صاحب كتيب «عبروا عن سخطكم» يقترب من مئويته ويبيع مليوني نسخة

ستيفان هيسيل لـ«الشرق الأوسط»: رفض توني بلير الالتقاء بقادة حماس غباء سياسي

TT

من كان يتصور أن كتابا صغيرا يمكنه أن يصنع الحدث ويثير غيرة كبار المفكرين والمتخصصين في إعطاء الدروس الأخلاقية والسياسية (الذين يشكون من ضعف مبيعات مؤلفاتهم!)؟ وبالفعل استطاع كتيّب أو دفتر عنوانه «عبّروا عن سخطكم» لستيفان هيسيل، والصادر عن دار نشر صغيرة «أندجين» أن يتجاوز رقم المليونين في 15 ترجمة، كما ذكر لصحيفة «الشرق الأوسط». ويبدو أن الدهشة أصابت حتى مؤلفه، فقد قال هيسيل بأنه تفاجأ من رواج الكتاب «تصورت أنه يمكن بيع بضعة آلاف، فقط»، كما قال لنا. ولعلّ من الضروري التذكير بأن المؤلف، هو في سن الثالث والتسعين (ولد سنة 1917)، ولا يتوقف عن السفر وإلقاء محاضرات ومناقشة كل الأجيال عن الراهن الفرنسي، وما فيه من عنصرية، تجاه المهاجرين والغجر ورغبة في الانطواء، وعن الراهن الدولي، أي العولمة والليبرالية المتوحشة وديكتاتورية الأسواق المالية، ومختلف مظاهر الظلم، وخاصة الظلم التاريخي الذي يطال الشعب الفلسطيني. وهنا أيضا نذكر بأنه من أصل يهودي، وعاش في معسكرات الاعتقال النازية، وكاد أن يعدم لولا أنه استبدل باسمه، قبيل المناداة عليه، اسم أحد الذين تعرضوا للإعدام، ونجح في الفرار مرات عديدة من جحيم هتلر. وأصبح موظفا أمميا ساميا ساهم في إعداد «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» سنة 1948. ومن حينها أصبح سفيرا دائما.

14 صفحة يتضمنها الكتيّب (إضافة إلى تصدير من الناشرة)، وهو مقسم إلى العناوين التالية: 1 - الدافع إلى المقاومة هو الاحتجاج، 2 - رؤيتان للتاريخ «كان الانخراط في المقاومة، بالنسبة لنا بسيطا، نسبيا. المقاومة تقتضي رفض الاحتلال الألماني والهزيمة. وكان بسيطا ما جاء بعدها من تفكيك للاستعمار. ثم حرب الجزائر، كان يجب منح الاستقلال للجزائر. الأمر بدهي». (ص. 12)، والرؤية الثانية سوداوية، ومن بين القائلين بها المفكر الألماني، صديق العائلة، والتر بنيامين (بالنسبة لوالتر بنيامين، الذي انتحر في سبتمبر/أيلول 1940 هربا من النازية، فإن معنى التاريخ، هو الانتقال من كارثة إلى أخرى) (ص. 13).3 - عدم الاكتراث: أسوأ المواقف. 4 - احتجاجي بخصوص فلسطين. 5 - اللاعنف، الطريق الذي يتوجب علينا اتباعه. 6 - من أجل عصيان سلمي.

وإذا كان الكتيب الصغير طافحا بقضايا هامة وشاملة. فإن «الشرق الأوسط» طرحت بعض الأسئلة التي تخص الشجن العربي والفلسطيني على هذا الرجل الذي يقترب من مئويته. وكان أول سؤال بخصوص الموقف المعارض، إن لم نقل المعادي، الذي يتعرض له، وهو اليهودي الناجي من المحرقة، من قبل المفكرين اليهود الفرنسيين، ومن بينهم ليفي وفينكلكروت، الذي وصف هيسيل، في مجلة «نوفيل أوبسرفاتور»، بأنه من البوبو (أي من شريحة البورجوازيين البوهيميين، التي تمارس النضال كترف). يرد هيسيل بأن هؤلاء يتناسون أنني كنت منخرطا في أشكال النضال المختلفة من سنواتي الأولى. إن هؤلاء يسيئون إلى قضيتهم التي يدافعون عنها، وهي إسرائيل، من حيث يتصورن أنهم ينصرونها (اللقاء مع هيسيل تم في مكتبة مونتروي، وتخلله هجوم على المكتبة من قبل عصابات يهودية، تنادي بالموت للفلسطينيين والحياة لإسرائيل، وتتهم هيسيل بالعمالة للفلسطينيين). «إنهم أوغاد، هؤلاء! لم يدافع عن إسرائيل أحد مثلما فعلت أنا».

