السينما اللبنانية الجديدة يصنعها مخرجو الفيديو كليب

المخرج بهيج حجيج يطالب وزارة الثقافة بإخراج الأموال التي تكدسها

ناديا لبكي (يمين) تلعب دور «ليال» في فيلم «سكر بنات» وهو من إخراجها ويتناول المشاكل التي تواجه المرأة اللبنانية ( أب )
TT

الفيديو كليب بالنسبة لكثير من مخرجيه في لبنان، رغم ما نالوه من نجاح وشهرة، ليس سوى منصة انطلاق صوب السينما حين يتوفر الإنتاج اللازم. ويبدو أن اللحظة قد حانت، والتمويلات باتت متاحة، وهو ما سيجعلنا أمام جيل جديد من الأفلام اللبنانية، مخرجوها آتون من الفيديو كليب، أما محتواها فلا يزال قيد الاكتشاف .

على الرغم من أن فيلم «الفجر» الذي أنتج عام 1997 شكل باكورة الأفلام السينمائية اللبنانية التي ترى النور على أيدي مخرجي الفيديو كليب، فإن النجاح الكبير الذي حققه فيلم «كاراميل» أو «سكر بنات» للمخرجة نادين لبكي عام 2007 (غادرت مؤخرا إلى فرنسا للقيام بمونتاج فيلمها الثاني)، دفع مخرجي الفيديو كليب إلى السير على الخطى نفسها، وبدأوا يخطون نحو مشاريع طموحة في عالم السينما. بعض هؤلاء المخرجين انتهوا بالفعل من تصوير أفلامهم، مثل سليم الترك الذي ينتظر عرض فيلمه الطويل الأول بداية فصل الصيف، وآخرون نجحوا في تأمين الميزانية الخاصة بالإنتاج، ويباشرون التصوير خلال الفترة القريبة المقبلة، وهذا هو حال المخرجتين ميرنا خياط ورندلي قديح، بينما فئة ثالثة من المخرجين لا تزال في مرحلة المفاوضات مع جهات إنتاجية معينة وتنتظر النتيجة النهائية. وهناك من فضّل تحقيق أحلامه السينمائية في مصر، كالمخرج سعيد الماروق الذي انتهى من تصوير فيلمه الأول «365 يوم سعادة» لكن الظروف الحالية هناك حالت دون عرضه في الصالات.

فهل تنهض السينما اللبنانية، التي تشهد في المرحلة الحالية حركة نشطة، على أيدي مخرجي الفيديو كليب، إلى جانب ما يقوم به السينمائيون اللبنانيون الذين حصدوا في العامين الأخيرين الكثير من الجوائز العربية والعالمية؟

مخرجة الفيديو كليب المعروفة رندلي قديح التي تستعد قريبا لإنتاج فيلمها السينمائي الأول اعتبرت «أن الفيديو كليب مجال يضطر المخرج إلى العمل فيه لعدم توفر المال الذي يتيح له إخراج أفلام سينمائية جيدة قادرة على المنافسة العالمية. لكن الظروف تغيرت اليوم وأصبحت هناك ثقة بالفيلم اللبناني بعد الجوائز التي فاز بها عدد من الأفلام اللبنانية مؤخرا. كل المخرجين يحلمون بالسينما. وهذا الحلم يمكن أن يتحقق عندما تتوفر الإمكانات المادية، فالسينما مكلفة جدا، وقد تتجاوز ميزانية الفيلم الواحد 5 ملايين دولار».

وعن موقفها من نجاح تجربة المخرجة نادين لبكي في السينما، التي شجعت زملاءها على خوض تجارب مماثلة تقول: «نادين حصلت على دعم مادي من إحدى الشركات الفرنسية لإنتاج فيلم (كاراميل). هذه المبادرة شكلت خطوة مهمة جدا، ساهمت في الانفتاح الأوروبي على لبنان سينمائيا. شخصيا سبق أن قمت بإخراج فيلم قصير بعنوان (العريشة) فاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان بيروت السينمائي، ومن بعده أخرجت عددا كبيرا من الكليبات. وحاليا أنا بصدد المشاركة، إخراجا وتمثيلا، في عدد من الأعمال، من بينها تيليفيلم بعنوان (الندم)، وأعتقد أنه حان الوقت لتنفيذ فيلم طويل، وسيتحقق هذا الأمر من خلال فيلم اجتماعي، يتناول فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982، بعدما نجحت في تأمين الميزانية الخاصة به».

