الأميركيون يستلهمون الثورة المصرية

بول كرويكشانك: انطلاقا من تونس بدأت لحظة فاصلة في تاريخ العالم

TT

الثورة المصرية لن تمر مرور الكرام - كما يقول مثقفون أميركيون - وهي لا تشبه ثورات أوروبا الشرقية، وإنما يجدونها أقرب إلى الثورة الفرنسية التي غيرت أوروبا وأثرت على العالم أجمع. الآراء ليست واحدة، لكن غالبيتها تتفق على أن ثمة جديدا وُلد، سيجر تغييرات حتمية، لم تتضح ملامحها النهائية بعد، وهو ما يشرحه هذا التحقيق.

عند بداية ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر، تردد الرئيس أوباما وكبار مستشاريه في تأييدها تأييدا كاملا، لأسباب كثيرة. لكن بعد نجاحها قال أوباما إنها يمكن أن تلهم الأميركيين، لأنها ركزت على الحرية والعدل، ولأنها قامت على أكتاف الشباب، ولأنها استخدمت أحدث تكنولوجيا الاتصالات.

لكن كان مثقفون أميركيون أكثر حماسا لثورة مصر من أوباما. بعد أيام قليلة من اشتعال الثورة أرسل ثمانون أستاذا جامعيا أميركيا خطابا مشتركا إلى أوباما (نشروه في الإنترنت في نفس اليوم)، طلبوا منه «الاستجابة لإرادة الشعب المصري، ومساعدة المتظاهرين المصريين على الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك، والتحرك إلى ما هو أبعد من الكلام. والعمل فعلا لدعم الحركة الديمقراطية التي تجتاح مصر».

وأضاف الخطاب: «إذا كنت تسعى حقيقة، كما قلت يوم الجمعة، نحو إصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية لتلبية تطلعات الشعب المصري، يجب أن تعترف بأن هذه الإصلاحات لا يمكن أن تتم ومبارك رئيس».

وأضاف الخطاب: «لثلاثين سنة، صرفت حكومتنا مليارات الدولارات لبناء وتأمين النظام الذي يريد المصريون الآن القضاء عليه».

وأضاف الخطاب: «هناك درس آخر من دروس هذه الأزمة، ليس لمصر ولكن لنا. إذا كنا نريد الوقوف مع الشعب المصري، يجب أن يكون ذلك لأننا نشاركهم القيم المشتركة والآمال المشتركة، وليس بسبب مصالحنا الجيوستراتيجية».

وفي نهايته حث الخطاب أوباما على «اغتنام هذه الفرصة، والابتعاد عن السياسات التي أوجدتنا على هذا المفترق، والشروع في مسار جديد نحو السلام والديمقراطية والرخاء لشعوب الشرق الأوسط. وليكن ذلك من خلال استعراض شامل لسياستنا نحو المظالم الكبرى التي تعبر عنها المعارضة الديمقراطية في مصر، وجميع المجتمعات الأخرى في المنطقة».

تشومسكي وآخرون

* من بين الموقعين أساتذة جامعات أميركيون عرب، مثل: أماني جمال (جامعة برنستون)، سمير شحاتة (جامعة جورجتاون)، أحمد رجب (جامعة هارفارد). لكن أغلبية الموقعين ليست لهم خلفية عربية. من بين هؤلاء مشهورون مثل: نعوم تشومسكي (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)، غاري فيلدز (جامعة كاليفورنيا)، ايان لستيك (جامعة بنسلفانيا)، نيكولاس اكسيزنوس (جامعة ماساتشوستس)، جيسون براونلي (جامعة تكساس). ومن الكتب التي كتبها الأخير: «الدكتاتورية في عصر الديمقراطية». ومن الكتب التي كتبها قبل الأخير: «أسرى حرب الإرهاب: كيف نحرر أنفسنا؟»، غير أن أكثر الذين كتبوا كتبا هو تشومسكي، ربما مائة كتاب، منها: «فهم القوة» و«الفوضوية» و«آمال وتوقعات» و«الربح أو الناس: الليبرالية الجديدة والعولمة» و«عن اللغة» و«كارثة في غزة» و«طموحات إمبريالية: أميركا بعد هجوم 11 سبتمبر (أيلول)».

الأسبوع الماضي، ألقى تشومسكي محاضرة عن «انتفاضة الديمقراطية» حيث جمع بين الثورة المصرية ومظاهرات أميركيين في ولاية ويسكونسن. هناك قضى عدد كبير من المتظاهرين الليل في مبنى الولاية، وتحولت المظاهرة إلى شبه احتفال بانضمام فنانين أميركيين مشهورين. لكن استمر حاكم الولاية في رفضه سحب مشروع القانون الذي أثار المتظاهرين لأن القانون يلغي حقوق النقابات في التفاوض باسم أعضائها، بدلا من التفاوض فردا فردا.

