كتاب «شريعة الملك».. مرجعية جديدة للقمع الإسرائيلي

يعتبر الفلسطينيين «أغيارا» وغوغاء يجب قتلهم بدم بارد

غلاف الكتاب
TT

يحمل كتاب «شريعة الملك» الكثير من المعاني والتصريحات والفتاوى الحاخامية اليهودية التي تشرع وتبيح قتل «الأغيار» بدم بارد، ليضع الكتاب لبنة جديدة في مسلسل قديم لا تزال حلقاته مستمرة، هو مسلسل الفتاوى الصهيونية ضد «الأغيار». وكلمة «الأغيار» كما جاء في الكتاب قد تعني «الـغوغاء» والدهماء من الناس أو من يغير على حق غيره فيأخذه منه عنوة دون وجه حق.

فإذا ذكرنا أن الكتاب قد ألفه حاخامات يهود، فمن الطبيعي أن تمر فتاواهم اليهودية، التي نشرت في الكتاب دون أن نتلقى أي تعقيب من الأمم المتحدة أو اليونيسيف أو الفاتيكان أو أي منظمات لحقوق الإنسان. وبالنسبة لترجمة الكتاب، فقد كانت هناك صعوبة كبيرة واجهت المترجمين المصريين خالد سعيد، ومحمود مندور، في الحصول على الكتاب، لأنه لم يوزع بواسطة شبكات بيع الكتب الكبرى في إسرائيل، حيث أوصى عدد من حاخامات اليمين المتطرف أتباعهم بشرائه من مدرسة «يوسف لا يزال حيا» فحسب، وهي المدرسة التي يتبعها مؤلفا الكتاب، لكن المترجمين حصلا عليه في شهر مارس (آذار) من العام الماضي، وبمجرد وصوله، انتابتهم حالة من الخوف والضحك في آن واحد، ليس لأنه النسخة الأولى التي وصلت إلى مصر آنذاك، وإنما لأنه كان يحمل بين دفتي صفحاته، وثنايا كلماته «لعنات» عدة ومتباينة الأحوال، ما بين إصابتهما بالإنفلونزا الشديدة بالتناوب، وتعطل جهازي الكومبيوتر الخاص بهما أيضا، وإجبار من يحمل الكتاب أن يبتعد عنه، وكأن به فيروس يصيب من يقترب منه، لكن بعد أكثر من سبعة أشهر استطاع المترجمان إنجاز ترجمته، ليقدما للقارئ العربي صورة حية لخطورة تلك الفتاوى.

يوضح المترجمان أن الحروب الإسرائيلية الأخيرة (سواء في لبنان أو قطاع غزة)، التي عكست مدى العنف والقسوة والإرهاب الإسرائيلي باعتبارها جزءا من البنية العقلية والفكرية والاجتماعية الجماعية، وهي تعكس نسيجا دينيا وثقافيا جعلا من العنف والإرهاب عقيدة باسم الدين. ولفتا المترجمان إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في حروبها ومواجهاتها الدائمة للعرب الفلسطينيين وغير الفلسطينيين تستند إلى فلسفة ونظريات الإرهاب الديني، فثمة غايات دنيوية وسياسية غلفها كبار الحاخامات التي خرجت ونشرت في أمهات الكتب اليهودية، أضفوا عليها صفة الدين، وأصبح أتباعها والمؤمنون بها يمارسون الإبادة الجماعية والقتل على أنها طاعة وتقرب للرب عبر حقب تاريخية مختلفة.

وما خروج ونشر فتاوى قتل الأغيار «غير اليهود»، إلا غيض من فيض من أقاويل وتصريحات لعدد من الحاخامات اليهود، التي أضحت منهاجا يمارس ضد الشعوب والأمم الأخرى دون تحديد، فالنفس اليهودية لها الأفضلية عن غيرها من النفس البشرية، ما يمكن للإسرائيلي قتل العربي، فلسطينيا كان أو غير فلسطيني، وبدم بارد، استنادا إلى تلك الفتاوى.

ويقول المترجمان إنه انطلاقا من تلك الفتاوى وإحياء لفتاوى أخرى مماثلة صدر في سبتمبر (أيلول) عام 2009، كتاب «شريعة الملك» أو «توراة الملك» أو «عقيدة الملك» بالعربية، و«تورات هميلخ» بالعبرية، ليبيح ويشرع قتل غير اليهود «الأغيار» خاصة الفلسطينيين، وهو كتاب لحاخامين متطرفين؛ يدير أحدهما مدرسة دينية متشددة تسمى «يوسف لا يزال حيا»، في مستوطنة يتسهار، القريبة من مدينة نابلس الفلسطينية، وهو الحاخام «يتسحاق شابيرا»، ومساعده الحاخام «يوسي اليتسور»، المدرس بنفس المدرسة، التي تعد أحد معاقل متطرفي المستوطنين اليهود.

