«الأيام الثقافية السعودية» في الخارج.. أي ثقافة وأي فنون؟

مثقفون يتساءلون عما أنجزت ووزارة الثقافة تقول إنها تعكس الواقع

جانب من العرض الفني الذي أقيم للجمهور الصيني في الجناح السعودي في اكسبو - شنغهاي («الشرق الأوسط»)
TT

سواء عبر «الأيام الثقافية السعودية» التي تقيمها وزارة الثقافة والفنون، أو تلك العروض التي تنظمها جهات أخرى، أي ثقافة وأي فنون يجري الترويج لها في الخارج، لتعبر عن صورة المشهد المحلي؟

مثقفون رأوا أن العروض الفنية والثقافية في الخارج، لا تفعل سوى تكريس للصورة النمطية لعربي متشبث بالماضي، وليست لديها القدرة على عكس المنجز الثقافي، فضلا عن توفير فرصة لتقديم هذا المنجز للعالم الخارجي. وفي كل الأحوال تستحوذ «الصورة» والحركة وإيقاعاتهما على الحيّز الأبرز في الاهتمام، بعيدا عما تمثله تلك الإيقاعات من تطابق أو انسجام مع ما ترمز إليه.

* وزارة الثقافة: نقدم صورة الواقع

* وفي هذا السياق، دافع الدكتور أبو بكر باقادر، وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الخارجية، في تعليقه لـ«الشرق الأوسط»، على هذا الموضوع، بالقول إن وزارته تقدم ما هو على الساحة، والأيام الثقافية بحسب قوله: «هي عاكس حقيقي للحياة في الماضي، وتقدم على أساس أنها تعبير عن الهوية، في الأكل والموسيقى والأدب والشعر، وأنماط الحياة وتصورات الناس، فيتم التعبير عنها بطرق فنية أو إبداعية، ومسرحية».

واستحضر باقادر، هوية الأيام الثقافية بالقول إنها الوجه الإنساني للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للأمة في تلك اللحظة.

وعن انعكاسها على المتلقين في الخارج، قال: «المتلقي بوصفه حكما خارج السعودية، تكون لديه غالبا آراء وافتراضات عن السعودية، ومن ثم فإن الرسالة المقدمة له، هي إعادة النظر في تلك المسلمات التي تشكلت معرفته فيها عن السعودية».

ولاحظ وكيل وزارة الثقافة والأيام الثقافية، أن الأيام الثقافية التي تنظمها الوزارة، تسعى لتغير من نمطية الصورة لدى المتلقي في الخارج، «إذا كانت عقليته تعرضت للتشويش بسبب الإعلام، أما إن كانت عقليته لم تطلها تأثيرات، فإننا بدورنا نقدم له مفاتيح لمشاهدة صورة عن السعودية المعاصرة».

ورفض باقادر الاتهام بأن الفعاليات لا تفعل سوى تكريس الصورة النمطية، للعربي باعتباره وثيق الصلة بالخيمة والناقة، موضحا أن نقلهم للخيام والجمال، كان في مرحلة معينة، وكانت الصورة فقط تأكيدا على الهوية الأصلية، أما في الأيام الثقافية فلم يحصل مثل تكريس هذه الصورة، ولم يتم التركيز عليها.

وأفاد وكيل الوزارة بأن النمطية المقدمة الآن هي عرض للفنون التشكيلية، وعروض الخط العربي، والنخلة، والتمور، باعتبارها نوعا من أهم المنتجات الزراعية في السعودية، وتكون عادة في معرض للحرمين الشريفين، تتخللها محاضرات وفولكلور، وموسيقى، بالإضافة إلى التصوير الضوئي، وإن أتت مسألة التداخلات الفولكلورية في بيت من الشعر، فإنه فقط يكون إطارا لنشاط يوضح فيه التحولات العصرية للمجتمع السعودي.

وأضاف باقادر أن المعارض الفوتوغرافية تقدم عادة حقبة معينة مما عليها التنمية الراهنة، «وتختلف النماذج المقدمة طبقا للدول المستهدفة، وعادة ما يصاحبها معارض كتاب، لأحدث الإصدارات، بالإضافة إلى مجموعة من الندوات والمحاضرات، وحينما ذهبنا لتونس، أقمنا أمسية شعرية، تحاكي تطور القصيدة في السعودية، ومسرحيات، وروايات، وأنشطة ثقافية مختلفة».

وأضاف: «حينما نذهب إلى دول لا تتحدث العربية، فإننا نجلب معنا أساتذة محاضرين، يتكلمون بلسان ثقافتنا، ويحاكوا أدبياتنا، ونمد جسورا من خلال المحاضرات والثقافات الأدبية، ونسعى إلى صناعة ثقافة تهتم بأدبيات المتلقي وأولوياته»، بالإضافة للإصدارات العربية التي نهديها عادة، للمؤسسات الأكاديمية حتى تكون مرجعا لمن أراد سبر تاريخ السعودية.

* د. الزيد: حضور باهت

* من جهته، دعا الدكتور عبد الله الزيد، نائب مكتبة الملك عبد العزيز بالرياض، لمزيد من التخطيط في الصورة الثقافية التي يجري عرضها في الخارج. وقال: «عند تناول مسألة الحضور الخارجي، لا مناص من التفكير في متلازمة التخطيط، وتبعا لذلك، ستنبثق قضية الاستراتيجية، التي تحتوي في فاعليتها وثقافتها الحقيقية، على ركيزتين، هما الأدبيات المعرفية والتنفيذ».

