يوسف المحيميد: أحيك رواياتي كالسجاد

الروائي السعودي يفوز بجائزة أبو القاسم الشابي عن روايته «الحمام لا يطير في بريدة»

TT

مثّل فوز الروائي السعودي، يوسف المحيميد، بجائزة أبو القاسم الشابي عن روايته «الحمام لا يطير في بريدة»، تكريسا لموقعة الروائي. وكان المحيميد قد تمكن منذ سنوات بعد أن أصدر روايته «القارورة» أن يسجل حضورا في مشهد الرواية العربية الجديدة وأن يتجاوز المحلية إلى عالم أرحب، في حين استطاع أن يحقق بعض الطفرات الأسلوبية في روايتيه «نزهة الدلفين»، و«فخاح الرائحة» مما جعله صوتا متميزا.

وكانت اللجنة العليا لجائزة أبو القاسم الشابي قد منحت الجمعة الماضي في العاصمة التونسية جائزتها لعام 2011 الخاصة بفن الرواية للروائي السعودي يوسف المحيميد عن روايته «الحمام لا يطير في بريدة» الصادرة عن «المركز الثقافي العربي».

وأصدر المحيميد عددا من المجموعات القصصية، وكانت أولاها عام 1989 مجموعة «ظهيرة لا مشاة لها»، أعقبها بمجموعته «رجفة أثوابهم البيض» عام 1993، ومجموعة «لا بد أن أحدا حرك الكراسة» عام 1996، تلاها «أخي يفتش عن رامبو»، عام 2005، وفي العام الحالي 2011 تم إعادة نشر مجموعاته القصصية مجتمعة تحت عنوان «الأشجار لم تعد تسمعني» عن «الدار العربية للعلوم».

أما في مجال الرواية، فقد أصدر في عام 2000 رواية «لغط موتى»، تلتها رواية «فخاخ الرائحة» عام 2003، ثم روايته «القارورة» عام 2004، ورواية «نزهة الدلفين» عام 2006، وكانت آخر أعماله رواية «الحمام لا يطير في بريدة» التي أصدرها عام 2009، التي ترجمت إلى اللغة الإنجليزية.

وفي الوقت الذي دافع فيه الروائي يوسف المحيميد، عن جائزة أبو القاسم الشابي معتبرا أنها تمنح جوائزها وفقا لمعايير أدبية صارمة، لا محاباة فيها، فإنه شنّ هجوما عنيفا على الجوائز الثقافية العربية بشكل عام، واصفا بعضها بمراعاة حسابات ضيقة يجري تغليبها على حساب قيم الإبداع والأدب والمعرفة.

المحيميد اعتبر أن فوز روايته «الحمام لا يطير في بريدة» أتى لتميزها بالمعمار الروائي المتماسك، وتنوّع أساليب الحوار فيها، وتعدد مستويات اللغة وجرأة الطرح الروائي.

«الشرق الأوسط» التقت الروائي يوسف المحيميد، وهو يستعد لاستلام جائزة أبو القاسم الشابي، وأجرت معه الحوار التالي..

* كيف تلقيت خبر فوز روايتك «الحمام لا يطير في بريدة» بجائزة أبو القاسم الشابي التونسية؟

- طبعا أشعر بالفخر والاعتزاز بهذه الجائزة لجملة أسباب منها، أنها تحمل اسم الشاعر التونسي الخالد أبو القاسم الشابي، بالإضافة إلى عراقة هذه الجائزة وهي في دورتها الـ24 بكل ما تحمل من مصداقية ونزاهة. بالإضافة إلى شعوري الشخصي أن يجري تسجيل هذه الجائزة باسمي بعد أن «تمرّدت» علي سنوات طويلة، وهي تذهب إلى كتاب في مصر وتونس وسوريا والعراق والأردن.

* وكيف جرى ترشيحك لهذه الجائزة؟

- الترشيح لهذه الجائزة يتم بشكل شخصي من قبل الكتّاب أنفسهم، ومن قبل جهات اعتبارية، لكنني انتبهت لها في العام الماضي، مع أنني أعرفها وأعرف تاريخها الطويل، حيث إنني شعرت بضرورة أن أكون ممن يتقدّم إلى هذه الجائزة طالما أنني أصبت بنوع من القلق حينما قرأت في الصحافة العربية قبل شهرين بأن هناك تنافسا شديدا على الجائزة من كتاب ينتمون لـ14 بلدا عربيا، بالإضافة إلى مهاجرين عرب من دول أجنبية، وبلوغ أكثر من 130 رواية مستوفية للشروط. المفاجأة الجميلة جاءتني عبر اتصال من عز الدين المدني الأمين العام للجائزة.

