«المهرجان اللبناني للكتاب» روح ثقافية شابة

تنظمه «الحركة الثقافية» في إنطلياس التي انطلقت أيام الحرب الأهلية في لبنان

TT

دخل «المهرجان اللبناني للكتاب» الذي تقيمه «الحركة الثقافية» في عامه الثلاثين في إحياء ثقافة القراءة.. المعرض لم يشخ، والمشهد يتكرر كل عام في دير مار إلياس في أنطلياس.

الموسم هذا العام زخر بالأنشطة الثقافية والتوقيعات والندوات الفكرية والأدبية، التي تمثل ركيزة المعرض الذي يطلق دورته بكثير من الحيوية، رغم هشاشة الوضع الثقافي اللبناني وتضاؤله.

أروع ما في هذا المعرض هو هذا التجدد المتألق للقاء بالكتاب. حيث نشاهد في أروقة القاعة الصغيرة في «الدير»، حشود الناس من مختلف الأعمار يتلهفون لاقتناء الكتب كمن يبحثون عن ضالتهم، على الرغم من قلة التسويق وقلة القراءة بشكل عام.

ويعد «المهرجان اللبناني للكتاب» ثاني أكبر معارض الكتب على الأراضي اللبنانية. ورغم ذلك يكاد يكون معرضا ذا لون لبناني فقط. وهناك ملاحظات كثيرة يطرحها رواد المعرض الذين ينقسمون بين مؤيد لفكرة «لبنانية» المعرض، ومن يحبذ أن يكون «مطعما» بصبغة عربية منوعة.

ويبدو أن غياب الأجنحة العربية، يعود إلى ضعف سوق الكتاب في لبنان. فمن يتحمل تكاليف المشاركة في معرضين سنويا من أجل سوق صغيرة كالسوق اللبنانية؟ مع ذلك يشير الأمين العام لـ«الحركة الثقافية» جورج أبي صالح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المعرض الذي انطلق عام 1981، أي بعد ثلاث سنوات على تأسيس الحركة، راكم تجربة تجعله محط جذب لعدد كبير من شرائح المجتمع اللبناني؛ إذ يتوافد إلى الدير في أنطلياس، عدد كبير من المهتمين والقراء والمتابعين للحراك الثقافي».

وفي دورته الجديدة التي انطلقت منذ 5 مارس (آذار) وتستمر حتى الأحد 20 منه، لا تزال روح المؤسسين الأوائل لـ«الحركة الثقافية» تبث ذراتها في أرجاء المعرض، وتعيد له أنفاسه بشيء من حميمية لا تخلو منها زوايا المعرض الدافئة. هناك إرادة حية لدى الماسكين بزمام الحركة على الاستمرار والبقاء على الخط نفسه، مع إضفاء «روح الشباب» عليه، وبإعطائه لمسات حية تواكب التجدد والعصرنة في عالم المعارض.

الحركة انطلقت أيام الحرب الأهلية في لبنان بشكل بسيط وضمن إمكانات قليلة. لكنها ما لبثت أن كونت لنفسها مكانة «مميزة» في الوسط الثقافي في الثمانينات. حيث تبلور دورها الثقافي وأصبحت قبلة ثقافية للمثقفين والدارسين والنقاد والمفكرين وجمع من طلاب الجامعات والثانويات. وازدهر عملها في مطلع التسعينات، وتحولت إلى مكان للتفاعل بين النخب المثقفة ومساحة للتلاقي والنقاش في الشؤون الثقافية والأدبية والكتب وإنتاجها.

وبعد فترة زمنية ليست بطويلة ولد «المهرجان اللبناني للكتاب» من رحم الحركة. وشكل مرحلة عبور للحركة نحو فاعلية أقوى في الوسط الثقافي اللبناني والعربي. وصار للمهرجان موعدا ثقافيا ينتظره الجميع بشغف، فهو يجمع المثقفين من مناطق لبنانية مختلفة ويعيد بينهم أواصر الصداقات التي مزقتها مرحلة الحرب.

يستقطب المهرجان هذا العام 120 دارا. وتخصص «تظاهرته» برنامجا صباحيا موجها إلى الأطفال وطلاب المدارس، ويتضمن قراءات للقصص وندوات توجيهية. أما حفلات تواقيع الكتب، فيصل عددها إلى 65 حفلة. ويحافظ البرنامج على إحدى عاداته القديمة، في تنظيم الندوات الفكرية حول كتب صادرة حديثا.

لكن نلاحظ شبه غياب للندوات ذات التيمات الثقافية، وتركيزا مكثفا على الندوات المتعلقة بالكتب. ويبرر بعض القائمين عليه ذلك بضرورة تخصيص الحيز الأكبر من المعرض للكتاب، ومتابعة الإصدارات الجديدة التي تحتاج إلى من يلقي الضوء عليها. ويعتمد عليها في استقطاب جمهور شاب يتطلع إلى ثقافة جديدة.

ومنذ 6 سنوات، أضافت «الحركة» إلى مواعيد ندواتها الثابتة احتفالين بيومي المرأة العالمي في 8 مارس و«المعلم» في 9 منه، اللذين يتقاطعان مع موعد المعرض. وقد كرمت في اليوم الأول عميدة معهد السياسة في الجامعة اليسوعية فاديا كيوان، بينما كرم في «يوم المعلم» النقيب والكاتب أنطوان رعد، والمربية ناديا عون.

«روزنامة» هذا العام حافلة؛ فعلى هامش المعرض الذي تتوزع فيه «ستاندات» دور النشر، تكرم «الحركة الثقافية» على غرار السنوات الماضية بعضا من أعلام الثقافة في لبنان والعالم العربي. ومن ضمن اللائحة لهذا العام: جورج طرابيشي، مطاع صفدي، إبراهيم بيضون، ناصر مخول، بدوي أبو ديب، غسان تويني، محمود الزيباوي، نضال الأشقر، سامي عبد الباقي، جان كلود بولس، ياسين سويد، وجورج شامي. وتقام الندوات في الصالة المخصصة لها يوميا. ويخصص «المهرجان» مساحة لوجوه من الثقافة العربية فقدناها هذا العام، فينصب لوحات تذكارية لكل من السينمائي السوري الراحل عمر أميرلاي، والشاعرة آندريه شديد، والأكاديمي واللغوي اللبناني متري بولس.