قصة محمد البوعزيزي في فيلم سينمائي يوزع عالميا

يموله رجل أعمال تونسي ويخرجه محمد زرن

محمد البوعزيزي أثناء إشعاله النار بنفسه في سيدي بوزيد
TT

في الوقت الذي يحاول فيه كثيرون الالتفاف على الثورة من القوى السياسية والثقافية والنقابية وغيرها وسرقتها من أصحابها، يحاول آخرون من الفنانين والمبدعين استغلال هذا الحدث التاريخي الذي لا يجود به الزمان إلا نادرا. وقد ألفت الأغاني ونظمت القصائد وازدهر الفن الكاريكاتيري. وفي السينما، هناك من أراد أن يوثق هذا الحدث التاريخي العظيم، مثل المنتج العالمي طارق بن عمار، الذي أعلن مؤخرا، أنه يعتزم إنتاج فيلم روائي طويل، عن حياة محمد البوعزيزي، شهيد تونس الذي أشعل فتيل الثورة التي أطاحت ببن علي وحررت تونس وامتدت إلى مصر في طريقها إلى بقاع أخرى من الوطن العربي.

ويعتزم رجل الأعمال التونسي «طارق بن عمار» بدء تصوير المشاهد الأولى من الفيلم في مطلع مايو (أيار) القادم في مدينة «سيدي بوزيد» مسقط رأس «البوعزيزي»، بعد أن شرع في تحضير سيناريو الفيلم الذي سيخرجه التونسي المعروف محمد زرن. ووعد بن عمار بأنه سيوفر للفيلم «التقنيات العالية نفسها التي سخرها لأفلامه السابقة وسيعمل على توزيعه عالميا»، مؤكدا أن «العمل السينمائي هو أنجع وسيلة للحفاظ على تاريخ الشعوب، حتى يظل اسم محمد البوعزيزي عالقا في الأذهان مدى الدهر، وثورة تونس راسخة في ذاكرة أولادنا والعالم على مر الأجيال والسنين».

وحياة «البوعزيزي» كما بات واضحا، فيها كل مقومات المادة السينمائية. ففي قصته، يتوافر عنصر الدراما المتمثل في إقدام هذا الشاب العاطل عن العمل على سكب البنزين على نفسه وإضرام النار في جسده، احتجاجا على الإهانة، التي تعرض لها من جراء الصفعة التي أخذها، من يد امرأة، تابعة لأعوان التراتيب البلدية، الذين ظلوا يلاحقونه وعربة الخضار التي لجأ إليها، كمورد رزق وحيد ومؤقت لإعالة عائلة ترزح تحت نير الفقر والجوع، وكحل لمشكلة بطالته التي طالت دون جدوى. وهذا مما يساعد على كتابة سيناريو مشوق، استحوذ على اهتمام العالم: الحكاية التي بدأت يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) أواخر سنة كان يتهيأ فيها العالم المرفه إلى الاحتفال بأعياد الميلاد. لم يكن البوعزيزي معنيا بكل هذا، وإنما كان وراء عربة خضار بسيطة قديمة، يدفعها وتدفعه للاستمرار على قيد الحياة، كأمل وحيد له ولإخوة ينتظرونه وأبناء عم صغار كان يعيلهم أيضا ويحنو عليهم، كما أم لم يطفئ حرقة قلبها شيئا إلا كون ابنها صار رمزا لثورة هزت العالم وأطاحت بالرئيس السابق بن علي الذي فر هاربا هو وعائلته كما عائلة زوجته.

والفيلم سيكون وثيقة تاريخية على أحداث ثورة لم تقم بها النخبة من المثقفين ولا السياسيين ولا المعارضين، وإنما قام بها الشعب من شباب مدينة «سيدي بوزيد». وهي المدينة التي بقيت الأقل حظا على مدى التاريخ، بحيث ظلت مهملة ومهمشة من عهد بورقيبة الذي أعطى الأولوية في التنمية إلى مدينة المنستير مسقط رأسه وكذلك فعل بن علي من بعده حيث أعطى الأولوية إلى مدينته سوسة. زيادة على كون هاتين المدينتين سياحيتين لأنهما ساحليتين، بحريتين. أما مدينة «صفاقس» فهي المدينة الثانية بعد تونس العاصمة، كونها مدينة معروفة بحركيتها الاقتصادية ورجال أعمالها. بينما بقيت مدينة سيدي بوزيد الأقل حظا كونها لا تحتوي على ثروات طبيعية كمدينة المناجم قفصة مثلا. فهي مدينة قاحلة، جرداء، فقيرة لم تحظ أبدا بحركة التنمية. ومن هنا، جاء الاعتراض من طرف أولاد سيدي بوزيد على تسمية الثورة بـ«ثورة الياسمين» كونهم لا علاقة لهم بالفل ولا بالياسمين، وإنما هم شعب يعاني الأمرين، واقترحوا اسم «ثورة الصبار» لإطلاقه على ثورتهم أو «ثورة الشعب».

الفيلم فرصة لتسليط الضوء على هذه المدينة البائسة علها تحظى باهتمام مشاريع التنمية. فقد ضحت المدينة بعديد من الشهداء إلى جانب «البوعزيزي»، ولعل الفيلم يتتبع حكاياتهم أيضا مثل الشاب ابن الـ17 ربيعا الذي كان يراجع دروسه ليلا، فسمع طلق نار فخرج يستطلع الأمر فأصابته رصاصة قناص على العتبة، وكان تلميذا متفوقا متميزا، وما زال أهالي سيدي بوزيد يبكونه إلى الآن. وهناك الابن الآخر الذي جذب أمه لكي لا تصيبها رصاصة القناص فأصابته هو وتركت أمه تندبه بحرقة لا تنطفئ. زيادة على كون هناك من الشباب من أحرق نفسه أيضا احتذاء بالبوعزيزي. حكايات كثيرة تصلح مادة لفيلم روائي درامي طويل يمكن الاستعانة بكتابة مادته من أبناء سيدي بوزيد أنفسهم، ومن شهادات حية من أفواه أبناء جلدته. هذا إلى جانب أحداث ثورة كشفت عن ملفات فساد ورشوة وسرقات واستيلاء على أملاك الناس لا حصر لها. في حين أن هناك مناطق بالبلاد تعيش تحت الصفر تشرب من مياه المستنقعات وتسكن أكواخا من القصدير، مثل سيدي بوزيد وقبلي ودوز وقفصة والقصرين وتطاوين، وغيرها كثير.

ملفات لا تحصى ولا تعد مفتوحة، تصلح لمادة سينمائية لعشرات الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، منطلق شرارتها الشهيد «محمد البوعزيزى». ومن هنا، تأتي أهمية الفيلم الذي سيكون وثيقة على العصر سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية.