الفلاحي: جيل الشباب الأدبي في عمان شب عن الطوق

الأديب العماني يتحدث عن تجربته الشعرية والحركة الثقافية في بلده

الأديب العماني أحمد الفلاحي
TT

يقف الأديب العماني، أحمد بن عبد الله الفلاحي، منذ نحو أربعين عاما سادنا للتراث الأدبي لسلطنة عمان، فقد عاصر بداية الحركة الثقافية والأدبية الحديثة، وعلى الرغم من كونه ينتمي لجيل الأدباء الكلاسيكيين، فإنه احتضن مختلف التجارب الشبابية التي تنوعت بتنوع التيارات الأدبية التي تموج في العالم العربي.

الكثير من الأدباء الشباب في عمان، ينظرون إلى الفلاحي على أنه يمثل أبا لتجربتهم الأدبية، إلا أنه في حديثه لـ«الشرق الأوسط» يجد أن الوصف مبالغ فيه، العام الماضي التقيت الفلاحي خلال مناسبة أدبية في عاصمة البوسنة (سراييفو)، وكان لافتا اهتمامه وإحاطته بالمنتج الثقافي الحديث في عمان، وتوجيهه الإعلام للاهتمام بمختلف الشرائح الشبابية التي تنشط أدبيا في السلطنة الخليجية.

الحوار التالي، أجرته «الشرق الأوسط» مؤخرا، مع الأديب العماني، حيث يطل من خلاله على عموم المشهد الثقافي في عمان.

يبدو أن هناك حراكا ملحوظا في المشهد الثقافي والأدبي في عمان، كيف ترصده أنت؟

- نعم، شهد المشهد الثقافي في عمان تغيرا كبيرا عن ذي قبل، وتطور في شتى الأصعدة، فقد تواترت الإصدارات الإبداعية والفكرية في مسقط وفي عواصم النشر العربية وتجدد نشاط «النادي الثقافي» من خلال جلسة «الاثنين» ومن خلال المحاضرات التي يستضاف فيها الأسماء البارزة من الداخل ومن الخارج، ومن خلال الندوات المتخصصة، وبرنامج إصدار الكتب العمانية الذي يخصصه النادي لإصدار كتب منوعة كل عام لدى كبرى مؤسسات النشر العربية، وهناك إضافة إلى هذا ندوات «مركز الدراسات العمانية» بجامعة السلطان قابوس حول مختلف الجوانب وكذلك الأنشطة المهمة التي يقوم بها «المنتدى الأدبي» ثم «الملتقى الأدبي» الذي تقيمه وزارة التراث والثقافة سنويا للمواهب الشابة كل سنة في مدينة عمانية و«مهرجان الشعر العماني» الذي يحتفي بالشعراء العمانيين شعراء الفصحى وشعراء العامية وتقدم فيه جوائز مادية للقصائد الفائزة ويكرم فيه رواد الشعر من القدامى ومن المعاصرين. بالإضافة لإصدارات وزارة «التراث» السنوية من الكتب التراثية العمانية ومن المترجمات الخاصة بعمان، ونحن بانتظار «المجمع الثقافي» و«دار الأوبرا» وهما سيحركان المشهد الثقافي ويضيفان إليه.

تبدو مقتنعا بما تحقق..؟

- رغم الخطوات الإيجابية التي تحققت، ما زلت أرى أن بإمكاننا أن ننجز ما هو أكثر وأكبر، فالحراك الثقافي في عمان ما زال أدنى مما نطمح ونبتغي وما زال أقل بكثير عن مستوى موروث عمان الضخم في مجالات الثقافة والمعرفة.

لماذا يبقى الأدب العماني حبيس حدوده؟

- أظن أننا الآن أحسن بكثير عن الأعوام السابقة فقد بدأنا نرى الكثير من الكتب العمانية تصدر في بيروت والقاهرة وغيرهما عن أمهات دور النشر العربية، وهذا ربما سيفتح المجال أمام الإبداع العماني للوصول إلى القارئ العربي وإن كان الأمر حتى الآن في طور البدايات وما زال أمام الأدب العماني فترة طويلة ليستطيع البروز والظهور ولفت الأنظار إليه فثمة معوقات وصعوبات تقف أمام ذيوعه وانتشاره مادية وإعلامية وتسويقية وأرى أن على العمانيين بذل جهد أكبر لتسويق أدبهم والدفع به للظهور في العواصم العربية كي يتمكن أشقاؤهم العرب من قراءته والتعرف عليه وأتصور أن على الجهات الرسمية لدينا السعي لذلك والقيام للمبادرة فيه.