قديح أبدت تفاؤلها بمستقبل السينما اللبنانية لأنه «لا ينقصنا شيء! هناك الكثير من المواضيع التي يمكن تناولها، وتوجد اتصالات مع جهات فرنسية وإسبانية مستعدة لتقديم الدعم المادي، وفي لبنان تقنيات جيدة رؤوس مفكرة ومخرجون يتمتعون بإحساس عالٍ، وقادرون على تقديم صورة جميلة».المخرج سليم الترك رأى أن نهوض السينما اللبنانية يتحقق على أيدي المخرجين الجيدين، لا مخرجي الفيديو كليب وحدهم، وأضاف: «أنا لم أشاهد سوى فيلم نادين لبكي، وهي في الأساس مخرجة سينمائية عملت كسواها من المخرجين في مجال الفيديو كليب، ومن ثم توجهت مؤخرا، إلى جانب البعض منهم نحو الإخراج السينمائي، عندما وجد الإنتاج، ولو أن المال كان متوفرا قبل 10 سنوات لكانوا أقدموا على خطوة مماثلة منذ تلك المدة. وبالنسبة إلي فلقد انتهيت من تصوير فيلم اجتماعي، مولته جهات لبنانية تعمل في الخارج، وقد يتم عرضه في الصالات اللبنانية، مع بداية الصيف».

الترك يعتبر أن «السوق اللبنانية محدودة جدا، ولكي نتوصل إلى صناعة سينمائية حقيقية يجب أن يتوفر الإنتاج المحلي وأن يتمكن المنتج من استرداد ماله، وبالانتظار فإن التوجه هو نحو الإنتاج المشترك».

المخرجة رندا علم أجلت مشروعها السينمائي بسبب الأوضاع الراهنة التي يعيشها الوطن العربي، وتقول: «كنت بصدد التشاور مع جهة معينة بخصوص إنتاج فيلم، لكن تمّ إرجاء المشروع إلى فترة لاحقة، لأن الناس مشغولون حاليا بالثورات العربية، ولا أحد يفكر بالسينما وبحضور الأفلام، حتى في مصر، التي تعيش فترة من الركود الفني».

ورفضت رندا أن تقارن نفسها بزملائها الذين سبقوها إلى الإخراج السينمائي، قائلة: «بالنسبة إلي، هذا ليس فرضا يجب أن أقوم به، بل هو يرتبط بالنص الجيد، والميزانية المناسبة التي لا تخضع لشروط. لأن المنتج يفرض أحيانا إضافات معينة على النص، لأسباب تجارية بحتة. لذلك أفضل أن أتولى مهمة كتابة وإخراج أفلامي بنفسي، على الرغم من أنني لا أمانع إخراج نصوص غيري، شرط أن يتوفر الإنتاج الذي يسمح لي بإخراج الفيلم بحسب رؤيتي الخاصة، بعيدا عن الكلشيهات التي نشاهدها في الأفلام اللبنانية، بالتركيز على التابوهات، كالزواج المسيحي - المسلم، العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، والحرب اللبنانية، لأننا مللنا من هذه المواضيع التي تتكرر من فيلم إلى آخر، وحان الوقت لتقديم أفلام تعالج مواضيع اجتماعية». ونوهت علم بالمواهب اللبنانية التي استحقت ثقة المنتجين: «أنا متفائلة بمستقبل السينما اللبنانية وأتوقع أن تنهض على أيدي مخرجي الفيديو كليب، الذين تتهافت عليهم شركات الإعلانات. لأنهم يقدمون صورة جذابة وإضاءة جيدة وأداء ناجحا. أي تجتمع لهم العوامل الأساسية لنجاح أي عمل مصور، سواء كان فيديو كليب أو إعلانا أو فيلما روائيا».

المخرجة ميرنا خياط، التي تستعد وزوجها المخرج طوني أبو إلياس لإخراج فيلمهما السينمائي الثاني، تحدثت عن الانتقادات الشديدة التي تواجهها تجربة مخرجي الفيديو كليب، وتقول: «كنا في طليعة مخرجي الفيديو كليب الذين أخرجوا فيلما سينمائيا بعنوان (الفجر) في عام 1997، ويومها جاهدنا من أجل أن يرى النور، وكان أول فيلم سينمائي لبناني يصوّر بعد الحرب، وبإنتاج لبناني، حتى إننا قبّلنا الأيادي من أجل أن تعرض محطات التلفزة الإعلان الخاص به. لذلك أنا أقدر مجهود كل شخص يعمل في السينما اللبنانية، سواء عمل أو لم يعمل في إخراج الفيديو كليبات. ولكن هل يجوز القول إن كل مخرجي الفيديو كليب (عاطلون)؟ التعميم غير جائز طبعا».