كما عرفت من أمين عام الجائزة أن هناك مجموعة أسباب دفعت برواية «الحمام لا يطير في بريدة»، إلى أن تتصدر قائمة الفائزين بهذه الجائزة، من بينها تميزها بالمعمار الروائي المتماسك، وتنوّع أساليب الحوار فيها، وتعدد مستويات اللغة وجرأة الطرح الروائي.

* في رأيك ماذا يميز جائزة أبو القاسم الشابي عن غيرها من الجوائز العربية المشابهة؟

- أعتقد أن هذه الجائزة عريقة ومتقدمة جدا بالإضافة إلى أنها لا تخضع لأي نوع من الضغوط أو التوزانات المحلية أو الإقليمة أو الدولية، إذ يسودها تكتم شديد وبها ثلاث لجان كل لجنة لا تعرف أعضاء ونتائج حكم اللجنة الأخرى وبالتالي لا تخضع لأي نوع من المؤثرات، مما جعل هذا الفوز بها مختلفا، وهذا بخلاف ما هو عليه الحال في جائزة نجيب محفوظ، مثلا، وغيرها من الجوائز العربية الأخرى، التي تقوم على التوازنات، إذ إنها تمنح بشكل دوري للكتاب المصريين على نحو خاص، ولكتاب من البلدان العربية الأخرى عموما. وحتى بالنسبة للكتاب العرب، تمنح بشكل لا يتكرر لدولة واحدة، فمثلا إذا منحت لأديب أردني أو سوري أو يمني، مثلا، فهذا يعني أن المرة التالية لا بد أن تمنح لمبدع آخر شريطة ألا يكون أردنيا أو سوريا أو يمنيا، وهكذا دواليك، ينطبق الحال على بقية الدول العربية الأخرى، حيث لا تمنح أي أديب عربي من الدول الفائزة في مرات سابقة بهذه الجائزة، الأمر الذي يفقدها ميزة النظرة الإبداعية العميقة البحتة، بخلاف ما تتميز به الجوائز الأدبية في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، والتي يهمها في المقام الأول قيمة الإبداع وعمقه فقط، حتى لو ذهبت لمبدع واحد من بلد واحد مائة عام طالما كان ذلك المبدأ ممسكا بزمام الإبداع، إذ لا مجال للمجاملات والتوازنات التي للأسف متأصلة في المنطقة العربية.

* هناك دائما إشادة بأسلوب «الحمام لا يطير في بريدة».. بالنسبة إليك، ما هو الجديد في هذا الأسلوب؟

- تتميز هذه الرواية بتنوّع الأسلوب الحواري، ترتبط بالمرجعية الثقافية وبشخصيات الرواية، فحينما يكون الحوار بين شابين صديقين، نجده يختلف عما عليه شكل وطبيعة ومفردات اللغة والحوار بين شاب ووالدته ووالده، أو بين رجل وامرأة، إذ حتى المفردات التي يستخدمها الشاب العشريني ليست نفس المفردات التي يستخدمها شخص في عمر مختلف.

* وماذا عن المعمار الروائي فيها؟

- أعتقد أن هذا التنوع الثري بين الأجيال في الرواية والتنقل المدروس من زمن إلى آخر، دون الشعور بالملل أو النقلة المباغتة، التي لا يمكن أن يستوعبها القارئ، ذلك أنه عندما تكتب رواية فكأنك تحيك سجادة، الأمر الذي يتطلب أن تكون مدركا لأهمية الأشكال والألوان والتزاوج بينهما في هذه السجادة بما يشبه فلاش الرواية.

* وما رؤيتك لمستويات الرواية اللغوية وجرأة الطرح؟

- هناك تنقل من لغة سرد يومية بسيطة إلى لغة وصف شاعرية أحيانا، ومن لغة إلى لغة أخرى، كأن تحاول أن تؤّنث الأشياء كما في فصل عن الريشة التي تتحدث عن نفسها وعن أثرها الاجتماعي والتاريخي في البلاد.

