العيش في منطقة صعبة

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في سيرته الذاتية

TT

عندما كتب الملك عبد الله الثاني هذا الكتاب، كان يعتبره بمثابة سيرة ذاتية، أكثر من كونه كشف حساب لعشرة أعوام قضاها في سدة الحكم داخل الأردن. ولكن جاء المنتج النهائي ككشف حساب جزئي، إلى جانب تناوله قضايا دولية ومحلية.

أثناء مسحه لمنطقة الشرق الأوسط جغرافيا وسياسيا، علق الملك عبد الله قائلا: «أعيش في منطقة صعبة». ومع تصفح الكتاب، يبدو هذا التعليق وكأنه عبارة مخففة. إنه يشير عَرَضا إلى أن «العديد من الزعماء العرب حاولوا قتل والدي»، الملك حسين الراحل، كما سعى إرهابيون فلسطينيون إلى قتله باستخدام مواد حمضية وباستخدام السم، كما جاء في الكتاب.

وكان الملك عبد الله الثاني نفسه هدفا للعديد من المؤامرات حاكها تنظيم القاعدة؛ ففي إحدى المرات، خطط تنظيم القاعدة لاستهداف يخت الملك بتفجير انتحاري لقتل العائلة الملكية بالكامل أثناء إجازة داخل جزر اليونان.

وفي بعض الأحيان، نجد هذه السيرة الذاتية وكأنها قصة مثيرة ذات وتيرة سريعة. ونرى الملك عبد الله في سن صغيرة، وحيدا داخل قارب صيد قبالة ميناء إيلات ينتظر والده ليعود من اجتماع سري مع إسرائيليين. ويظهر ضوء سيجار قناص إسرائيلي على الشاطئ محافظا على بندقيته في تلك الليلة السوداء.

ويذكر الملك عبد الله أنه، في مرحلة ما، كان هناك إرهابيون دوليون، من بينهم الجيش الأحمر الياباني ومنظمة بادر ماينهوف الألمانية والفنزويلي كارلوس، وبالطبع كان هناك القائد الفلسطيني ياسر عرفات، وكذلك الأردني مصعب الزرقاوي، الذي أصبح فيما بعد زعيم تنظيم القاعدة في العراق.

ونتعرف على مؤامرة حاكها «دبلوماسيون» عراقيون تابعون لصدام حسين في عمان وسعوا خلالها إلى وضع السم في مياه الأردن على أمل قتل مئات الآلاف من أتباع الملك.

وعندما تتسارع وتيرة العرض داخل الكتاب، نذهب إلى عالم يُذكر بـ«ألف ليلة وليلة». ونجد شقيق الملك حسين الراحل يحيك مؤامرة من أجل الاستحواذ على الملك، فيما تروج أرملة الملك لأحقية ابنها في الملك.

ثم نرى الملك حسين يزور عائلة فلسطينية ليطلب يد ابنتهم الجميلة، التي ستصبح بعد ذلك الملكة رانيا، لابنه عبد الله. ونرى الملك عبد الله يتنكر، مثلما فعل الخليفة هارون الرشيد في بغداد إبان الخلافة العباسية، ويجوب العاصمة ليلا ليعلم ما يحدث على الحقيقة. (ربما كان في استطاعة الملك فعل ذلك برفع الرقابة وإعطاء الفرصة لوسائل الإعلام كي تؤدي عملها).

وفي إشارة كئيبة، نعلم أن الابن الأكبر لصدام حسين، عدي، كانت لديه عادة الذهاب إلى مدارس البنات العليا داخل بغداد ليقوم بخطف الفتاة «الأكثر جمالا».

ونرى الجنرال ضياء الحق، الذي سيصبح بعد ذلك ديكتاتور باكستان، يعيد بناء «الجيش المتشرذم» داخل الأردن بعد الهزيمة على يد إسرائيل عام 1967. وتمثل حكاية الملك عبد الله عن رحلته إلى كوريا الشمالية، والتي تضمنت مقابلة نادرة مع الزعيم كيم ايل سونغ، استراحة كوميدية. وكان كيم يحب تكرار: «لقد هزمت الأميركيين مرة، وأستطيع هزيمتهم مرة أخرى».

الشيء الملحوظ هو قدرة الملك عبد الله على الوصول إلى مراكز السلطة في مختلف أنحاء العالم، حيث عمل مع ثلاثة رؤساء ونحو 12 زعيما أوروبيا على الأقل، كما كانت له لقاءات مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الذي كان دوما باردا، إن لم يكن متغطرسا. وربما الأكثر أهمية أن الملك عبد الله هو الزعيم العربي الوحيد الذي له علاقات جيدة مع جميع زعماء الدول الـ21 الأعضاء في الجامعة العربية.

ويصور الملك عبد الله الرئيس جورج دبليو بوش على أنه رجل قليل الكلام كثير الفعل، ولكن ليست جميع أفعاله تستحق الثناء. وفي المقابل يظهر الرئيس باراك أوباما على أنه كثير الكلام قليل الفعل. وتبدو خلفية الملك عبد الله العسكرية واضحة دائما. ولا يتردد في ذكر أنه بعث برسالة إلى بول وولفويتز، المخطط البارز لاستراتيجية الرئيس بوش، عبر فيها عن الازدراء.

ويكتنف الغموض رأي الملك عبد الله في صدام. ويتجاوز اجتماعات جمعتهما، ولكن يشير إلى بعض السمات السيئة في نظام حكم الديكتاتور. وفي نفس الوقت ذكر أن إعدام صدام حسين كان سبب إثارة مشاعر الغضب لدى كثير من العرب. ويقول الملك عبد الله إنه عارض الإطاحة بصدام، ولكن يشعر بالقلق من رحيل القوات الأميركية من العراق قبل الأوان.

ولا يفوت فرصة أن يذكرنا بأن أحد أقارب والده (الملك فيصل)، كان ملك العراق، ولا يخفي الملك عبد الله عدم قبوله لعراق جديد يسيطر داخله الشيعة.

وفي الواقع يبدو الملك عبد الله مهتما بالعراق، ويراه قوة محورية في المنطقة. ورغم ذلك يبدو أنه يتخذ موقفا معاديا تجاه العراق الجديد أكثر من كونه حرصا على اقتراح وسائل للتواصل معه بهدف صياغة هيكلة أمنية جديدة داخل المنطقة.

يحلم الملك عبد الله بـ«بنلوكس شرق أوسطي» يضم الأردن وإسرائيل ولبنان ودولة فلسطينية. ويقول: «ستكون قوة اقتصادية». وعلى الرغم من علاقات عائلته القوية مع إسرائيل على مدار أكثر من 60 عاما، فإن الملك لا يثق في الإسرائيليين.

ويقول إن زعم إسرائيل أنها «دولة صغيرة تحيط بها قوى معادية» خرافة «سمحت للإسرائيليين بتصوير تصرفاتهم العدوانية المحسوبة على أنها دفاع عن النفس، وفي بعض الحالات، إقناع دول أخرى بالهجوم على أعدائها».

من كتابه يبدو الملك عبد الله كصديق بشوش قادر على المزاح، وربما ورث ذلك من أمه الإنجليزية، لكن لديه نزعة شكوكية واضحة حول بعض المسارات داخل الشرق الأوسط.

لا أحد يعرف كيف ستؤثر الاضطرابات الجارية داخل العالم العربي على الأردن، ولكن يصور الكتاب زعيما شابا حماسيا، ربما لا يعرف دوما ما يجب عليه القيام به، ولكنه عازم على القيام بكل ما يحفظ دولته بعيدا عن المخاطر.