النقاد السعوديون الجدد يكسرون الصمت

تيارات متباينة المشارب وشبه قطيعة بين جيلين

TT

كيف يقرأ النقاد السعوديون، وخصوصا أولئك الذين ينتمون إلى جيل الشباب، واتصلوا بالتجارب الشبابية التي انفجر بركانها قصصا ورواية وشعرا منذ الثمانينات، علاقة النقد بالحركة الإبداعية المحلية؟ وكيف يمكنهم الدفاع عن الاتهام الذي يضعهم والنقاد الأكاديميين القدامى في سلة واحدة؟ ثم كيف يرى النقاد الجدد دورهم في إثراء المساحة الإبداعية، وعلاقتهم بالجيل الجديد أيضا من الكتاب؟

النعمي: النقد بين جيلين

* يقول الناقد السعودي الدكتور حسن النعمي: «إن التواصل بين نقاد الرواية الجدد (إذا جاز هذا الاستخدام المراوغ) من أمثال محمد العباس، ومحمد الحرز، وعلي الشدوي، وسحمي الهاجري، ولمياء باعشن، ومعجب العدواني، أكثر بكثير من التواصل مع من سبقهم. فهؤلاء اختطوا لمشروعهم النقدي مسالك جديدة تدفعهم إلى الاطلاع الواسع على المستحدثات النظرية والنقدية». ويرى النعمي أن هؤلاء النقاد وغيرهم يختلفون بالضرورة عمن سبقهم دون انفصال عنهم، من أمثال سعيد السريحي، ومعجب الزهراني، وسعد البازعي وغيرهم، مضيفا إلى هذه الأسماء نقادا من الحقل الأكاديمي من أمثال صالح زياد، وسلطان القحطاني، وعالي القرشي وغيرهم، مبينا أن الأسماء التي ذكرها هي مجرد نماذج لغيرها. الفرق كما يقول النعمي أن «معظم النقاد الجدد تجاوزوا المقاربات البنيوية التي كانت تمثل منطلقات نقاد الثمانينات من أمثال الغذامي والسريحي، وسلكوا مسالك مختلفة سواء من منظورات التأويل أو نظرية الخطاب أو استيعاب أكبر للنظرية السردية».

أما في ما يتعلق بالاتهام الذي يرمي النقاد الجدد بأنهم لا يملكون القدرة النقدية بالشكل المطلوب، فيصفه بأنه اتهام غير مفهوم، متسائلا: هل المقصود بالأداء الجودة النقدية؟ إن كان كذلك فالمعايير التي يقيم بها النقد، كما يرى النعمي، يجب أن تكون واضحة في ذهنية من يقدم هذا الاتهام. أما إن كان الأمر يعني عدم المتابعة النقدية لكل رواية تنشر على حدة، فذلك برأي النعمي صحيح إلى حد ما.

وقال مستدركا إن الغاية من النقد ليست المتابعة، بل الاستقراء وربط الإنتاج الروائي بروابط فنية وموضوعية تحدد سمات التجارب المشتركة، أما القراءات المفردة لروايات بعينها، فرغم أهمية هذا الأمر لكنه لا يشكل نقدا معرفيا، لأن عزل التجارب كما يعتقد ليس من مصلحة الكتاب.

وأضاف: «إن الناقد الذي يفصل بين التجارب لا يقدم دورا نقديا معرفيا يحلل التجارب، ويعيد تأسيس ملامحها وربطها بالسياقات التي تولدت عنها، بل ناقد شغل نفسه بما لا يجب. إن أهم إنجاز للحركة النقدية في السعودية هو التحول من التقييم المدرسي التقييمي إلى النقد المعرفي، وقراءة الرواية في سياقات أكبر»، مشيرا إلى أن النقد رفع من قدرة الرواية ولم تعد نصا للتسلية، بل أصبحت نصا خصبا للتقاطعات الثقافية والاجتماعية. إن الحركة النقدية هي التي شجعت الكتاب وخصوصا كتاب ما بعد عام 2000 على الاقتراب أكثر من المسكوت عنه، واختراق القضايا ذات الحساسية الاجتماعية، ولم يكن التشجيع على سيبل النداء، بل على سبيل الاحتفاء بكل رواية تقترب وتلامس الهم الاجتماعي. وهو ما أوحى للكتاب بجدوى معالجة القضايا المسكوت عنها بجرأة أكبر، وهذا يعود إلى توجهات النقاد الجدد نحو النقد المعرفي، وليس الجمالي المجرد.

