«فوبيا» الإخوان المسلمين

وحيد عبد المجيد يحلل مظاهرها سياسيا ودينيا واجتماعيا

«الإخوان المسلمون بين التاريخ والمستقبل» المؤلف: د. وحيد عبد المجيد الناشر: «مركز الأهرام للنشر» بالقاهرة
TT

يناقش الباحث الدكتور وحيد عبد المجيد في كتابه «الإخوان المسلمون بين التاريخ والمستقبل.. كيف كانت الجماعة وكيف تكون؟»، الصادر حديثا عن «مركز الأهرام للنشر» بالقاهرة، مستقبل جماعة الإخوان في سياق تاريخها، ووضعيتها الراهنة، ويحلل مواقفها ورؤاها، في سياق تعاملها مع المستجدات السياسية والاجتماعية التي طرأت على الواقع المصري في السنوات الأخيرة. إنه يرى أن الخوف من «الجماعة» لا يعود إلى «فوبيا» أو حالة مرضية، بل يرتبط بصورتها التي تقدمها هي لنفسها عبر مواقفها تجاه المسألة الديمقراطية وقضايا الحرية، والعلاقة بين الدولة والدين، والتوجه إزاء المرأة والأقباط.

في الفصل الأول من الكتاب يناقش المؤلف نشأة جماعة الإخوان المسلمين وتطورها والظروف التي نشأت فيها الجماعة في عام 1928، مثيرا قضيتين أساسيتين. فيما يخص القضية الأولى، يختلف المؤلف مع الاتجاه الشائع الذي يرى أن جماعة الإخوان نشأت دينية ثم تحولت إلى العمل السياسي عام 1938، معتقدا أن «هذا التقسيم الزمني لا أساس له في شخصية حسن البنا وسيرته، ولا في نظرته إلى الجماعة، فكانت الدعوة الدينية عنده جزءا لا يتجزأ مما اعتبره مهمته التاريخية، التي كانت سياسية قلبا وقالبا».

ويؤكد هنا على نقل نشاط «الإخوان» من العمل السلمي إلى العنف، وخصوصا في الفترة من 1944 إلى 1948، فكان عام 48 عام العنف المسلح في تاريخها، وكانت العملية التي أثارت أكبر قدر من العنف وأدت إلى بدء العد التنازلي لحل الجماعة هي اغتيال القاضي أحمد الخازندار في 22 مارس 1948 انتقاما منه بسبب الحكم الذي أصدره في إحدى قضايا «الإخوان»، وظلت أعمال العنف تتصاعد حتى إصدار قرار حل الجماعة في 8 ديسمبر 1948. ودفع البنا حياته ثمنا لدائرة العنف التي لم يتصور المدى الذي يمكن أن تبلغه عندما قرر انتهاج هذا الطريق.

وفي الفصل الثاني «الإخوان بين السمع والطاعة» يناقش المؤلف العلاقة بين أعضاء «الإخوان» وقيادتها ممثلة في المرشد العام، التي تقوم على مبدأ السمع والطاعة المتضمن في البيعة وفقا للقسم الذي يقسمه عضو الجماعة، مشيرا إلى البنا سعى إلى اتباع أسلوب التوافق في اتخاذ القرارات المهمة لكي تصدر هذه القرارات بالإجماع وليس بالأغلبية، لكن لم يكن بمقدوره دائما أن يحقق ذلك. أما عملية إدارة الخلافات داخل الجماعة فكانت تتم بدور مسيطر للبنا، ومع ذلك فقد واجه خروج عدد من شباب الجماعة عليه عام 1938، وأيضا بعض المصادمات والصراعات التي أدت إلى انشقاقات مهمة في الجماعة.