أما فيما يتعلق بجرأة الطرح، فإن الرواية تتحدث عن مناطق ترتبط بالشأن السياسي أو الظاهرة الدينية أو العلاقات الجنسية، حيث إنها قد تبدو محظورة حدا ما لكن هذه الرواية استطاعت في نظري الولوج إليها بعمق ووعي.

* لكن ما تعتبره متميزا في رواية «الحمام لا يطير في بريدة».. أليس جزءا من قاموس الروائي وأسلوبه الذي يتجلى في مختلف أعماله؟

- أنا لا أقول ذلك، ولكن يبدو أن هذه العناصر هي التي جعلت هذه الرواية تفوز بجائزة أبو القاسم الشابي، وقد بدت فيها أكثر ظهورا وبروزا وأثرت مباشرة بشكل أجلى من غيرها، وليس ذلك مبررا وحيدا لنيل الجائزة.

أما رواياتي الأخرى وبكل بساطة فلم تدخل في جوائز أخرى باستثناء ترشيح الروائي الصومالي عز الدين فرح لرواية «فخاخ الرائحة» بنسختها الإنجليزية لجائزة «جان ميشالسكي» السويسرية، التي بلغت فيها هذه الرواية القائمة النهائية ضمن ثلاث روايات عالمية منها رواية («مشروع لاباروز»، ورواية «صانعو الطقس»، وقد ذهبت الجائزة إلى الروائي البوسني الأميركي إلكساندر هيمون، حيث كانت روايته مستحقة بالفعل للجائزة.

* كيف تنظر إلى مستقبل الرواية؟

- أعتقد أن التطور في التقنية هو مؤشر حافز لانتشار الرواية بسهولة، والحصول عليها، وبالمناسبة كنت أتحدث إلى ناشر لبناني فقال لي إنهم أسسوا دار نشر إلكترونية ويعملون على شراء حقوق المؤلفات وبالتالي يمكن الحصول على أي رواية معروضة لشراء حقوقها بمجرد ضغطة زر، وتصبح بعده الرواية في جهاز «آي فون» أو «آي باد» أو في غيرها من الأجهزة الشبيهة المتطورة المحمولة في ظرف دقائق معدودة بعيدا عن متاعب التوزيع والشحن وسلطة الرقابة.

* أليس في ذلك نهاية للكتاب الورقي، وفقدان لمتعة الألفة بين الكتاب والقارئ؟

- أنا أرى خلاف ذلك، لأن هناك إيجابيات منها إتاحة فرصة اقتناء النسخة الإلكترونية بأيسر الطرق وفي زمن وجيز ودون حظر. ولا أعتقد أن هناك سلبيات بقدر ما أن هناك أوهاما، ذلك لأننا نصنع العراقيل ونتخيل وهم متعة الورق وربما كنا نتذكر قبل عشر سنوات أننا كنا نعيش نفس الحالة مع الكتابة. ولكن للأسف كثيرون من الكتاب والمبدعين لا يستطيعون التعامل مع تقنيات العصر والكومبيوتر والإنترنت وغيرها الأمر الذي جعل الارتباط بالورق مجرد عاطفة غير مطلوبة في عصر السرعة والإنترنت و«فيس بوك» والآي باد.

* الجائزة والمتسابقون

* تأسست جائزة أبو القاسم الشابي التي تحمل اسم شاعر تونس الكبير، صاحب قصيدة «إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر» عام 1984، ومن أبرز الأسماء الأدبية التي نالت الجائزة في دوراتها الأخيرة، الروائية السورية هيفاء بيطار، والروائي العراقي علي بدر، والروائية الأردنية سميحة خريس، والشاعرة التونسية جميلة الماجري، وآخرون.

وذكر منظمو الجائزة، أن عدد الروايات التي تنافست هذا العام للحصول على الجائزة، بلغ أكثر من 130 رواية عربية تنافست على جائزة الرواية، وهو رقم قياسي مقارنة بالدورات السابقة. هذه الروايات مثلت 14 بلدا عربيا، منها مصر وتونس وسوريا والأردن والمغرب وليبيا والجزائر والسعودية وعمان والعراق وفلسطين، وروايات لعرب مقيمين في سويسرا واستراليا وبريطانيا، إضافة إلى روائيين فلسطينيين من عرب 1948.