يوم الشعر العالمي.. احتفالية أم تأبين؟

يصادف يوم غد حسب قرار «اليونيسكو» عام 1999

سعدية مفرح و جاسم الصحيح
TT

ربما يمثل الشعر الحافز الأكثر رسوخا في الذاكرة العربية للعودة لمنابع العاطفة والوجدان. ووسط غابات الحديد والفولاذ وإيقاع العصر الضاغط، تأتي الاحتفالية بيوم الشعر العالمي لتنفض التراب عن الحاجة للاعتناء بالجانب النفسي والعاطفي في الحياة العامة.

وفي حين يمثل الشعر ملمحا للجمال، فإن «إنعاشه» في يوم واحد في السنة، كما يقول بعض الذين استفتاهم «الشرق الأوسط» حول هذا الموضوع، يكشف عن مدى الاستخفاف الذي يلاقيه بقية أجزاء العام، فالاحتفالية تعيد الروح لبعض الوقت في جسد الشعر المسجى على مدار العام. بل إن شعراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» اعتبروا أن تخصيص يوم عالمي للشعر، يشابه إحياء لذكرى الأموات.

وقد اعتمد اليوم العالمي للشعر أثناء الدورة الثلاثين لليونيسكو، التي عقدت في عام 1999 بباريس.

الثابت: إهانة للشعر

* الشاعر السعودي عبد الله الثابت اعتبر أن يوم الشعر العالمي يمثل إهانة حقيقية للشعر وابتذالا له. وقال إنه يرفض المشاركة في مثل هذه المناسبات. ورأى الثابت أن غياب الشعر يعود للتخلف الاجتماعي، والقيود التي تعوقه، معتبرا أن الحرية هي المناخ الوحيد لانتعاش الحالة الشعرية.

الثابت يقول إن الذائقة الشعرية تعرضت لامتحان شديد، بعد أن تصدرت المشهد في الآونة الأخيرة مسابقات الشعر الشعبي عبر القنوات الفضائية وغيرها من المجالس الشعبية.

وقال إن ما ينقص الشعراء هو أن يجري الاستماع وفهم ما يقولون، الأمر الذي لن يتم إلا من خلال ارتفاع منسوب الوعي الاجتماعي وسيادة قيم العدالة والحريات.

الصحيح: الشعر مغناطيس الغيب

* الشاعر السعودي جاسم الصحيح، بدا أكثر تفاؤلا، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يوافق على أن إعلان يوم للشعر هو إعلان لجنازة الشعر. وقال: «الادعاء بأن جنازة الشعر في طريقها إلى المقبرة ادعاء قائم على خواء، حيث إن جنازة الشعر تعني جنازة الإنسان، وما دام هنالك قلب ينبض بالحلم في حضرة العقل المهيب، فلا بد أن يكون هناك هذا المخلوق الجميل المسمى مجازا بالشعر».

الصحيح اعتبر أن «القول السائد هذه الأيام بأن الشعر يذوب في الأنواع الأخرى من الفنون كالفن التشكيلي والقصة والرواية التي تتقدم جميعهـا باتجاه الشاعرية، دقيق جدا».

وقال إن «الإنسان العربي كان يعبر عن الحالة الشعرية بشكل عفوي، على جبين الصحراء منذ أن كان أسلافنا الأولون يضربون الرمال بأكف اللغة ويقرأون نبوءاتها قصائد، ليعلقوها على جدران القداسة. الشعر هو مغناطيس الغيب الذي يلتقط أسرار الحياة ويجذب أرواح البشر، وهذا هو الشعر سماؤنا الأخيرة التي نستنزل منها الرحمة حينما ترتفع القصائد إلى مستوى الأدعية».

سعدية مفرح: لا حاجة للاحتفال

* واتفقت الشاعرة الكويتية سعدية مفرح مع جاسم الصحيح في بقاء حضور الشعر، مؤكدة أن الشعر الكائن الاعتباري حاضر أبدا في الحياة لا يمكن أن يغيب، إلا أنه يعيد صياغة وجوده من شكل إلى شكل.

وقالت إن «الشعر في العصر الحديث استطاع أن يكتشف الطريق إلى ذاته بعد أن كان في السابق يتأرجح بين ذات وأخرى. لقد عانى الشعر من وطأة الاستعمار التاريخي بواسطة العلوم الأخرى، فالفيلسوف كان يكتب الفلسفة شعرا، والطبيب كان يكتب الطب شعرا، والنحاة يكتبون النحو شعرا. مما جعل الحضور الشعري الحقيقي في التاريخ حضورا شحيحا، حيث كان مطية تحمل على ظهرها جميع أنواع العلوم، على غرار ما هو عليه الأمر في العصر الحديث، إذ تمكن من التحرر من الحمولات التاريخية التي أثقلت كيانه وأصبح يسير خفيفا باتجاه ذاته».

وشددت سعدية على أن الشعر اليوم في مكانه الحقيقي من الحياة، تماما كما كان دائما، نافية أن يكون الشعر فقد مكانته أو اهتمام الناس به. لأنه أصلا غير قابل لأن يموت أو أن يختفي، فهو «ضرورة إنسانية لا نهائية وحقيقة غير قابلة للتشكيك إلا إذا كانت البشرية قابلة لذلك».

وأرجعت المفرح وجهة نظر البعض باختفاء الشعر عن المشهد الثقافي أو خفوت صوته وصورته، إلى تقدم فنون أدبية وإبداعية أخرى واحتلالها لمساحات واسعة من المشهد، معتبرة أن ذلك «صحيح جزئيا، أي إنه صحيح في مقدمته وليس في نتائجه». وقالت إن «تقدم الرواية والفنون التشكيلية وبشكل أقل المسرح والفنون البصرية الأخرى كالسينما، لا يعني أن الشعر قد تقهقر، بل إنه تخلص من الكثير من أعبائه الوظيفية وصار الشعر يشتغل على نصه بمحض الموهبة، ومن دون أن يكون مثقلا بأي وظيفة مقترحة للشعر، كأن يكون ملتزما بقضية سياسية أو نضالية معينة مثلا».

وتضيف مفرح: «أن الفنون، ومنها الشعر والرواية والمسرح والتشكيل والغناء والسينما وغيرها، لا تلغي بعضها البعض، بل العكس تماما هو الصحيح، أي إنها تكرس بعضها البعض وكل منها يعزز قيمة الآخر ويسهم في انتشاره بطريقة مباشرة أحيانا وبطريقة غير مباشرة أحيانا أخرى».

وترفض الشاعرة مفرح التقسيمات التي تطول الشعر قائلة: «لا تستهويني تلك التقسيمات التصنيفية كأن يكون شعرا فصيحا، أو شعرا شعبيا، أو محكيا، أو غنائيا، أو وطنيا، أو سياسيا. الشعر شعر، بغض النظر عن تصنيفاته التي لا ينبغي للمتلقي أن ينشغل كثيرا بها بقدر انشغاله بتلقي قصيدته الجميلة أيا كانت اللافتة التي تندرج تحتها».

وهي لا ترى حاجة للاحتفالية بيوم الشعر «فالشعر لا يحتاج سوى الحرية والموهبة ليبقى حقيقيا وأبديا وجميلا».