ونقل تلفزيون «سي إن إن» أن عازف الغيتار توم موريلو، بطل فرقة «ريج أغينست ماشين» (الغضب على جهاز الحكم) المشهورة انضم إلى المتظاهرين لانتقاد سكوت ووكر، الجمهوري، حاكم الولاية. وقال: «التاريخ يحدث في الشوارع في ماديسون في ولاية ويسكونسن وأنا ذاهب إلى هناك». وأضاف أن قانون تخفيض الميزانية «ظالم»، وأنه سينضم إلى «المدرسين والطلاب ورجال الإطفاء ورجال الشرطة ولاعبي فريق (غرين باي باكرز) الرياضي والممرضات وعمال الصلب وعمال البناء والجماعات الدينية التي تملأ الشوارع للاحتجاج». ووصف حاكم الولاية ووكر بأنه «مبارك الغرب الأوسط الأميركي»، في إشارة إلى الرئيس المصري الذي أطاحت به مظاهرات شعبية. وقال إن الحاكم وحلفاءه من الشركات الرأسمالية يريدون «سرقة العمال الأميركيين، ومنعهم من التمتع بحقوقهم الأساسية».

مثقفون يمينيون: الفرق بين مظاهرات مصر واحتجاجات ويسكونسن

* غير أن مثقفين يمينيين شنوا هجوما عنيفا على متظاهري ولاية ويسكونسن، وأيضا على تشومسكي لأنه دافع عنهم. من بين هؤلاء المثقفين اليمينيين فريد بارنز الذي يكتب في مجلة «ويكلي ستاندارد» الأسبوعية اليمينية. قال عن تشومسكي: «لا أتعجب لأفعال المثقفين الماركسيين والاشتراكيين والفوضويين والمتذمرون. هؤلاء أمثال تشومسكي يستخدمون أزمة الميزانية في ولاية ويسكونسن وولايات أخرى للدعوة إلى العنف، بينما سبب الأزمة هو عقود من الإنفاق الكبير على برامج اجتماعية يسارية. إنهم يدعون إلى العنف، وإلى ثورة الغوغاء، تحت ستار ما يسمونها ثورة الديمقراطية». وأضاف متسائلا: «ما هي العلاقة بين مظاهرات مصر ضد حكومة دكتاتورية وما يحدث في ولاية ويسكونسن؟».

وكتب عن الثورة المصرية أيضا بول كرويكشانك، زميل في مركز جامعة نيويورك للقانون والأمن: «عندما يدون المؤرخون في السنوات المقبلة الإطاحة بنظام مبارك في مصر، وأحداث ثورة الغضب في 25 يناير، وقبلها ثورة 14 يناير، ثورة الياسمين في تونس، لن يقول المؤرخون إن ما حدث كان تغييرا في كل من البلدين فقط، ولكنهم سيقولون إنها كانت لحظة فاصلة في تاريخ المنطقة».

وشرح أنه يقصد شيئين:

أولا: الانتقال من التغيير بالعنف والإرهاب (وأشار إلى منظمة القاعدة) إلى التغيير السلمي (على طريقة المهاتما غاندي في الهند، ونيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، والقس الأميركي الأسود مارتن لوثر كينغ).

ثانيا: الانتقال من الكبت إلى الحرية، وأن مئات السنين من حكم الأفراد والعائلات في الشرق الأوسط في طريقها إلى النهاية، لتحل محلها أنظمة ديمقراطية.

ونقل المثقف الأميركي على لسان أسامة رشدي، المثقف المصري الإسلامي الذي كان يعيش في المنفى، قوله: «إذا تحققت الحرية فسوف تزول منظمة القاعدة. (القاعدة) يمكن أن تعمل في ظل الدكتاتورية، ولكن أعتقد أنه إذا فتحنا الباب لجميع الناس ليكونوا جزءا من المجتمع، وليتمتعوا بحقوق الإنسان، فسيكون هناك أمن، ليس فقط في مصر، بل في جميع أنحاء العالم».

روس دوثارت: مستغربون ومدهوشون ونحن نرى المصريين

* وكتب روس دوثارت في مجلة «أتلانتيك»، وهو مؤلف كتب كثيرة، منها كتاب «جامعة هارفارد والطبقة الحاكمة في أميركا»: «نحن الأميركيون لا نحب الاعتراف بأن لنا نظريات نريد أن نطبقها على غيرنا. نحن نتحدث عن الأممية الليبرالية والسياسة الواقعية والمحافظين الجدد، ونريد أن نغير العالم بها. أنا أقول: لنطبق نظرية أهم، وهي عدم التدخل في شؤون غيرنا. لنترك للديمقراطية تسير بمسارها. لنترك لميزان القوى الداخلي في كل دولة ليبرهن على قدرة الأفضل على الفوز، سلميا وديمقراطيا، وليس ميزان القوى الخارجي الذي تعودنا عليه، والذي يعتمد على القوة والمصالح الاستراتيجية».