واعتبرت خياط التي توقعت نهضة سينمائية، ولكن بطيئة خلال الفترة المقبلة، أن «مخرجي الفيديو كليب يحبون السينما ويحلمون بالعمل فيها، وعندما سنحت لهم فرص إنتاجية مناسبة سعوا إلى تحقيق أحلامهم. لكن هذا لا يعني أن كل مخرج فيديو كليب هو بالضرورة مخرج سينمائي».

المخرج بهيج حجيج انحصرت تجربته في الإخراج السينمائي، يعرض له حاليا فيلم «شتّي يا دنيا» الذي حصد مؤخرا جوائز كثيرة: «أفضل فيلم»، «أفضل إخراج» و«أفضل مخرج». على الرغم من ذلك لا يبدي حجيج تفاؤلا بمستقبل السينما اللبنانية، فيقول: «كأي عمل ثقافي آخر، تحتاج السينما إلى الدعم. وهذه الناحية ليست متوفرة على الإطلاق، سواء على مستوى المؤسسات العامة أم الخاصة. ولا أعرف إلى متى يمكن أن تكمل السينما اللبنانية على هذا النحو. فأي تفاؤل بمستقبلها يتطلب إيجاد آلية لدعمها، لأننا نعمل بشكل (عجائبي). صحيح أنني أحضر لثلاثة أفلام جديدة، ولكن أين هو المنتج؟ لتفترض أنني عثرت على الجهة المنتجة بمجرد الانتهاء من التصوير، تأتي مشكلة التوزيع، لعدم وجود قانون يعفي الفيلم اللبناني من الضريبة عند توزيعه في الصالات».واعتبر حجيج أن الأفلام اللبنانية تحصد الجوائز وتقدر في الخارج أكثر مما تقدر في لبنان. على الصعيد الشعبي، الناس لا يتحملون مسؤولية، لأن الفيلم يحتاج إلى إعلان، وهذا الأمر يتطلب أيضا ميزانية خاصة. «أنا أجبرت على إنتاج فيلمي عن طريق الدين، كما أنني تلقيت دعما ماديا من صندوق المنظمة الفرانكفونية، ومن صندوق (سند) الذي أسسه مهرجان أبوظبي السينمائي، كما أن الممثلين الذين شاركوا في الفيلم قبلوا بأجور زهيدة، كمبادرة منهم لإنجازه بهدف تشجيع السينما اللبنانية».

ورفض حجيج مقولة أن السينما اللبنانية ستنهض على أيدي مخرجي الفيديو كليب الذي لا علاقة له بالسينما، بل «هو مجرد عمل تجاري، تماما كالإعلان، ولكن نحن رفعنا من مقامه أكثر مما يستحق. وإذا كان مخرجو الفيديو كليب يعتبرون أن السينما سوف تنهض على أيديهم فنحن بدأنا قبلهم وفتحنا الطرق أمامهم. ميشال كمون، غسان سلهب، زياد الدويري، وأنا، لم نأتِ إلى السينما عن طريق الفيديو كليب، ويجب وضع حدّ لمثل هذا الكلام. ولا يحق لأي كان أن يدعي أنه يؤسس السينما اللبنانية. ربما يحلم كل مخرج فيديو كليب بإخراج فيلم سينمائي طويل، ولكن علينا أن ننتظر لنرى النتيجة».

كما اعتبر حجيج أن الحركة التي تعيشها السينما اللبنانية هي مجرد فورة وليس أكثر، لأنه لا إطار مؤسساتي حقيقي يحتضن السينما الجادة. «أما وزارة الثقافة فهي تكدس المال على عكس ما تدعي، ولا أعرف أين تذهب به. هناك فوضى سينمائية تشبه الفوضى الموجودة في لبنان. ثمة حلقات تلفزيونية عرضت في السينما، وتم التعامل معها على أنها سينما، ولكنها لم تكن كذلك على الإطلاق. هم أقصوا الثقافة عن الناس، الذين باتوا غير قادرين على التمييز، بعدما فقدوا الوضوح في الرؤية».

وعند سؤاله عن تجارب المخرجين التي تلفته، أكد حجيج أن لا جواب لديه على هذا السؤال. «أقدر كل الأفلام اللبنانية، والمجهود الذي بذل فيها. وهنا أقصد بكلامي السينما الجدية وليس سينما (التفنيص). أنا أنظر إلى الجانب الإيجابي، مع أنني أقول بيني وبين نفسي إنها ليست السينما التي تستهويني أو التي أحب أن أقدمها، لأننا كمخرجين بعضنا بحاجة إلى بعض، وأي فيلم لبناني هو سند لي، كما أنني أنا أيضا سند له، لأننا نسعى لبناء السينما على الرغم من كل الفوضى السائدة».