شخص حول ميزاته الشخصية إلى فلسفة أعمال

ستيف جوبز يواصل ابتكاراته رغم إصابته بالسرطان

TT

في أوائل شهر مارس (آذار) الماضي، وفي مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، أعلن ستيف جوبز، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» (Apple) للكومبيوتر، عن إطلاق نسخة جديدة من جهاز «آي باد 2» تحتوي على آلتي تصوير وفيديو، كما أنها ذات معالج أسرع وأقل سمكا من جهاز «آي باد» الأصلي، الأمر الذي يعني إمكانية إنتاج أعمال موسيقية وسينمائية على هذا الجهاز الجديد.

وعلى الرغم من إصابة جوبز بحالة مرضية نادرة من سرطان البنكرياس ونصائح أطبائه له بالبقاء في المنزل، فإنه تحدى مرضه وسخر كل قدراته وإمكاناته الفكرية لإحداث تغيير جذري في الأجيال الجديدة من أجهزة الكومبيوتر اللوحية ومنافسة الشركات المنافسة له في هذا المجال، فقد باعت شركة «أبل» ما يقرب من 15 مليون جهاز «آي باد» الأصلي في الـ9 أشهر الأخيرة من العام الماضي.

من أقوال جوبز: «لا علاقة للابتكار بكمية الدولارات التي تخصصها لعمليات البحث والتطوير، لا يتعلق الأمر بالمال، بل بالأشخاص الذين يعملون لديك، وبكيفية تقدمك على الآخرين وإلى أي مدى تحقق ذلك».

حول شخصية جوبز وعوامل نجاح شركته، يكشف ليندر كاهني في كتابه «رحلة داخل عقل ستيف جوبز»، أسرار ما فعله وما حققه من نجاحات وإنجازات بارزة وخطط ذكية ومنتجات واعدة في أسواق الكومبيوتر العالمية.

وقد صدرت ترجمة لهذا الكتاب عن الدار العربية للعلوم (ناشرون) في بيروت بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم في دبي، ضمن برنامج «ترجم»، وقام بترجمته حسان البستاني.

يقول كاهني إن جونز منظم عجيب وغير عادي، وشخص ينشد الكمال أيضا، فقد حول شركة كبيرة تعاني من اختلال وظيفي إلى شركة متماسكة ومنضبطة تعمل وفقا لبرنامج الإنتاج، حيث أنقذ شركة «أبل» من شفير الإفلاس وجعلها أكبر وأكثر ازدهارا مما كانت عليه في أي وقت مضى في غضون عشر سنوات. لقد ضاعف المبيعات السنوية للشركة ثلاث مرات، وذلك بفضل سلسلة من المنتجات التي لاقت رواجا ونجاحا كبيرين، وخاصة بعد إنزال جهاز «آي بود» (iPod) إلى الأسواق في أكتوبر (تشرين الأول) 2001، الذي يعد نقطة تحول كبيرة لشركة «أبل»، فقد تحولت بفضله إلى شركة عالمية كبرى. لقد حول جوبز هذا الجهاز من أداة لتشغيل الموسيقى إلى صناعة عالمية يبلغ حجمها عدة مليارات من الدولارات. يذكر أن شركة «أبل» قد تأسست في أبريل (نيسان) عام 1976، وبمواكبة ثورة الأجهزة الشخصية انطلقت الشركة بسرعة الصاروخ واكتسبت عام 1980 شهرة واسعة في تاريخ عالم المال والأعمال. يقول جوبز: «كنت أملك أكثر من مليون دولار في الثالثة والعشرين من عمري، وأكثر من عشرة ملايين دولار في الرابعة والعشرين، وأكثر من مائة مليون دولار في الخامسة والعشرين، ولم يكن الأمر ذا أهمية بالنسبة لي، لأنني لم أقم بهذا العمل لأجل المال».

أدار جوبز شركته بواسطة مزيج فريد من المهارة الفنية العنيدة والعمليات الرائعة، فهو رجل أعمال متذوق للجمال، يمتلك براعة الإفادة من إبداعاته، وأبطاله الذين يتصف ببعض ميزاتهم، من أعظم المبتكرين والمغامرين التجاريين في الصناعة، منهم توماس إديسون صاحب ما يزيد على ألف اختراع، وإدوين لاند رجل العلم والصناعة مبتكر آلة التصوير الفورية بولارويد، وهنري فورد الذي كان يدعو إلى جعل التكنولوجيا شعبية، فجوبز الذي صنع أجهزة صغيرة سهلة الاستعمال يمكن لأي شخص إتقان استخدامها، كما أنه يضخ منتجات للسوق بالجملة من مصانع آسيوية، ويقوم بالترويج لها من خلال الوسائل الإعلانية ببراعة لا نظير لها.