وفي الفصل الثالث «انطلاق الإخوان المسلمين من مصر إلى الخارج»، يلقي الكتاب الضوء على بداية تجاوز الجماعة حدود مصر، ويوضح أن هذا الانتشار لم يحدث أثرا كبيرا في اتجاه تنظيماتها في البلاد المختلفة نحو الداخل في المقام الأول، بما يعنيه ذلك من أن ما يجمع هذه التنظيمات على امتداد العالم العربي خصوصا، والعالم هو أقل بكثير مما يفصل بينها، كما أنه لم يحدث في أي وقت أن كانت هناك سياسة عامة ومواقف مشتركة لتنظيمات «الإخوان» أو موحدة تجاه القضايا المختلفة، ربما باستثناء الموقف العام تجاه قضية فلسطين على سبيل الحصر.

ويشير المؤلف إلى أن هذا التباين أدى في بعض الحالات إلى تناقض في الاتجاهات وإلى صدام في المواقف، وصولا إلى اتهامات متبادلة على نحو يثير التساؤل عن مغزى، وربما جدوى المشتركات العامة بينها، وعن سلامة الاعتقاد في أن عبارة الإخوان المسلمين تحمل معنى وجود حركة واحدة حتى بأكبر قدر من العمومية، حيث ظل النمط العام للممارسة في هذا التنظيم الدولي هو الاستماع إلى تقارير عن أوضاع التنظيمات القطرية وتوجيه النصح إلى تنظيم أو آخر، وتقديم مساعدات لتنظيمات أقل قدرة من غيرها.

ويناقش المؤلف في الفصل الرابع مشروع برنامج حزب الإخوان المسلمين الذي ظهر عام 2007 متعرضا للقضيتين الأكثر إثارة للجدل وللغضب أيضا في معظم ردود الفعل عليه، وهما «طبيعة الدولة وعلاقتها بالدين»، و«موقع الأقباط والنساء فيها»، موضحا أنهما بالفعل قضيتان حاكمتان يتوقف عليهما مدى استعداد «الإخوان» للاندماج في نظام سياسي ديمقراطي.

ويعقب بقوله: «إذا أردنا تشخيصا موضوعيا لمشكلة (الإخوان) الأهم والأكبر في اللحظة الراهنة، انطلاقا مما ورد في مشروع برنامجهم، فعلينا أن نبحث عنها في المنهج، وبالتالي في الفكر، فأزمة (الإخوان) الأهم هي في عجز فكرهم السياسي وعدم قدرته على أن يسعفهم بما يعبر عن رغبتهم في التطور».

ويناقش الفصل الخامس من الكتاب «نحو المستقبل: الإخوان المسلمون والعقدة الديمقراطية»، ما يسميه «عقدة المرجعية الأحادية»، مبينا أن «المسألة الديمقراطية عقدة أساسية بالنسبة إلى تيار الإخوان المسلمين منذ تأسيسه، وما زالت هذه العقدة مستمرة، فالإصرار على مرجعية أحادية للنظام السياسي لا ينسجم مع أحد أهم مقومات الديمقراطية التعددية التنافسية المفتوحة، فأحد الفروق الأساسية بين النظام الديمقراطي والنظام الشمولي هو أن الأول متحرر من المرجعيات إلا ما يتوافق عليه المجتمع بحرية كاملة من مبادئ دستورية عبر حوار وطني عام يقود إلى صيغة يقبلها جميع الأطراف والفئات السياسية والاجتماعية».

ويشير المؤلف إلى ارتباك «الإخوان» على مدى نحو ثمانية عقود بين مبدأ الحكم للشعب ومبدأ الحاكمية لله، فالنظام السياسي عندهم هو نظام ديمقراطي بالمعنى الإجرائي الذي يفهمه كل من يؤمن بالديمقراطية، نظام يقوم على أن الشعب هو مصدر السلطات، الأمر الذي يجيب بشكل واضح على سؤال كثيرا ما أربك حركات أصولية طورت خطابها السياسي باتجاه قبول الديمقراطية ولكن بصورة غامضة وهو: أين، إذن، موضع مفهوم «الحاكمية لله» في هذا الإطار؟

