كتاب جديد لباحث أميركي يبرئ سيد قطب من تهمة الإرهاب

تقصى فيه سيرته الذاتية وأقصى بن لادن عن عباءته

الكتاب يتكون من 256 صفحة وصدر عن دار نشر «كولومبيا يونفرسيتي برس»
TT

دفعت صدمة مشهد سقوط برجي مركز التجارة العالمي، باحثين غربيين لمحاولة استكشاف منابع الأفكار التي كانت وراء تلك الهجمات، وتوجهت أصابع الاتهام نحو شخص واحد في العالم الإسلامي هو سيد قطب، الذي أطلقوا عليه لقب «أبو الإرهاب الحديث».

في كتابه الجديد «سيد قطب وأصول الراديكالية الإسلامية» الذي صدر العام الحالي، بعد 9 سنوات من أحداث 11 سبتمبر (أيلول) و44 عاما من إعدام قطب، حاول الباحث الأميركي جون كالفرت تفنيد تلك المزاعم، ورصد السيرة الذاتية لقطب في محاولة لتخليصها من الصورة الهزلية التي قدمتها وسائل الإعلام الغربية عن شخصيته وأفكاره، من دون أن ينفي عن قطب تأثيره البالغ، حيث يؤكد أنه لا يوجد أي مفكر إسلامي آخر، بخلاف المودودي، له ما لسيد قطب من تأثير هائل على الإسلاميين، سواء في الوقت الذي كان يعيش فيه أو في الأجيال التي تلته. ويعتقد كالفرت أن قطب لو كان حيا كان سيدين أحداث 11 سبتمبر، بل يذهب في استنتاجاته إلى ما هو أبعد؛ إذ يرى أن قطب كان يعطي الأولوية إلى استهداف الأنظمة العربية والإسلامية، وما كان ليفهم الأسباب التي تدفع شباب المجاهدين لنقل المعركة إلى الغرب.

اعتقاد كالفرت المثير لا يأتي من فراغ؛ فهو أستاذ التاريخ بجامعة كريغتون بالولايات المتحدة الأميركية، وتركز أبحاثه على تاريخ الاحتجاجات الاجتماعية والمقاومة السياسية، كما أنه أحد الباحثين المرموقين في دراسات الحركات الإسلامية، وسبق له أن ترجم السيرة الذاتية التي كتبها سيد قطب بنفسه بعنوان «طفل من القرية» إلى اللغة الإنجليزية.

ويهدف كالفرت من كتابه إلى أن يجعل القارئ يدرك كيف ولماذا أعاد مفكر إسلامي استخدام ذخيرة غنية من التراث الإسلامي لأغراض ترتبط بالتحولات الاجتماعية والسياسية، وهنا يلفت النظر إلى تأثر قطب بأفكار المؤرخين الاجتماعيين حول أهمية المنظور العاطفي كعامل تاريخي. وما يأخذه كالفرت على قطب كونه تحدث حول الثقافات باعتبارها أحادية وثابتة، تنظر للعالم من خلال «نحن» في مقابل «هم»، وهي الرؤية التي شجعت أسوأ أنواع «التنميط»، مشيرا إلى أن قطب كان يكن مشاعر عدائية وقاسية للغربيين واليهودية والصهيونية، ونجح في مزج تلك المشاعر وإسقاطها على المسلمين الذين يتعاونون مع القوى الغربية ويتبنون توجهات علمانية.

ويؤكد الباحث أن جزءا من «غضب» قطب كان نتاج عوامل في شخصيته، تحديدا إحساسه بالاستعلاء الثقافي. ولكن هناك كذلك عوامل موضوعية ساهمت في تأجيج استيائه، منها الجور الاقتصادي، والفساد السياسي والتدهور الثقافي وهيمنة الغربيين.

وضع كالفرت سيرة قطب في إطار السياق التاريخي والاجتماعي والسياسي للفترة التي عاش خلالها، دون أن ينفي راديكاليته؛ مؤكدا أن قراءة الغربيين لقطب كانت تخلو من النظر إلى ظروف حياته، كما أنها أفرغتها من الظرف التاريخي وعزلتها عنه وعن الصراع في حياته وكيف أثر عليه وعلى كتاباته، بالإضافة إلى أنها خلطت بين أهدافه وأهداف أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة. ويؤكد كالفرت أنه من الصعب إيجاد خط مباشر يصل بين أسامة بن لادن وقطب، مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة استقى أفكاره عبر مزيج من أفكار تيار الجهاد المصري، مختلطة بعناصر أخرى لتيارات أصولية في الوطن العربي، رغم تأثر التيار بأفكار قطب.

الكتاب يقدم أيضا عرضا تاريخيا مهما لتاريخ جماعة الإخوان المسلمين فيما بعد عام 1954، وهو ما يمنحه أهمية خاصة ويجعله يرقى إلى قائمة المراجع المهمة في مجال الإسلام السياسي.

وقد أثر قطب في تاريخ الإخوان بعدما أعلن الحرب على كل حاكم لا يطبق الشريعة الإسلامية وهي الآراء التي تسببت في إعدامه شنقا على يد نظام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

ومن المفارقات أن قطب بدأ حياته كناقد أدبي، وأصبح راديكاليا في رحلة إلى الولايات المتحدة؛ في الفترة من 1948 إلى 1950، وقضى بعض الوقت بجامعة ويلسون تيتشرز في واشنطن ومن هناك ذهب إلى جريلي بكولورادو التي كانت بالنسبة للأميركيين النموذج المثالي للريف، ولكن تجربة قطب في ذلك المكان المحافظ كانت سيئة للغاية وكان يعبر عن استيائه في خطاباته لزملائه المصريين.