العدواني: انفصال بين الأجيال

* من جانبه يقول الناقد السعودي الدكتور معجب العدواني: «إذا استثنينا البيئات الأكاديمية التي نجحت في خلق مزيد من الإنتاج النقدي، فلا أرى أن هناك جسورا ممتدة من العلاقة بين الأجيال الماضية والحاضرة، فمن الملحوظ وجود هوة واسعة تفصل بين كل جيل وآخر، وقد تصل تلك المسافة إلى قطيعة بين كل جيلين متتاليين، ويقابل تلك القطيعة ذلك البعد التراكمي المعرفي الذي من الممكن أن يرتهن إليه أبناء جيل جديد».

هذه الهوة والقطيعة بين الأجيال أوجدت برأي العدواني «تيارات متباينة المشارب لا تؤمن ولا تطمئن إلى الأجيال الماضية، بل تحاول أن تمد جسورها إلى ثقافات مختلفة خارج الوطن لتستلهم النظريات والمناهج في النقد أو الأعمال الإبداعية الخالدة شعرا أو نثرا». ويعتقد العدواني أن الرواية هي الجنس الأدبي الأكثر ملامسة لاهتمام النقاد والدارسين، ويعود ذلك إلى أسباب من أهمها قدرة هذا الجنس الأدبي على التهام الأجناس الأخرى، حيث أصبحت الرواية «سمكة ضخمة تعتاش على ما هو أصغر منها، وتمكنت الرواية من خلق بيئات حوارية تحقق تعدد الأصوات وتلائمه».

إن جنس الرواية، كما يضيف، «هي الجنس الأدبي الوحيد الذي يمكن أن يتمثل صيغ المجتمع المدني ويقبلها، ذلك أن هذا الجنس الأدبي أسس على مبدأ التعدد والحوارية التي تؤمن بالآخر المختلف في الدين أو المذهب أو قبيلته»، موضحا أن «الحوارية الشكلانية التي تتجلى لغويا في الأعمال الروائية وتتمثل في حوار الخطابات داخل العمل الروائي تنعكس أيضا في توجيه حواري ما بعد لغوي يتصل بكل الخطابات». وفي ما يتصل بتراجع دور النقد يرى العدواني أن هذه النظرة تعود إلى كون بعض المحتجين يميلون إلى تعميم أحكامهم المضادة للنقد، فيصدر منهم ما يشير إلى انطباعية الحركة النقدية في السعودية أو اختزالها في مقالات صحافية قصيرة.

القرشي: لا يوجد إبداع

* أما الناقد الدكتور عالي القرشي، فيقول: «على مر التاريخ الأدبي والثقافي كان النقد دائما في دائرة الاتهام، لأسباب تتعلق بطبيعة الفعل النقدي، وأخرى ترتبط بالنسق الثقافي، فطبيعة الفعل النقدي أنه اختيار، والاختيار قرين الحرية والقناعة»، مضيفا أن ميدان الفعل النقدي ينبغي أن يُكفل له هذان الأمران، القناعة والحرية، والقناعة بالميدان الذي يشتغل عليه في النصوص والأسماء واتساقهما مع خطابه النقدي، والحرية في التأويل الخلاق.

ويعتقد القرشي أن التطورات التي شهدها الفعل النقدي وارتدت على وظيفته التي تحركت في إطار التركيب والتكوين، جعلت الفعل النقدي يشكل له ميدانا تكوينيا وصفه البعض بالفعل الإبداعي. وفي حين يحمل المبدعون على النقاد بالابتعاد عن تشريح الحركة الإبداعية وتقييمها وتحليلها، فإن هذا الاتهام نابع من حب التميز والثناء للمشتغلين بالحركة الإبداعية. ومما ضاعف الاتهام الرؤية الثقافية عن الناقد والحرص على الاحتكام إليه، مما يضيق من وظيفة النقد والناقد ويحصرها من إطارها المحمول الثقافي، وهي الأحكام الجمالية للإبداع، كما يقول. ويضيف: «ما لا يعيه جل المهتمين بالحركة النقدية والنقاد أنه لا يوجد إبداع في المشهد الثقافي، حتى يكون الشغل الشاغل للنقد والنقاد. إن النصوص الخلاقة لا يهملها النقد»، مضيفا أن هناك فعلا نقديا خارج الحوارات الصحافية والوسائل الإعلامية لا يمكن أن تجاهله، وهو الدراسات الأكاديمية التي قامت حول الإبداع.