وأضاف: «ها هو التاريخ يسخر منا جميعا. نحن عقدنا صفقات مع الطغاة، وانشغلنا بزوبعة الإرهاب. وها هم الإسلاميون يكسبون من العراق إلى فلسطين. نحن نتدخل في أفغانستان مع عدم وجود نهاية في الأفق».

وقال: «ها نحن نراقب المصريين وهم يناضلون من أجل مستقبل باهر لوطنهم. ونقول إننا مستغربون ومدهوشون. أين كنا كل هذه العقود؟».

وكتب ريموند هابيرسكي، أستاذ في كلية ماريان (ولاية انديانا)، ومؤلف كتب منها «التاريخ الفكري للولايات المتحدة»: «بعد الهجوم على مركز التجارة العالمي قبل عشر سنوات تقريبا، وضع الرئيس السابق بوش خطة للانتقام، وقال إن الذين هاجمونا يكرهوننا، لكنه لم يقُل إن الذين هاجمونا يكرهون حكامهم أيضا». وأضاف: «خلال مظاهرات مصر، عندما شاهدنا رصاصات فارغة أطلقتها الشرطة المصرية على المتظاهرين مكتوب عليها (صنع في الولايات المتحدة)، لم نسال أنفسنا السؤال الأهم: لماذا لا يكرهوننا ونحن نشترك في قتلهم؟».

بعد أن كتب هابيرسكي هذا الرأي، توالت تعقيبات سلبية وإيجابية:

كتب واحد: «السؤال الأهم كان يجب أن يكون: لماذا السيطرة اليهودية والإسرائيلية على السياسة الخارجية الأميركية؟ إذا أجبنا على هذا السؤال سنفهم لماذا يكرهوننا».

وكتب ثانٍ: «نعم، علاقة أميركا مع إسرائيل تشوه السياسة الخارجية الأميركية. لكن تشوهها أكثر علاقة أميركا مع الكثير من الأنظمة المستبدة في المنطقة».

وكتب ثالث: «الأحداث التي جرت في مصر تشكك (مرة أخرى) في الاستراتيجية العسكرية التي وضعها بوش. إنها تظهر بشكل قاطع أن الولايات المتحدة يجب أن تكون عامل تغيير ضد الأنظمة القمعية، ولكن ليس فقط في إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا».

آن ابيلبوم: ثورة مصر أشبه بالثورة الفرنسية

* وكتبت آن ابيلبوم، مؤلفة كتب منها «تاريخ سجون الأرخبيل في روسيا»، وكاتبة عمود في صحيفة «واشنطن بوست»: «كل ثورة لها طعمها الخاص. وكل ثورة تنتشر مع طعمها الخاص بها. وكل ثورة لها أبطالها وضحاياها. هذا ليس رأيي الشخصي في الثورة المصرية، هذا رأي رود في كتاب صدر سنة 1848 عن الثورات الأوروبية».

وأضافت: «يقارن بعض الناس بين ثورة مصر وثورات المجر وبولندا وبقية دول شرق أوروبا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي سنة 1989. لكن هذه الثورات حدثت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وبعد سقوط تأييده لحكام تلك البلاد الدكتاتوريين. لكن ثورة مصر كانت ضد دكتاتور وهو في قمة قوته، لهذا أفضل أن أشبه ثورة مصر بثورات أوروبا الغربية، لا الشرقية. وخصوصا الثورة الفرنسية».

وأضافت: «ثورات شرق أوروبا بعد سنة 1989 غيرت الأوضاع في تلك الدول، لكن الثورة الفرنسية غيرت الأوضاع في كل أوروبا، وفي خارج أوروبا. لهذا يجب وضع اعتبار لأهمية مصر في المنطقة العربية، ولهذا لا بد من توقع أن ثورتها ستغير الأوضاع في كل المنطقة العربية».

وقالت: «الفرق بين الثورة الفرنسية والثورة المصرية هو أنني كنت أجلس في غرفة الجلوس في منزلي وأتابع الثورة المصرية على شاشة التلفزيون».

وفي صحيفة «واشنطن بوست» علق على الثورة المصرية أيضا غريغوري بوفيت، لكنه علق من زاوية روسية. قال: «إذا سمينا ثورة مصر وبقية الثورات في الدول الغربية الأخرى (ثورة الإنترنت) أو (ثورة الشباب)، ألا يجب أن نسأل إذا كان الشباب والإنترنت سيتحالفان في دول أخرى؟ ليس فقط في دول عربية، ولكن في دول غير عربية، وحتى في دولة مثل روسيا؟ ماذا سيحدث لو تحالف شباب روسيا، وهم كثيرون، مع الإنترنت، وهو في كل روسيا تقريبا؟».

وأضاف: «لكن يختلف الوضع في روسيا عنه في مصر لأكثر من سبب. أولا: شباب روسيا يستفيدون من التحسن الاقتصادي الذي، رغم مشكلاته، غيّر روسيا عما كانت عليه أيام الشيوعية. ثانيا: شباب روسيا ليس عنده بديل فكري للنظام الحاكم، بينما شباب مصر عنده بديل فكري».