الاستراتيجية السعودية مثال صالح

السفير السعودي لدى لبنان يكتب عن ظاهرة الإرهاب:

غلاف الكتاب
TT

كتاب «مكافحة الإرهاب» للسفير السعودي لدى لبنان علي بن سعيد بن عواض عسيري، كُتب أصلا باللغة الإنجليزية، كأطروحة للحصول على شهادة الماجستير. وصدر عن دار جامعة أكسفورد البريطانية، وتمت ترجمته عن طريق الدار العربية للعلوم - ناشرون في بيروت.

يقول المؤلف في كتابه «إن الإرهاب في حقيقته هو مجموعة معقدة من المفاهيم التي تتطلب من المفكرين والباحثين والعلماء مجهودا خارقا لإثباتها أو تعميمها أو الخروج منها بمفهوم موحد. وهذا الأمر يجعل الإرهاب مصطلحا عائما، من الصعوبة بمكان تحديده. فالاختلاف في تعريف مفهوم الإرهاب يعود إلى مصالح الدول وآيديولوجياتها، فكل دولة تفسر الإرهاب بما يتناسب مع سياساتها الداخلية والخارجية بالإضافة إلى مصالحها. وبذلك يتوه المعنى وتتضارب الحقائق. فالإرهاب بالمعنى المتعارف عليه بين الناس كافة: هو إثارة الرعب والإحساس بالخوف والقيام بأعمال بربرية شنيعة، تتصف بالعنف وتمتهن الكرامة الإنسانية. وارتبط هذا المصطلح في الغرب بالإسلام والمسلمين». ولذلك سعى عسيري إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الغرب، وفك الارتباط بين الإسلام والإرهاب في القاموس الغربي.

لكن المؤلف لا يكتفي بالتعريف النظري للإرهاب فحسب، بل يقدم عرضا مفصلا لحالاته ووجوده وأسبابه الجوهرية، التي أسهمت في استفحاله، وكذلك يبحث في طرق مكافحته. إن الإرهاب، كما يقول، ظاهرة يتعذر تدميرها وإزالتها بالقوة المجردة، وإن الذين تورطوا في الأعمال الإرهابية، كانوا ضحايا ينتمون إلى العالم النامي، ويحيون حالات اجتماعية متدنية، أولئك هم المحرومون والمهمشون الذين يعانون الفقر والقهر، ولم تتوافر لهم فرص الحصول على حقهم في التعلم، كما أن استفحال البطالة قد غرس فيهم بذور اليأس والإحباط. ولذلك، كما يضيف، من الضروري معالجة المشكلات الاجتماعية والثقافية والسياسية، فلن ينقذنا من الإرهاب «إلا محاربة الجهل والظلامية»، وإنه لا بد من إيجاد حلول جذرية للمشكلات الإنسانية في كل مستوياتها. ويشدد عسيري على ضرورة الوقاية والعلاج والرعاية من أخطار الإرهاب ومظاهره المدمرة، بالتنوير والتأثير في العقول والأذهان قبل استخدام القوة.

وناقش عسيري الإرهاب من الناحية النظرية، فوجد أنه يعد من أوسع الظواهر انتشارا في العالم، ومع ذلك هناك إخفاق في إيجاد تعريف ناجز يحظى بقبول شامل للإرهاب. وفصّل المؤلف الآراء النظرية المهمة المتعلقة بالإرهاب في الأدبيات الغربية المعاصرة، مع تسليط الضوء على عيوبها ونواقصها. وهو يرى أن جميع الدول التي ابتكرت تعريف مصطلح الإرهاب، لا تذكر سوى إرهاب الأفراد والجماعات، ولا تشمل الدول «بوصفها من مرتكبي أعمال الإرهاب». وينقل عن توماس موكايتيس رأيه «إن الإعاقة في عدم توصل الأمم المتحدة إلى تعريف شامل للإرهاب، تتركز في قضيتين.. الأولى: ضم أعمال الإرهاب التي ترتكبها الدول. والثانية: التمييز بين أعمال الإرهابيين والمقاومين». ويشير عسيري إلى أن هناك اثني عشر ميثاقا من المواثيق الدولية تعرّف الأعمال الإرهابية وتجرمها قانونيا، بدءا بعمليات الاختطاف وانتهاء بعمليات التفجير. والنظرة الأكثر قربا إلى التعريفات الراهنة للإرهاب تعتمد على ثلاثة معايير واسعة هي «الهدف، والسلاح، ومرتكب العمل». وعند عسيري، فإن «الحدود الفاصلة بين الإرهاب والحرب مبهمة»، كما أنه يفرق بين حرب العصابات والإرهاب، من خلال مناقشته رأي «توماس موكايتيس». فحرب العصابات تشمل قوات غير نظامية تستخدم أساليب «الكر والفر». أما الهجمات الإرهابية فتشمل أمما، وحركات تمرد، ومنظمات إجرامية. ولا يكتفي عسيري بعرض مفاهيم الإرهاب وأغراضه من وجهات نظر كبار المفكرين أمثال «أدريان غويلك» و«والتر لاكوير» و«بروس هوفمان» وكثيرين غيرهم، بل يعرضها من منظور تاريخي، فيقتفي جذور الإرهاب وأصوله بالعودة إلى مجموعة «سيكارى» اليهودية التي نشطت أثناء الاحتلال الروماني للشرق الأوسط في القرن الأول الميلادي، وتمثل إرهابها في الطعن بالخناجر، وطائفة «الثوغيين» الدينية في الهند، وتمثل إرهابها في خنق ضحاياها. وينتقل عسيري من منظور الإرهاب التاريخي إلى الإرهاب الديني، الذي يعتبره «الأقدم عهدا والأكثر عنادا واستمرارية، والأشد دموية وفتكا في حجم انتشاره وتأثيره في العالم حاليا». وهنا يبين المؤلف مفهوم الإرهاب من المنظور الإسلامي، من خلال عرض بعض الآيات القرآنية، التي تؤكد أن السلم موضوع مهيمن في القرآن الكريم، وأن الإسلام يؤمن بتعددية الأديان وتنوعها، ويدعو إلى التسامح والاعتدال والوسطية، ولم يروج يوما للعنف أو الكراهية، بل حرّم الإرهاب لأنه يتناقض مع تعاليمه وأصوله. وذكر أن بعض الجماعات المتطرفة في عالم الإسلام، استغلت اسم الإسلام وأساءت تفسير النص القرآني لتبرير أعمالها الإرهابية. ويصر عسيري على أهمية التصدي للأسباب الجذرية العميقة للإرهاب لمكافحته.

وخصص عسيري فصله الخامس لمناقشة الاستراتيجية السعودية ضد الإرهاب، وهي استراتيجية ثلاثية الشُعب: الوقاية - والعلاج - والرعاية. وركز على دور وسائل الإعلام التي شاركت في حملة جريئة لفضح المتطرفين، مشيرا إلى أن المملكة أدركت في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، الحاجة الملحة إلى استعادة الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين في العالم، وذلك بسبب انتشار كراهية الإسلام «إسلاموفوبيا»، معيدا التأكيد على ضرورة الحوار بين الأديان، وأن السلام لا يتحقق إلا حين يتعلم أتباع أديان العالم كلها كيفية التعايش معا في انسجام وأمان.