الشاعرة السعودية هدى الدغفق: تحولات الشعر السعودي وحداثته جعلته الأفضل خليجيا

قالت إن النقد مدمر للإبداع إذا كان تقليديا يتكئ على التشاكي

TT

تؤكد الشاعرة السعودية هدى الدغفق لـ«الشرق الأوسط» أنها وجدت ضالتها كشاعرة في مجموعتها «لهفة جديدة»، بما تمتاز به من كثافة في الصورة الشعرية. الدغفق التي ترأس اللجنة النسوية بنادي الرياض الأدبي تميل في تجربتها الشعرية إلى قصيدة النثر، وهو ما انعكس في مجموعتها الشعرية الأولى «الظلّ إلى أعلى»، على الرغم من أنها ما زالت تحتفظ بعلاقة شعرية مع قصيدة التفعيلة.

وقالت الدغفق إن تحولات وحداثة الشعر السعودي جعلته الأفضل خليجيا، وإن الحركة الشعرية السعودية الأكثر استيعابا للحداثة عربيا بشهادة الأنطلوجيات المتعددة. وتضيف: «إن الجرأة الفنية في ابتكار التراكيب الأنضج أكسبت هذا الشعر القدرة على الربط بين واقع الحال وتحولاته، وهو ما تفتقده كثير من التجارب الشعرية العربية الشابة التي ظلت حبيسة تجربة التقليد وصنم القدوة ولم تخرج عن عباءة الهرم الشعري للرواد أمثال درويش والماغوط وأدونيس وأبي شقرا».

وأكثر ما يشغل الدغفق كشاعرة سعودية هو التعبير عن المرأة والمجتمع، وعن الفكرة العامة البسيطة، من خلال الشعر الذي يعبر عن الإنسان، بعيدا عن الحقوقية ومفهومها التجاري ذي التصنيف السياسي. «هذه نظرتي إليه، فهو حاليا خارج إطار الأنسنة، وإذا ربطنا الشعر بهذه المفاهيم العولمية قتلنا روحه، فالشعر هو الحق، وليس الحقوق، التي هي جزء ضئيل جدا وحيز، وريشة من جناح ضخم نستفيء تحت ظلاله، وهو الحق، أي بمعنى آخر، الشعر حيث يدعو إلى الجمال».

من جهة أخرى ترى الدغفق أن «الشعر هو نقد وفكر وإلهام للإبداع ونظرية الفلسفة وسارد الرواية ومرويها، وهو الحياة التي لا تحتاج إلى تخمين، وإن كان هناك من رأي أو بحث أو دراسة فمن يقوم بها هو المستفيد وليس الشاعر».

ومع التسارع التقني تعتقد الدغفق أن الشاعر بحاجة إلى مضاعفة أدواته القرائية ليصنع رأيه الصائب كشاعر أو متلقٍّ إزاء مؤلفاته ومواقفه منها سلبا أو إيجابا، وقالت: «متى ما أحببنا أعمالنا وقرأنا ذواتنا فذلك هو النقد الحري بنا أن نلجأ إليه. أشعر أن النقد مرحلة بدائية في هذا الوقت، وربما ينزعج مني النقاد، إلا أنني مع احترامي الكبير لجهودهم لا أرى للنقد أهمية كبرى سوى للطلبة ومن يرغب أن يستدل على سمة غائبة عن طريقه الذي يخطوه ويتدرب على المشي في سبله فحسب».

وأضافت الدغفق: «يخطئ من يظن أن مهمة الشعر التعبير عن المسكوت عنه، فالشعر ليس بيانا وليس راية حرب، الشعر طاقة خلاقة تبث مكنوناتها في الذات لتعيد إليها الصفاء، وهي نطفة تتخلق في الشاعر وتنتقل عدواها بالقراءة إلى متلقيها ليشارك الشاعر في نمائها وتجددها وتناسلها».

وبالنسبة للشاعرات تقول: «هناك شاعرات جديدات قادمات وبقوة، لمست ذلك من خلال متابعتي للحركة الشعرية سواء في ما تصدره المؤسسات الثقافية من مؤلفات أو دور النشر الأخرى، وكذلك الأمسيات والمسابقات الإبداعية. وكوني أشغل منصب رئيسة للجنة النسائية في النادي الأدبي بالرياض فقد توصلت إلى كثير من التجارب الشعرية الناضجة التي بثت فيّ الثقة بتجربة الشاعرات السعوديات الشابات».

وأما عن أهم التقاطعات والعناصر المتداخلة التي عبرت عنها مجموعتها الأولى «الظلّ إلى أعلى»، فتعتقد أنها «تعبير عن سياستها الإبداعية في مراحلها الأولى، وعنها بشكل عام، وعن الحياة بضغوطها وألوانها، وعن نظرتها الخاصة إلى تحولات كل التجارب الفطرية التي مرت بي وتطلعاتي التي اختلفت تماما عنها في الديوان الثاني».

وهي تعتقد أن مجموعتها «لهفة جديدة» كانت تجربة جديدة نحو تجربة القصيدة الومضة بما تمتاز به من كثافة في الصورة الشعرية، وهي - كما ترى - محرك لخوض تجربتها مع قصيدة النثر التي انتُقدت عليها من بعضهم، وهي لا تخفي فخرها بهذه التجربة، مقتنعة بأنها ضالتها التي وجدتها، «وهذا لا يعني براءتي من قصيدة التفعيلة، إلا أن لها زمانها الذي خضته وانتهى بالنسبة لي».

وفي هذا السياق قالت الدغفق: «لست ضد طريقة شعرية أو أسلوب فني أدبي شعري أو نثري، إلا أنني وجدتني أميل إلى قصيدة النثر وأعشقها منذ زمن طويل قبل كتابتي الشعر، إلا أنني كتبت في مجموعتي الأولى بأسلوب التفعيلة، أما ديواني الثالث (حقل فَراش)، وهو قيد الطبع أرجو أن أنتهي منه هذا العام، فهو نثر كذلك، وأظن أن هذا دربي الذي سأبقى على نهجه، وقد اختار كلانا الآخر».

يذكر أن بعض أشعار الدغفق تم ترجمته للإسبانية والألمانية والإنجليزية، كما ترجمت لها مشاركة في مهرجان المتنبي الخامس بسويسرا 2005، بالإضافة إلى ترجمة مجموعة مختارة من «سهرت إلى قدري» بجانب ترجمة أخرى سمتها «بحيرة وجهي»، بينما أعادت ترجمة مجموعة أخرى من نصوصها باللغة الإنجليزية بعنوان «ريشة لا تطير»، صدرت عن دار الفارابي 2008، وكذلك مجموعة شعرية للفرنسية بعنوان «امرأة لم تكن» صدرت 2008، وآخر مشاريعها كان للإيطالية في أنطولوجيا خاصة بها تصدر هذه الأيام، وكل مجموعة برأيها تختلف نصوصها عن الأخرى. واهتمام الدغفق بترجمة أعمالها يأتي من سعيها التواصل مع المتلقي الآخر، وفي ذلك قالت: «كسعودية تدرك مسؤوليتها الأساسية التي تنطلق من دورها في نشر الوعي بمكانتها بين أفراد مجتمعها، لست أبحث عن صك اعتراف من أحد إذا لم أحصل عليه هنا في وطني. الاعتراف يبدأ من المجتمع الذي أعيش فيه وأنتمي إليه».