من يتحمل مسؤولية الغياب الإسلامي عن الثقافة الأميركية؟

رغم دخول الإسلام أميركا مع من رحلوا إليها قسرا من غرب أفريقيا

غلاف الكتاب
TT

اعتبر الناقد السعودي المعروف الدكتور سعد البازعي، أن النخبة الثقافية الإسلامية العربية تتحمل قسطا من المسؤولية عن تغييب دور الوجود الثقافي الإسلامي الأميركي في الحياة الأميركية على مختلف الأصعدة.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، أشاد البازعي بكتاب يتحدث عن هذه الحقيقة صدر لمؤلف أميركي أبيض كان قسا قبل أن يسلم مؤخرا، ويبدأ رحلة الكشف والبحث عن المكون الإسلامي في حياة وثقافة المجتمع الأميركي.

وكان البازعي يشير إلى كتاب صدر حديثا عن مشروع «كلمة» للترجمة بعنوان «المسلمون في التاريخ الأميركي: إرث منسي»، للمؤلف جيرالد ديركس. وتولى الدكتور البازعي نفسه ترجمته للغة العربية.

واعتبر البازعي أن المكون الإسلامي لو لم يعان من الإهمال لكان مكونا مؤثرا حتى في القرار الأميركي. ويرى أن أهمية هذا الكتاب تأتي من كونه يقدم حقائق ترد بقلم مواطن أميركي، كان قسا سابقا قبل أن يسلم مؤخرا، بالإضافة إلى أنه أستاذ جامعي تخرج في جامعة لها شأن وسمعة عالمية وهي جامعة هارفارد. وهذا الكتاب هو الخامس له. ومن مؤلفاته الأخرى «الصليب والهلال: حوار بين المسيحية والإسلام» 2002، و«رسائل إلى شيوخي في الإسلام» 2008.

وقال البازعي «نحن أمام باحث أجاد عمله، وإن الكتاب يستوجب القراءة لأنه فرصة لنعرف ما نجهل عن هذا الحضور المهم في المكون الحياتي والمجتمعي الأميركي. فالدور الثقافي العربي في المكون الثقافي والحياتي الأميركي ككل ضعيف للدرجة التي لم تمكنه حتى الآن من لعب دور مؤثر بشكل يفسح مساحة معتبرة لحضوره في القرار الثقافي، مما ترتب عليه غياب العنصر الثقافي العربي في المكون الثقافي الأميركي».

وأضاف أن «هذا الغياب الثقافي المهم في حياة المثقف العربي والمسلم يتحمله الانكفاء الذي مارسه العرب والمسلمون سواء كانت له مبررات أو لم تكن، تجاه الشعب الأميركي المسلم منه، خاصة ذوي الأصول العربية، وتجاه قضاياهم وثقافاتهم والبحث عن وجودهم وآلية بعثهم كمكون من مكونات الشعب الأميركي.

وكتاب «المسلمون في التاريخ الأميركي» يبصرنا بهذه الحقائق المؤسفة، ويطرح حزمة من الأسئلة، من قبيل: ما هو تاريخ المسلمين في أميركا؟ ومتى جاء الإسلام إلى أميركا؟ ومن هم المسلمون في أميركا حتى الآن؟ وما دورهم في تشكل الثقافة الأميركية؟.. مؤكدا أنه لا انفصال بين الثقافة العربية والثقافة الإسلامية على الأقل في بداياتها.

هذا الكتاب، كما يرى البازعي، يحاول أن يتناول بدايات الحضور الإسلامي في أميركا، التي تعود إلى وجود المسلمين في الأندلس وما يتصل بها من حضارة وثقافة عربية وإسلامية، حيث كانوا من المكتشفين الأوائل أو بالأحرى الرحالة الأوائل الذين وصلوا إلى القارة الأميركية، فيما تواصلت الهجرات متتالية عبر القرون وكانت كفيلة بأن تكون لها لبنات أساسية في المكون الإسلامي والعربي، لولا الإهمال الذي لازمه سواء عن قصد أو عن غير قصد، مغلبا عدم الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى لمثل هذا الفهم بالنسبة للعرب والمسلمين الذين جاءوا إلى الأرض الجديدة بسبب ندرة المفكرين والمتعلمين من بينهم في ذلك الزمان.

وأهم عنصر لاحظ البازعي تأثيره من خلال هذا الكتاب، هو مسألة الرق وطرق ممارسته، لأنه يعتقد أن أغلب من أرغموا على المجيء قسرا إلى أميركا كانوا من غرب أفريقيا، وكانوا مسلمين في غالبهم. وهو يرى أن هذا العنصر كان أحد أسباب دخول الإسلام إلى أميركا، بجانب الهجرات التي سبق ذكرها، وجاءت هجرات أخرى من شعوب إسلامية وعربية من عدد مناطق من العالم ومنها الهند وبلاد العرب.

ويتناول الكتاب كل تلك الجوانب مع وصف لوضعية المسلمين والجماعات المختلفة الأخرى منهم، وهو ما يستوقف الباحث عند بعض المحطات للمسلمين المميزين في التاريخ الأميركي، ومنهم مشاهير في الإعلام والرياضة والمؤسسات البحثية.

وبرأي البازعي، فإن هناك عوامل أخرى طمست هذه المكونات الثقافية الإسلامية، ومنها حالات التهميش المدبرة والمقصودة من قبل المكونات الدينية والثقافية والسياسية المنزعجة من الوجود الإسلامي والثقافة الإسلامية، مع العمل على عزلها أو تجاهلها في كثير من الأحيان حتى لا يكون لها دور تاريخي أو معاصر بأي حال من الأحوال.

والعنصر الآخر لضعف مشاركة العرب والمسلمين، في اعتقاد البازعي، هو قلة عدد المسلمين في أميركا، معتبرا أن هذا العدد بلا شك أثر في تشكل المكون الثقافي الأميركي، مشيرا إلى أنه في مرحلة معينة شارك المسلمون في أميركا في تسيير وتطوير الحياة هناك، بدءا من انخراطهم في الحروب الأميركية الأولى، إلى مرحلة استقلال أميركا، وصولا إلى حضورهم في الحياة الأميركية كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات.

لذلك، كما يضيف الناقد السعودي، آن الأوان للعمل على اكتشاف حقيقة الوجود الإسلامي ومكونه الثقافي في أميركا، وذلك من خلال الحد من حالات التهميش التي تمارس ضدهم، على الرغم من أن هذا الكتاب لم يستقص كل الحقائق كاملة، مع أنه دق ناقوس لفت الأنظار والعمل بقوة لذلك.

والدكتور سعد البازعي باحث وناقد، حصل على البكالوريوس في الأدب الإنجليزي في جامعة الملك سعود، وعلى الدكتوراه في الأدب الأنغلو - أميركي والمقارن في جامعة بوردو بالولايات المتحدة. وسبق أن عمل إلى جانب التدريس في جامعة الملك سعود، رئيسا لتحرير صحيفة «رياض ديلي» الإنجليزية، ورئيسا لتحرير «الموسوعة العربية العالمية»، ورئيسا للنادي الأدبي بالرياض. وهو حاليا عضو في مجلس الشورى السعودي. وللبازعي ما يقارب الثلاثة عشر مؤلفا، منها «استقبال الآخر» 2004، و«المكون اليهودي في الحضارة الغربية» 2007.