كنت أحد المؤسسين للجمعية العمانية للكتّاب والأدباء كما ترأست الأنشطة الثقافية والفنية، فأين دور المؤسسات الثقافية في رعاية المنتج الثقافي العماني؟

- بعض هذه المؤسسات تأسست حديثا وما زالت في حالة التكون تنقصها الخبرة والتجربة وتنقصها بشكل كبير الإمكانات المادية - كجمعية الكتاب التي أشرت لها في سؤالك - وكذلك غيرها من الجهات ومع ذلك فقد أقامت جمعية الكتاب منذ إنشائها العديد من الفعاليات المهمة وتصدر سنويا عدة كتب من مؤلفات أعضائها.

إن العديد من المؤسسات الرسمية والأهلية تقوم بجهود ملحوظة تصب في خدمة الثقافة وتنشيطها وتنمية قطاعاتها المختلفة، وهذه المؤسسات كلها تؤدي للعمل الثقافي المتعدد الأوجه إنجازات طيبة لا يمكن نكرانها وإن كان الطموح ما زال أكبر بكثير من المتحقق.

كيف هي علاقتك بالجيل الجديد من الأدباء العمانيين، كنت تمثل أبّا وحاضنا لكثير من التجارب الأدبية، هل تشعر اليوم أن الجيل الجديد شبّ عن الطوق؟

- علاقتي - والحمد لله - طيبة مع شتى الأجيال، بلا استثناء، ابتداء من شيوخ الأدب التقليديين وانتهاء بأصغر جيل من حيث العمر جيل الحداثة والتجريب كلهم يقبلني وأنا استطيع التواصل مع جميعهم وإن اختلفت مشاربنا - ربما - وأذواقنا ومذاهبنا الأدبية ولا أستطيع أن أدعي لنفسي تلك الأبوة والحضانة التي تكرمت بوصفي بها.

أنا أصنف نفسي من الكلاسيكيين إن جاز لي ذلك فأنا من الجيل القديم، جيل القصيدة العمودية الموقعة والمقفاة، ومع ذلك لدي القدرة على قبول ما يسمى بقصيدة النثر، وأجد في المكان اتساعا لكل أجناس الأدب وأطيافه.

أما أن الجيل الجديد - شبّ عن الطوق - فذلك صحيح إلى أبعد الحدود فقد أسس معظمهم دربهم الجديد ومشوا فيه مجدين غير ملتفتين إلى الموانع والضوابط الموروثة، وغير آبهين بمن يفهم ومن لا يفهم، ومن يتذوق جديدهم وينسجم معه، أو من لا يستسيغه وينصرف عنه، شأنهم في ذلك شأن أقرانهم من شباب العرب في كل قاصية عربية أو دانية..

هل انقطعت الصلة بين شباب الأدب في عمان اليوم، وبين جيلكم الذي وصفته بالكلاسيكي..؟

- هناك من الشباب من يرى أن مذاهب الأدب وأساليبه تغيرت اليوم مع المتغيرات التي سادت الدنيا كلها وأنه لم يعد بالإمكان التعبير عن النفس وعن الكون إلا بهذا اللون الجديد من الكتابة.. بيد أن هناك من الجيل الجديد من لا يزال يكتب ويعبر وفق النسق القديم وإن تغيرت معه المفردة والصورة والجملة وهؤلاء في تقديري لا نستطيع القول بأنهم قلة وعلى أي حال فإن كل جيل لا بد أن - يشب عن طوق - سابقيه منذ أن قال من قال «إن أبناءكم خلقوا لغير زمانكم» فتلك هي سنة الحياة وخاصة مع هذا الانفجار المعرفي الهائل الذي ساد العالم في سنواته الأخيرة وعلينا نحن الجيل القديم أن نحتفظ لأنفسنا بذائقتنا وأن نترك لأولادنا حرية الاختيار فيما يريدون وما يكتبون ويبدعون وإن لم نهتز لمعانيه وأساليبه وإن لم ندرك مراميه ولم تتفق فنيات لغته وصوره مع ما نعهده.