الزهراني: غياب النقد

* الشاعر حسن بن محمد الزهراني رئيس نادي الباحة الأدبي، يرى أن النقد لم يقُم بدوره المنوط به، وذلك لعدم مواكبته للحركة الإبداعية في السعودية، ما جعل الإنتاج الإبداعي يزخر بأدعياء بحسب رأيه أساءوا للكتابة أكثر من أن يضيفوا إبداعا. واعتبر الزهراني انحسار دور النقد واحدا من أهم الأسباب في قطع التواصل بين الأجيال الثقافية، وزاد على ذلك بالقول إن الكثير من النقاد يفتقد أدوات النقد، كما يعتقد، كما لا توجد حركة نقدية للإنتاج الشعري. وقسم الزهراني النقاد إلى قسمين: قسم اشتغل بالتنظير وقسم آخر تخصص في المدح أو تخصص في كيل الذم والانتقاص من الجهود الإبداعية، دون أن يكون هناك حركة نقدية حقيقية تواكب الحركة الإبداعية التي تشهدها الساحة الثقافية السعودية.

الخضري: لا يوجد مشروع مُغرٍ

* القاص والروائي خالد الخضري يقول: «إن النقد المحلي يتميز بالعمل من أجل تحقيق مشروعه الثقافي والفكري»، مبينا أن «النقاد الذين تميزوا في فترات مضت، كالغذامي، والبازعي، والحازمي، وغيرهم، تحول عدد منهم إلى مفكرين يناقشون قضايا آيديولوجية ذات مساس مباشر بالفكر المعاصر، ويثرون الساحة الثقافية بمناقشة تلك القضايا الجدلية، ويساهمون في خلق بيئة تنويرية تعمل على خلق حراك حقيقي داخل المجتمع»، معتبرا دورهم دورا نخبويا، «يمكن أن يخلق نوعا من التغيير».

ويضيف الخضري: «عندما نتحدث عن النقاد الذين يقدمون دراسات نقدية حول الأعمال الإبداعية، فإنهم في الفترة الحالية قلة عند مقارنة عددهم بما كان عليه الوضع خلال حقبة الثمانينات من القرن الماضي، فنقاد مرحلة الثمانينات عند ظهور الحركة الحداثية في السعودية هم الذين عبروا بالمشروع الحداثي. كان الإنتاج الإبداعي لكتاب الثمانينات من شعر ودراسات نقدية القنطرة التي عبر من خلالها مشروع الحداثة الثقافية والفكرية، بحيث كان هناك توجه عام خدمته الحركة الإبداعية والحركة النقدية، بينما يفتقد الجيل الحالي إلى مثل هذا التوجه، حيث أصبحت الأهداف والمشاريع شخصية أكثر من كونها مجتمعية أو جماعية».

ويرى الخضري أن الجيل الجديد من النقاد والحركة النقدية، لا يهتمون كثيرا بالحركة الإبداعية التي تشهدها الساحة السعودية بشكل عام إلا في بعض الجزئيات التي يرون أنها تخدم التوجهات النقدية والفكرية من الناحية الشخصية لبعض المشتغلين بالنقد، موضحا أن هذا هو الفرق الحقيقي بين نقاد حركة الحداثة ونقاد اليوم. وأشار إلى غزارة الإنتاج الإبداعي الذي قد يكون السبب في عزوف النقد والحركة النقدية عن متابعة خاصة في مجال الرواية، كونها تمثل الآن المنتج الإبداعي الأكثر غزارة، مع تدني الأعمال المتميزة.