استخدم جوبز مواهبه وقدراته الطبيعية لتسيير شركة «أبل» بشكل مختلف، لقد دمج تكنولوجيا متطورة مع التصاميم والعلامة التجارية والموضة، فهي مزيج فريد من التكنولوجيا والتصاميم والتسويق، وهو ينتج منتجات تعمل معا بإحكام ولا تتعطل إلا نادرا.

يقول كاهني في كتابه إن شخصية جوبز الجذابة والمحببة قد مكنته من إنتاج أفضل الوسائل للتعريف بمنتجاته: مزيج فريد من المسرح والفيلم الوثائقي الإعلاني، كما مكنته من التفاوض حول عقود ممتازة مع كثير من الشركات. إنه شخص حول ميزات شخصيته إلى فلسفة أعمال.

كما يشير كاهني إلى أنه على الصعيد الشخصي يبرع جوبز في مجالات خبراته ويفوض آخرين بالاهتمام بالمجالات الأخرى، ففي «أبل» يتمسك بالمجالات التي يبرع فيها ويجيدها: من ابتكار وتطوير ووضع تصورات لمنتجات جديدة والمساعدة على إتمامها ببراعة، كما يقوم بنفسه بتقديم عروض منتجاته للعالم، لذلك فهو يقضي أسابيع في التحضير لإلقاء خطب تحتوي على أفكار رئيسية، كما أن جوبز مفاوض بارع لديه قدرة على الإقناع، فقد عقد صفقات كبيرة مع الشركات الرئيسية المنتجة للمواد المسجلة لبيع الموسيقى والأفلام عبر الكومبيوتر.

في فصل بعنوان «روح إبتكارية، من أين يأتي الابتكار؟»، يقول كاهني إن أحد الأمور التي حققت لجوبز شهرة في الابتكار، كونه يولي في العادة خبرة المستخدم اهتماما خاصا، إذ ينتبه إلى كل جانب من جوانب خبرة الزبائن وفطرته في تعزيز خبرة استخدام منتجاته،

كما أن كثيرا من منتجات شركته تأتي من مصادر معتادة: دراسة السوق والنشاط الصناعي، والوقوف عند التكنولوجيات الجديدة وكيفية استخدامها. قال جوبز لمجلة «بيزنيس ويك» عام 2004: «النظام هو أن لا وجود لأي نظام، هذا يعني أننا لا نتبع سلسلة من العمليات في أثناء التصنيع، فـ(أبل) شركة منظمة جدا، ونتبع سلسلة عمليات رائعة تجعلنا أكثر فعالية». وأضاف: «لكن الابتكار يأتي من الأفراد الذين يلتقون في الأروقة أو يتصلون ببعضهم البعض عارضين أفكارا جديدة أو مكتشفين خطأ في طريقة التفكير بمسألة معينة. إنها لقاءات من أجل غرض محدد لستة أفراد يدعو أحدهم لعقدها ظنا منه بأنه اكتشف الأمر الجديد الأكثر تميزا ويريد معرفة رأي الآخرين بهذه الفكرة».

ويقول كاهني إن السياسة العامة لشركة «أبل» وهي جزء من عملية الابتكار، تتلخص في: «ما هي الأسواق المستهدفة وكيف يتم استهدافها؟ ومجاراة التطورات التكنولوجية وتقبل أفكار جديدة، ولا سيما من خارج الشركة، وأن يكون المرء مبتكرا ويتعلم على الدوام، ويكون مرنا ومستعدا للتخلص من مفاهيم قديمة، كما يتعلق الابتكار في الشركة إلى حد كبير باعتماد تكنولوجيات تلبي متطلبات المستخدمين، وليس محاولة إجبارهم على التكيف مع التكنولوجيا».

* «رحلة داخل عقل ستيف جوبز»

* المؤلف: ليندر كاهني

* ترجمة: حسان البستاني.

* الناشر: الدار العربية للعلوم (ناشرون) في بيروت بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم في دبي.