يعد الكتاب بمثابة المرشد لمن يريد قتل «الأغيار»، فهو ترخيص واضح لقتل العرب، خاصة أن الحاخامين يستعرضان في الكتاب مئات الاقتباسات من التوراة والشريعة اليهودية وأمهات الكتب الصادرة باللغة العبرية كفتاوى دينية تبيح القتل، مع الحذر من عدم الدعوة بشكل صريح إلى مخالفة القانون، لكن في الوقت نفسه لا يخشى الحاخامان من محاكمتهما، لأنه في هذه الحالة سيتعين محاكمة (اثنين من كبار مفسري التوراة في القرون الوسطى)؛ «الحاخام موسى بن ميمون» و«الحاخام موسى بن نحمان».

يستعرض الكتاب شرحا مفصلا لرأي «الرابي موشيه ايسراليش»، الذي يشير إلى أن قتل النفس اليهودية يكون مقابلها قتل نفس من الأغيار، دون الإشارة الصريحة للعرب. في البداية، نقرأ عن تحريم القتل لحزمة من الأسباب، منها تفادي العداوة، وانتهاك الدين لكنهما سرعان ما ينتقلان لاستعراض عشرات الحالات، التي يجوز فيها القتل، استنادا لأحكام التوراة، والشريعة اليهودية حسب ما يفهمها ايسراليش، وعشرات الكتب الدينية الأخرى التي تعد بمثابة إرشادات وفتاوى دينية.

ويرى الحاخامان، شابيرا وإليتسور مؤلفا الكتاب، أنه بالإمكان قتل الأطفال الرُضَّع أيضا لأنهم «يسدون الطريق»، ويحولون دون تقدم اليهود نحو السيطرة على العالم وإصلاحه، غير أن أولئك الأطفال عندما يكبرون سيلحقون باليهود ضررا، وفي تلك الحالة يشدد المؤلفان على وجوب قتل الأطفال الرُضَّع وليس قتل البالغين من المدنيين الأبرياء فحسب، فضلا على حرص المؤلفين على التشديد على الانتقام، اتباعا لنظرية «العين بالعين والسن بالسن».

ويوضح المترجمان أنه بعد نشر عرض للكتاب في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية الصادرة باللغة العبرية، في التاسع من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2009، والضجة الإعلامية التي لازمت ذلك العرض، أصدر الحاخامان تعقيبا أكدا فيه على تشبثهما بكل كلمة وردت فيه، وأشارا لتقييم وتقدير كبار الحاخامات له، ولمساهمته في إثراء «الشرع اليهودي المعاصر!»، حيث نال الكتاب رضا وتوصية محافل صهيونية، ذلك على الرغم من إلقاء القبض على الحاخام شابيرا، في شهر سبتمبر من عام 2010، بتهمة إصداره لكتاب يبيح قتل «الأغيار»، لكنه ما لبث أن خرج بعد ثلاثة أيام فقط!

يحمل الكتاب المئات من الاختصارات والمصطلحات والتعبيرات الجديدة والصعبة على المتابع والمترجم للغة العبرية فهمها بالشكل الصحيح، لدرجة أن المؤلفين يستخدمان المعنى العاشر للكلمة، وليس المعنى الأول أو الثاني لها، مما زاد من صعوبة متابعة الكتاب في البداية، خاصة أنه يشير إلى عشرات الكتب اليهودية الدينية، بدءا من التوراة والأسفار الخمسة، وانتهاء بالحاخامات المعاصرين، مرورا بالمشناه، والجمارا، وحاخامات العصور الوسطى، عبر عشرات الفتاوى القديمة التي يعيد المؤلفان إحياءها مرة أخرى، وقياس أحكام على أحكام أخرى كانت موجودة في الأساس، بالإضافة إلى أن الكتاب يستشهد بمئات الاقتباسات الآرامية، فضلا عن أن لغة الكتاب لغة موجزة يصعب فهمها بسهولة، لأنها مكتوبة لغلاة اليمين الصهيوني! وهو ما عكف المترجمان خالد سعيد ومحمود مندور على توضيحه في الهوامش، التي زادت عن متن الكتاب في الكثير من الأحيان!