يكتب هيسيل: «هل يفيد في شيء إطلاق حماس الصواريخ على سديروت؟ الجواب هو لا، ولكن يمكن تفسير هذا العمل بسخط الغزّاويين. وفي مفهوم السخط يجب تفهم العنف كنتيجة مؤسفة لوضعية غير مقبولة بالنسبة لمن يعانون منها. (...) السخط هو إنكار الأمل. وهو أمر مفهوم، بل أكاد أقول إنه طبيعي».

سألنا هيسيل عن زيارته إلى غزة، ولقاءاته مع القيادات الفلسطينية، هناك (إسماعيل هنية وآخرين). فأجاب: لا يمكن لنا أن نزور غزة من دون الاتصال بمن يُدير المنطقة سياسيا وعسكريا، ولا يضيرنا في شيء الاستماع إليهم، وأؤكد لك أن اللقاء كان إيجابيا، وسمعنا من قادة حماس رغبة في الهدنة وفي السلام. وأنا أنتهز هذه الفرصة لأندد برفض توني بلير، رئيس اللجنة الرباعية، الالتقاء بقادة حماس. وأعتبر تصرفه نوعا من الغباء السياسي.

لا يتصورن أحد أن هيسيل لا يضع في باله إسرائيل حين يتخذ مواقفه، فإذا كان في السابق قد قال إنه من أكثر المدافعين عن إسرائيل فهو صادق. نسأله عن كيفية الخروج من تشابكات وتعقيدات الصراع العربي الإسرائيلي، فيجيبنا بضرورة «إعمال الذكاء»، مكررا احترام الشرعية الدولية وقراراتها وتوصياتها. وهنا نسأله عن كيفية «إعمال الذكاء» من أجل تنفيذ واحترام القرارات الدولية، وخاصة «قرار عودة اللاجئين». هنا يتردد الرجل العجوز. حق العودة هو مقتل كل الغربيين. ويرد: «ثمة مسؤوليات كثيرة تتعلق بهذا القرار، والمسؤولية الأهم تقع على عاتق الدول التي استضافت هؤلاء الفلسطينيين.. أي الدول العربية.. تستطيع إسرائيل استقبال أعداد منهم، لكن لا يمكنها أن تستقبلهم جميعا، وإلا فلا وجود لدولة إسرائيل، العضو في المجتمع الدولي».

ثمة قواسم مشتركة تجمع بين المفكرين والساسة اليهود خارج إسرائيل (أقلية ضئيلة جدا تنفي فكرة وطن لليهود!)، ولكن ثمة أيضا اختلافات بين تياراتهم، إذ الفرق كبير بين رؤية ليفي وأدلير وفنكلكروت وغيرهم وبين مجموعة أخرى تتعرض، أحيانا للتحريم اليهودي والاتهامات بالخيانة بل والمحاكمات. لقد تدخّل اللوبي الصهيوني القوي في فرنسا لإلغاء ندوة تجمع ليلى شهيد برادة وستيفان هيسيل وريجيس دوبريه حول مقاطعة إسرائيل، وقبلها حوكم المفكر (الفرنسي اليهودي) إدغار موران بسبب مقال ينتصر لعدالة القضية الفلسطينية.

يقلق الصهاينة كثيرا حين يتصدى واحد من أبناء الطائفة اليهودية لجرائم إسرائيل، ويلجأون، أحيانا للعنف. غاظهم نجاح كتيّب ستيفان هيسيل وغاظتهم مواقف موران وآخرون. لعلّ الفلسطينيين يوظّفون هذا المدد في الانتصار لقضيتهم. لعلهم!