وأضاف الزيد، أن الفقرات والآليات الثقافية الأدبية الضرورية غير موجودة، واصفا الحضور بـ«الباهت»، عبر «الأسابيع الثقافية».

وقال الزيد إن بعض هذه الأنشطة خاصة تلك التي يجري تقديمها كبرامج مصاحبة للأحداث الثقافية «هي نشاطات لا يهتم بها أحد، ولا يحضرها أحد، ولا يقيمها مهتم أو مبدع، وهي طيف يمر بالساحات الثقافية، مذكرة المتلقين، بشيء من المبادرات المدرسية، وأحداث التلقين في المناشط التعليمية، التي تحيي المواسم الميتة».

وحول خطوات تفعيل تلك الأيام، لاحظ الزيد أن هناك «حاجة نحو خلق استراتيجية جديدة، بكل ما تعني، بدءا من الترتيبات والتنسيق، والاتصال والعلاقات، انتهاء بالميزانية والتكلفة والحقوق»، داعيا لأن تحتضنها هيئة أو جهة تختص تحديدا بهذه المهمة، وتلك الاستراتيجية.

* د. باعشن: زامر الحي يطرب

* من جانبها طالبت الدكتورة لمياء باعشن، (ناقدة أدبية)، بضرورة تحصين الجودة الثقافية الداخلية، بحكم أن الفاعلية الثقافية الداخلية ينبغي أن تكون أكثر رصانة وشمولية. وقالت: «نغفل دائما في مشاركاتنا الخارجية للأيام الثقافية، مسألة اللغة، فمعظم المثقفين هنا يتحدثون الإنجليزية بشكل مبسط، ويجهلون الفرنسية، فكيف سيتم عرض المنتج الثقافي بشكل لائق».

وقالت باعشن، لذا سيقتصر التمثيل على الرقص والفولكلور، والأزياء الشعبية، مبينة أن الحراك الثقافي في الداخل في صراعٍ دائم، حيث بات جميع المثقفين يتنفسون من تحت الماء، كل رواية تتحطم، وهناك مضايقات في معرض الكتاب.

وزادت باعشن بالقول: «زامر الحي يطرب، نعم، يطرب متى ما تسنت له الظروف، وتهيأت له البيئات بشكل أعم، وبات المنتج الثقافي غير مشبوه، والتثقيف في ضوء الأدب والمعرفة غير محارب».

وأوضحت: «إن مسألة نوبل تعتمد في مضمونها على ترشيحات الدول نفسها، عن أهم الكتاب والمفكرين النشطين الفاعلين، نحن لدينا نخب ثقافية، ولسنا أقل حالا من بقية الدول التي أثرت العالم سمعة في الآداب والفنون، فأميركا لم تختر نجيب محفوظ، من اختاره المصريون أنفسهم، من خلال تأثيره الفعلي على حياتهم».

ودافعت باعشن، عن نشوء الأيام الثقافية بالخارج، وما آلت إليه، مضيفة: «منذ تسنم الدكتور بكر باقادر على هرمها، صنع منها أياما على الرغم من محدودية مواردها في حينها، وقام بدور المأسسة الحقيقية، وترك الدور لمن خلفه ليطور، ويكمل المسيرة».

* صورة نمطية

* في حين علقت منيرة العكاس، (مثقفة) بأن الأيام السعودية في الخارج تعطي صورة نمطية، حتى وإن كانت تلك الصورة محدودة وضئيلة، لكنها لاحظت أن المنتج الثقافي السعودي في الخارج بدأ يأخذ وضعه الطبيعي، وأضحى معنيا بإيصال رسالته للعالم الخارجي. وأضافت العكاس، أن تلك الأيام ذات مدلولات فنية عميقة، واستطاعت محاكاة كثير من المضامين الثقافية، وطالبت بضرورة تحديد معايير صارمة للمنتج السعودي الذي سيتم عرضه بالخارج.

وقالت منى المالكي، رئيسة اللجنة النسائية في النادي الأدبي بالطائف، إنه على الرغم من اعتزازنا بجذور ثقافة الخيمة، فإنه أتى على حساب المنجز الثقافي، لرغبة الجهات العارضة (لفت انتباه) الجمهور في الخارج، وبات المشهد يركز على الزير، والمزمار، والعرضة».

وساقت المالكي مثلا، حول جوائز البوكر التي حصل عليها سعوديون في السنوات الماضية، مشيرة إلى مسؤولية وزارة الثقافة والإعلام، في تسويق وعرض هذه الأعمال وغيرها في الخارج.

واتهمت المالكي القائمين على تنظيم الأيام الثقافية بالانتقائية، فيما يتعلق بالشخصيات التي تتاح لها المشاركة في التمثيل الخارجي، ودعت لتوفير الفرص لكافة المثقفين للتعبير عن تنوع الثقافة المحلية.

* جانب من العرض الفني الذي أقيم للجمهور الصيني في الجناح السعودي في اكسبو - شنغهاي («الشرق الأوسط»)