لماذا لم ينعكس التطور والانفتاح في سلطنة عمان في بروز أسماء جديدة في الرواية والشعر والفنون؟

- منذ أن كتب الرائد الأستاذ عبد ا لله الطائي روايتيه «ملائكة الجبل الأخضر» و«الشراع الكبير» في أواخر الخمسينات وبداية الستينات من القرن العشرين المنصرم والكتابة الجديدة تنشط ويستمر تجددها بل وجد بعض الباحثين بدايات لهذه الكتابة تعود لما قبل ذلك بكثير إلى الثلث الأول من ذلك القرن وقد كان مشهد الثمانينات والتسعينات هو مشهد القصة القصيرة بامتياز وقد خصصت مجلة «أخبار الأدب» المصرية ملفا كاملا للقصة القصيرة العمانية احتوى على نماذج كثيرة منها، وفازت إحدى مجموعات الكاتب سليمان العمري بجائزة نجيب محفوظ.

أما مشهد الألفية الثالثة الحالية فهو مشهد الرواية العمانية التي تعاقب صدورها في كبريات دور النشر العربية، وأمست موضع التقدير والاحترام لمستوى كتابتها ومعالجاتها الناضجة والنابضة بالحياة، وقد اهتم عدد من النقاد العرب ببعض الروايات العمانية وكتبوا عنها، ومن هذه الروايات «سيدات القمر» للدكتورة جوخة الحارثية، و«بين الرمل والماء» للكاتب محمد العريمي، و«تبكي الأرض يضحك زحل» للكاتب عبد العزيز الفارسي، و«همس الجسور» للكتاب علي المعمري، و«الخشت» للكاتب محمد بن سيف الرحبي، و«ثالوث وتعويذة» للكاتبة زوينة الكلبانية، وروايات أخرى.

أما القصيدة الجديدة فدواوينها يصعب حصرها كلها، وقد تعاطى مجموعة من النقاد العرب مع بعضها وهناك أسماء معروفة لها حضورها على المستوى العربي وحتى على المستوى العالمي من الشعراء ومن النقاد والمسرحيين والمترجمين والتشكيليين والنحاتين والخطاطين الموسيقيين وبعضهم فاز بجوائز عالمية في فرنسا وأميركا ومن بين الأبرز من هؤلاء الدكتور عبد الله الحراصي والدكتور هلال الحجري والدكتور عبد المنعم الحسني والفنان محمد الصايغ والفنانة نادرة بنت محمود والفنانة الدكتور فخرية اليحيائية والدكتور خالد بن عبد الرحيم والدكتور عبد الكريم بن جواد والدكتور ماجد الحارثي وأسماء أخرى.

من خلال متابعتك وكتابتك عن الأدب العماني أين يقع هذا الأدب اليوم في سلم التطور الاجتماعي في عمان؟

- في تصوري أن الأدب في عمان أحرز تطورا ملحوظا لا أقول موازيا للحراك الاجتماعي بل سابق له ومتقدم عليه وكما أسلفت القول فإن ما نراه من مستوى السرد المتقدم يؤشر لذلك التطور ناهيك عن المسرح وعن الشعر وعن مجالات الفنون الكتابية الأخرى، فالأدب العماني يسير بخطى سريعة واثبة في شتى صنوفه المختلفة وهو يعكس حالة تطور المجتمع ومتغيراته المتسارعة، وليس صحيحا بالمرة - من وجهة نظري - أن الأدب أخفق في اللحاق بالتحولات الحاصلة في البلد ولم يستطع مواكبتها بل أراه عكس ذلك ينطلق أمام التنمية وتطور الوعي وليس بمحاذاتهما فضلا عن أن يكون خلفهما وهو قد فرض حضوره وبدأ يأخذ مكانه في سياق مسار الأدب العربي وأنا لا أجد ما يثير القلق في هذا الشأن.

ما الذي ينقص الحركة الثقافية في عمان؟

- من أبرز التحديات التي تواجهها الحركة الثقافية العمانية، ضعف الإمكانات المادية، وقصور الإعلام في التعريف بها، وإسنادها، وعدم استطاعة الهيئات الرسمية والأهلية القيام بالأدوار المنتظرة منها ماديا وتقنيا، وقلة المباني المؤهلة لاحتضان الأنشطة المختلفة، وندرة الدعم اللازم والكافي، وكما تعلمون أن الجانب المادي هو الأساس في أنشطة المسرح والسينما والفنون التشكيلية والموسيقية والكتابية، ولعل إنجاز المجمع الثقافي المنتظر وافتتاح دار الأوبرا في العام القادم وإنشاء الأبنية الموعودة لبعض الجمعيات الثقافية وقيام وسائل الإعلام بدور أكبر وتنشيط الجانب الثقافي المهمش في الأندية الرياضية وفي غيرها من المؤسسات ذات الصلة، لعله سيخفف من حجم المشكلات التي تواجه الثقافة العمانية في غدها القادم خاصة مع تنامي وعي الناس وتفتح أذهانهم للفكر والفن والأدب والإبداع.

