«المكتبة الوطنية اللبنانية» تنطلق من جديد بتمويل 25 مليون دولار وتصميم حديث

بعدما قضت الحرب على موجوداتها ولم يسلم منها سوى 120 ألف كتاب ودورية

صورة تجسد التصميم الحديث لمبنى «المكتبة الوطنية اللبنانية»
TT

بعد 11 عاما على اتخاذ الحكومة اللبنانية قرارها بتبني مشروع إعادة تأهيل «المكتبة الوطنية» التي كانت قد أنشئت في عام 1921 ودمرتها الحرب الأهلية، ها هي اللمسات الأولى توضع اليوم للسير قدما في هذا المشروع بعد تقديم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني هبة مالية لإعادة إحياء هذا المعلم الثقافي. وكان قد أوقف العمل في المكتبة الوطنية التي كان مقرها وسط بيروت في عام 1979، فعمدت حينها «مؤسسة المحفوظات اللبنانية» إلى وضع ما تبقى من موجوداتها في مبنى اليونيسكو في بيروت ثم في المدينة الجامعية في منطقة الحدث حيث بقيت عرضة للرطوبة والعفونة. وفي هذا الإطار يقول مدير عام وزارة الثقافة اللبنانية، وأحد أعضاء لجنة متابعة المشروع عمر حلبلب لـ«الشرق الأوسط»: «الحرب اللبنانية أتت على معظم محتويات المكتبة، وما تبقى منها تم نقله من مكان إلى آخر في صناديق كرتونية بعيدا عن الشروط المطلوبة لحفظها، إلى أن حطت رحالها أخيرا وبعد اتخاذ الحكومة اللبنانية قرارها لإعادة التأهيل في عام 2001، في مبنى تابع لجمعية الصناعيين في مرفأ بيروت، حيث تولت اللجنة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي الذي قدم الهبة، عملية ترميم الكتب وتنظيفها وتوثيقها و(تعشيبها)، أي إعدام ما لم يعد صالحا منها، إلى أن توصلنا إلى مرحلة تأسيس نواة للمكتبة الوطنية التي تضم 120 ألف كتاب ودورية ستكون الأساس الذي ستنطلق منه المكتبة الوطنية الجديدة».

مع العلم أنه عشية الحرب اللبنانية عام 1975 كانت المكتبة الوطنية تحتوي على أكثر من 200.000 وثيقة مطبوعة أو مخطوطة، كما كانت تضم مجموعة هامة من محفوظات السنوات الأولى للانتداب الفرنسي ووثائق إدارية وتاريخية تركها الأتراك عام 1918 في مبنى بلدية بيروت.

وفي ما يتعلق بهيكلية المكتبة وطريقة سير عملها، يقول حلبلب: «ستكون هي المكتبة اللبنانية الأم وسيتم وصلها بنظام خاص بالمكتبات العامة في كل المناطق اللبنانية التي وصل عددها لغاية اليوم إلى 102 مكتبة».

أما عن موقع المكتبة الذي اختير له المبنى الأثري الذي كان لكلية الحقوق سابقا، في منطقة الصنائع في بيروت، فقد قال وزير الثقافة اللبناني سليم وردة في احتفال تدشين بدء أعمال إعادة تأهيل المكتبة الوطنية: «إن هذا المبنى التاريخي سيظل معلما تراثيا وسيظل مبناه التاريخي كما بناه السلطان عبد الحميد الثاني في حينه، مدرسة عليا لتعليم التجارة والفنون والمهن، محافظا على نمطه الهندسي كما كان منذ أكثر من مائة عام»، لافتا إلى أن «عملية التأهيل والترميم والتجهيزات المكتبية المتطورة ستجعل المبنى يضم أبرز مصادر المعلومات، وسيكون المركز الرئيسي الحافل بالمخطوطات والكتب والوثائق الوطنية القديمة، إلى جانب أكثر الوسائل والتقنيات تطورا في ثورة المعرفة والاتصالات». وأضاف: «بالتالي فإن التصور الذي انطلقت منه عملية النهوض بمكتبتنا الوطنية لم ينحصر في الحفاظ على ثروة لبنان من كتب ومخطوطات تم إنقاذها من ويلات الحرب، بل يشمل رؤية مستقبلية لتحديث المكتبة ووضع الخدمات بين أيدي كل راغب في المعرفة والقراءة والبحث الجدي».

ويشرح مدير شركة «ايرغا» التي تولت تصميم المشروع، المهندس إيليا جبرايل لـ«الشرق الأوسط» عن تفاصيل المخطط، ويقول: «تكمن أهمية هذا المشروع في كونه مدروسا لإنشاء مكتبة تتسع لمليون ونصف مليون كتاب بميزانية لا تتعدى 25 مليون دولار أميركي. لا سيما أن المبنى المختار هو مبنى أثري لا تتوفر فيه الشروط اللازمة لحفظ الكتب، ومعرض في أي وقت لتأثير الهزات والزلازل. لذا فإننا عمدنا إلى الاستفادة من الطابقين الأساسيين بمساحة 5000 متر لقاعات القراءة والإعلام والمحاضرات والإدارة من دون أن تتقلص مساحة الحديقة المجاورة التي تبلغ 6500 متر، بينما سيتم تشييد 4 طوابق تحت الأرض على مساحة 3000 متر مصممة بطريقة هندسية لمقاومة تأثير الكوارث الطبيعية، يخصص 3 منها لحفظ الكتب وتتسع لـ750 ألف كتاب بعيدا عن تأثير الهواء والضوء، والطابق الرابع لمواقف السيارات. وقد وضعت خطة للمستقبل في حال زيادة عدد الكتب لتحويل الرفوف إلى أخرى متحركة تتسع إلى عدد أكبر». وفي حين يلفت جبرايل إلى «التطور التكنولوجي الذي يحول الأرشيف إلى إلكتروني، يشير إلى أن القانون اللبناني يفرض على كل كاتب إيداع 3 نسخ من مؤلفه في المكتبة الوطنية، إضافة إلى ما قد يضاف إلى مقتنيات المكتبة من مكتبات خاصة تقدم إلى الدولة اللبنانية لتحفظ في أدراج مكتبتها الوطنية، الأمر الذي فرض علينا الأخذ بعين الاعتبار زيادة المساحة التي يجب أن تتسع للكتب». وعن موعد البدء بتنفيذ المشروع والانتهاء منه يؤكد: «عملنا على تقديم اقتراح بأسماء الشركات التي يمكن أن تتولى التنفيذ، على أن يبدأ العمل، بعد الاتفاق مع واحدة منها، بعد شهرين ويتم تسليمه بعد سنتين». وستكون مهمة وزارة الثقافة خلال هذه الفترة تأمين الجهاز البشري والفني اللازمين لمواكبة العمل لاستلام المهمة وإدارة المكتبة الوطنية».