تتناول وتتبنى أدب الطفل، كسليمان العيسى في سورية مثلا.

إن أدب الأطفال في السعودية يعاني، كما تضيف، من الإهمال، على الرغم من الوعي المتنامي بضرورة بناء الطفل في كل جوانبه، ومنها الجانب العقلي والعاطفي، ويشكل الأدب أحد أهم منابع إرفاد هذين الجانبين. تقول: «أدب الطفل السعودي بحاجة إلى مصادر، وذلك بجمع نتاج الأدباء بهذا الشأن، ومن ثم فهو بحاجة للتحفيز، بإقامة الملتقيات وورش العمل والمؤتمرات والمسابقات، وبحاجة لإنشاء مكتبات متخصصة لإفادة المتخصصين والمهتمين والأطفال على حد سواء، فالمتخصصون بحاجة لها للبحث والتطوير، والأطفال بحاجة لها للارتقاء جماليا وعقليا ولغويا، والأمران كلاهما يدفعان لظهور أدب طفل أكثر جودة».

* فردوس: حبيس ثقافات خارجية

* وبالنسبة لفردوس أبو القاسم، وهي كاتبة قصص للأطفال، ومديرة إدارة صعوبات التعلم بوزارة التربية والتعليم السعودية، فإنه يمكن تحفيز الطفل على قراءة الأدب، ابتداء من البيت فالمدرسة، حيث تقع مسؤولية توجيه الطفل وتعويده على القراءة. تقول: «يجب إدراك أن أدب الطفل ليس نوعا من الترف الثقافي أو الحضاري، بل هو جزء مهم في بناء شخصية الأطفال باعتبارهم عماد المستقبل، وهذا الأدب هو ما يرتقي بسلوك الطفل إذا كان مضمونه متفقا مع القيم الاجتماعية الصحيحة؛ فالحضارات تقوم على مثل هذه القيم».

وفي تقييمها لما تحتويه المكتبة اليوم من إصدارات في مجال أدب الطفل، تقول فردوس أبو القاسم: «إن أدب الطفل في العالم العربي عامة اعتمد على الأساطير والقصص الإسلامية وقصص الحيوانات والبطولات الفردية، ثم ازدحم الميدان بالقصص المترجمة، وهذا مؤشر على أن الأدب العربي كان، وما زال، يحتاج إلى تطوير وتغيير في أساليب مخاطبة الطفل وتوجيه الرسالة الأدبية له، وهذا ما نجح فيه أدب الأطفال الإنجليزي، فمن المعروف أنه كان له تأثير كبير في أدب الأطفال العالمي، حيث ترجمت كتب الأطفال الإنجليزية للغات كثيرة».

وتضيف أن «الاهتمام بأدب الطفل سيرتقي، عندما يتم إقناع الطفل بأهمية القراءة وماذا يجب أن يقدم للطفل وبعناية، وماذا يحتاج هو وبأي أسلوب مثير لاهتمامه ومحفز لقدراته. هناك بشكل عام حراك ثقافي موجه للطفل من حيث الأنشطة التي تقام، وتخصص فعاليات موجهة للطفل بشكل مناسب. وأشير هنا إلى دور مكتبة الطفل بمكتبة الملك عبد العزيز (الرياض) وأنشطتها، حيث تحاول معالجة القصور في القراءة من حيث تعزيز ثقافة القراءة ومفهومها وانعكاساتها الإيجابية على المجتمع».