ساهمت في تأسيس عدد من المجلات الثقافية هل ترى أن المجلات الثقافية قادرة على التعبير عن عموم المشهد أم هي صوت أصحابها؟

- حتى الآن لا توجد في عمان مجلة ثقافية لها وزن وتميز عدا مجلة «نزوى» وهي فصلية تصدر كل ثلاثة أشهر وهي تستقطب النخب من كتاب العرب ومبدعيهم، ومجلة أخرى فصلية أيضا هي «التسامح» أقرب ما تكون للطابع الأكاديمي تعنى بتقديم الفكر الديني من منظور أكثر عصرية.

ورؤيتي للمجلات الثقافية أنها نافذة مهمة لتقديم الثقافة الراقية الجادة وإن اختلفت مذاهبها ونظرتها فنحن ما زلنا نقرأ مجلة «الهلال» ومجلة «الآداب» ومجلة «العربي» ومجلة «وجهات نظر» وغيرها ولكل واحدة منهجها الخاص المختلف عن زميلتها.

احتلال العراق أخرج مارد الشعر من داخلك.. هل نحتاج إلى زلزال آخر لكي يبزغ فجر الشعر لديك..؟

- منذ طفولتي وأنا أعشق الشعر وألتذ به وقد حفظت في شبابي الكثير من الشعر من عصور مختلفة، لكنّ تجاربي المتعددة لم تقنعني بجودة مستوى ما تيسر لي. ولم أجرؤ في حياتي كلها على نشر نص واحد يمكن تصنيفه ضمن دائرة الشعر والقصيدة الوحيدة التي نشرتها هي قصيدة العراق «نفثة مصدور» وقد نشرت في عام 2003 وهي من وحي المحنة العراقية وسقوط بغداد.. وهي موزونة ومقفاة حسب نمط الشعر العربي الكلاسيكي.

القراءة كانت مفتاحك للدخول لعالم الأدب.. هل ترى أن جيل اليوم مقطوع الصلة مع عالم الكتاب؟

- كلا لا أرى ذلك مطلقا بل أرى من جيل اليوم من يكاد يلتهم الكتب التهاما ولا يستطيع مفارقة القراءة والبعد عنها ولو تأملنا هذه الألوف من العناوين التي تصدرها دور النشر كل عام من تراه يشتريها ويسعى لاقتنائها إن لم يكن ذلك هو جيل اليوم؟ وأعلم كتبا بذاتها تعاد طباعتها المرة بعد المرة..

* سيرة ذاتية

- مواليد 1949 في قرية صغيرة من قرى المنطقة الشرقية في عمان.

- أديب ومثقف ومؤسس للجمعية العمانية للكتاب والأدباء وحامل العضوية رقم 1 فيها.

- ساهم في تأسيس الصحافة العمانية المعاصرة، كما ساهم في تأسيس الحركة العمانية الثقافية الحديثة بالإضافة إلى مساهمته في قطاعات الإعلام والتربية والشباب.

- شارك في تأسيس النادي الوطني الثقافي العماني عام 1974 وكان من أفراد هيئة تحرير مجلة ذلك النادي «الثقافة الجديدة» ومن محرريها.

- عمل مديرا لتحرير مجلة «الغدير» الثقافية الشهرية العمانية منذ أول صدورها عام 1977 وحتى توقفها عام 1984، وكان أحد مؤسسيها ومحرريها وكتابها.

- عمل ما بين عام 1971 إلى عام 1981 في إذاعة سلطنة عمان، وكتب وقدم العديد من البرامج الأدبية والثقافية.

- عيّن مديرا للأنشطة الثقافية والفنية في قطاع الشباب لمدة سنتين.

- عمل لما يزيد على عشر سنوات في الملحقية الثقافية العمانية في البحرين ومصر.

- يعمل حاليا مستشارا في وزارة التربية والتعليم.

- صدر له «حول الثقافة»، و«متابعات»، و«مع الأدب العماني» عن دار «الانتشار العربي» ببيروت عام 2006 وتتضمن مجموعة مقالات في الشأن الثقافي عربيا وعمانيا. كما صدر له كتاب مقالات آخر بعنوان «متابعات».

- تم تكريمه بمجلس الدولة.

- وهو عضو بمجلس الدولة بسلطنة عمان.