ويطرح المؤلف عددا من الأسئلة التي يمكن أن تسهم الإجابة عنها في إحراز شيء من التقدم في السعي إلى بلورة رؤية قد تساعد في حل العقدة التي ما زالت مستعصية وهي كيف يمكن تجسيد مفهوم المرجعية في الواقع عمليا ونظاميا؟ ومن يعبر عنها؟ وكيف؟ وأي صورة ستكون عليها؟ وكيف يتم اختيار أعضائها، وهل سيراعى فيهم أن يكونوا متفقين أو متجانسين؟ وفى صيغة أكثر وضوحا بافتراض أن هناك أكثر من حزب أصولي، هل يمكن تصور أن يكون لكل حزب من هذا النوع علماؤه، الذين يمثلون مرجعيته التي تختلف مع مرجعية الحزب الأصولي الآخر، ثم يأتي كل من هذه الأحزاب بعلمائه ليكونوا مرجعة للنظام السياسي في حال فوزه بالغالبية؟

ويتساءل في حال مصر على وجه التحديد كيف ستكون علاقة هذه المرجعية بالأزهر وعلمائه، وهل فكر «الإخوان» وغيرهم من الإسلاميين الدين يطرحون فكرة النظام الديمقراطي ذي المرجعية الدينية في موقع الأزهر في الإطار الذي يتصورونه، أم أن هذا الإطار ما زال محض خطوط عامة لم يحدث تفكير في كيفية تطبيقها، ثم كيف ستسير العلاقة بين المرجعية أيا تكون صورتها والمجلس التشريعي المنتخب، وهل يكون اعتراض المرجعية على تشريع أصدره هذا المجلس نهائيا، وما الذي يبقى من مبدأ السيادة للشعب الذي تمتنع الديمقراطية في غيابه، ثم ماذا لو اختلفت المرجعية على تشريع ما، فرأى بعض علمائها أنه لا يخرج على مبادئ الشريعة فيما رأى بعض آخر أنه يحل حراما أو يحرم حلالا؟

وبرأي المؤلف فإنه إلى أن يتمكن الإخوان المسلمون من حل هذه العقدة المحورية، ستظل مواقفهم تجاه المسألة الديمقراطية متعثرة على الرغم من حرص قيادتهم على اتخاذ خطوات إلى الأمام بشأنها منذ منتصف العقد الأخير في القرن الماضي عندما أصدروا الوثيقة المعنونة (موجز عن الشورى في الإسلام وتعدد الأحزاب في المجتمع المسلم عام 1994).

وحول معضلات العلاقة بين «الإخوان» والتيارات الأخرى، يوضح الكتاب أن الإخوان المسلمين لم يستطيعوا تبديد المخاوف من مشروعهم السياسي أو الحد منها لأنها مخاوف حقيقية وليست فقط من صنع الذين استخدموا الأصولية الإسلامية «فزاعة» من أجل أهداف يتوخونها، وإذا كان «الأقباط» في مقدمة الخائفين فهم ليسوا وحدهم، حيث إن مساحة الخوف من احتمال صعود «الإخوان» أوسع مما يتصورونه، وتشمل هذه المساحة أحزابا وتيارات سياسية أخرى، مشيرا إلى أن التباس مواقف «الإخوان» تجاه المسألة الديمقراطية ينعكس على موقف الناس منها، وموقف الكثير من قادة الأحزاب الذين لا يريدون التعاون معهم لأسباب تتعلق بحساباتهم ومصالحهم في المقام الأول، كما تدفع آخرين يخافون فعلا هذا الالتباس وآثاره المستقبلية إلى المحافظة على مسافة بمنأى عنهم، ولعل هذا يفسر - برأي المؤلف - لماذا أصبح متعذرا الآن ما كان ممكنا، بل بدا طبيعيا، حتى سنوات قليلة مضت حين كان الإخوان المسلمون طرفا أساسيا في مختلف أشكال التنسيق والتعاون بين أحزاب وقوى المعارضة في مصر.