مارك ليفي.. أكبر كاتب فرنسي في الوقت الراهن

روائيون «شعبيون» يبيعون أكثر من روائيي فرنسا «الجادين»

TT

يتصور الكثيرون في فرنسا أن الحصول على جائزة أدبية رفيعة، من نوع «الغونكور» وما شابه، يساعد بالضرورة في زيادة كم المبيعات، لكن الأمر لا يخلو من لبس واضح. فإذا كان البعض قد استفادوا فعلا من تأثير الجائزة، فإن آخرين لم تنفعهم في كبير شيء. ولعل الأمثلة لن تعوزنا في الموضوع، لكن الشيء الذي يجب أن يأتي إلى البال هو أنه يوجد روائيون في فرنسا، يهملهم النقد الصحافي وأحيانا يحط من قيمة ما يكتبونه، لكنهم يبيعون بشكل يفوق أكبر كاتب فرنسي جدي، بمعيار النقد الصحافي والأكاديمي، أي «النقد الباريسي». يتعلق الأمر، هنا، بما يطلق عليه الرواية الشعبية. ويكفي أن الواجهات الإعلانية في المترو وفي الشوارع تمتلئ بصور رواد هذا الشكل الكتابي وصور رواياتهم. ومن يلقي إشارة خاطفة على تعامل النقد الصحافي معهم، يحس بالاحتقار الذي يلقونه، فهي «سطحية»، حينا، و«مكتوبة بقاموس من 150 كلمة، يشبه مسلسل نيران الحب (الأميركي)»، وأحيانا أخرى «مكتوبة بلغة سينمائية، وهو ما يجعل المنتجين السينمائيين يغازلونها، لأنه من السهل تحويلها سينمائيا»، وأيضا بسبب «الغياب الكامل للمفاجأة والحدة»، وغيرها من الانتقادات والمؤاخذات.

وقد اشتكى الروائي الكبير إلياس خوري، مرة، في مؤتمر للرواية انعقد في باريس، من ضآلة مبيعات الروائيين الجديين (العرب)، في مواجهة رواج روايات لكتاب وكاتبات دخلاء على المهنة، أو أنهم يستخدمون أدوات غير أدبية (من ضمنها الاستخدام المفرط للجنس، والفضائح، ليس خدمة للعمل الأدبي بل من أجل استنهاض حواس القارئ المتيقظة). وما ينطبق على الشرق العربي ينطبق على فرنسا والغرب. فإذا سألت المتخصصين في صناعة الكتاب وترويجه في فرنسا عن أكثر الكتاب الفرنسيين شهرة وبيعا لمؤلفاته، يأتي اسم مارك ليفي (الذي تربع على عرش المبيعات منذ سنة 2004 ولا يزال) وكاثرين بانكول، ثم يتبعهما غيوم موسو وأنا كافالدا.. في حين أن الكُتّاب الذين يعتز النقد الأدبي بقراءتهم باعتبارهم كُتّابا جيدين وجديين، وورثة أصيلين لكل عظماء كتاب فرنسا، والذين تمتلئ الصفحات الثقافية بقراءات لكتبهم، يأتون في أسفل قائمة المبيعات. وهو ما يطرح الكثير من الأسئلة من دون العثور على أجوبة شافية: هل الجمهور (الفرنسي) غبي إلى هذه الدرجة؟ أم أن لغة هؤلاء الكُتّاب «الجديين» صعبة؟ أم أن ثمة كيمياء خاصة بين الكاتب والقارئ استطاع الكُتّاب «الشعبيون» التقاطها واقتباس نورها؟

لعل هذه الحقيقة تعبر عن حقيقة أخرى، تتمثل في أن وراء هؤلاء الكتاب «الشعبيين» دور نشر ضخمة (داري نشر «ألبان ميشال» و«روبرت لافونت»)، وهي غير دور النشر «الجادة» و«الرصينة»، كما هو رائج، أي دور النشر التي تتقاسم الجوائز الأدبية، عموما، وهي الثلاثي: غاليمار وغراسي وسُوي.

صحيح أن مبيعات مارك ليفي، مثلا، لسنة 2010، وحدها، بلغت 1.6 مليون نسخة محققة أرباحا تقدر بـ19 مليون يورو (لا يدخل جيب الكاتب إلا 15 في المائة من عائد المبيعات)، تثير لعاب كُتّاب فرنسيين متفانين في الكتابة الأدبية، لكن هذا لا يعني عدم وجود كتّاب «جادين» تلقى كتبهم رواجا كبيرا، لكنهم قليل. فقد حققت روايات ماري ندياي وميشال ويلبيك وبيرنارد فيربير مبيعات مهمة (ويلبيك أكثر من 500 ألف نسخة). ولعل الإيطالي أمبرتو إيكو استطاع المزاوجة بين الرواية «الشعبية» و«العالمة» في آن، وروايته الجديدة «مقبرة براغ»، تحقق مبيعات ضخمة.

وإذا كان الكثير من الكُتّاب، الذين يفكرون في الحصول على إحدى الجوائز الأدبية، يصدرون كتبهم مع اقتراب الجوائز، فإن مارك ليفي، العازف عن الجوائز، والذي لا يعترف سوى بجائزة الجمهور، الذي لا يزال وفيا له منذ فترة طويلة، يصدر رواياته مع اقتراب الصيف. وهو ما يجعل رواياته تشترى ليقرأها المصطافون في الشواطئ أو الجبال. ولعل هذه الفكرة راقت لدور النشر الأخرى، التي عمدت هذه السنة إلى التبكير بالدخول الأدبي الذي يكون عادة في الخريف.

وقد ظهرت روايات جديدة لإيريك إيمانويل شميت وإيمانويل كارير ونينا بوراوي وفيليب دجيان وديدييه ديكوان ومازارين بينغو (ابنة الرئيس الراحل ميتران) إضافة إلى الأجانب هاروكي موراكامي وديفيد غروسمان وبول وأوستر وغيرهم.

إننا إزاء عطلة صيفية أدبية تختلف عن سابقاتها. والأمر سيروق بالطبع للقارئ النهم، لكن، أيضا، للماكينة الضخمة التي تمثلها صناعة الكتاب في فرنسا.