خلود السبيعي لـ «الشرق الأوسط»: على المرأة أن تتخلص من العقد البيولوجية

على هامش صدور كتابها «الجسد الأنثوي وهوية الجندر»

TT

تسعى الباحثة خلود السباعي من خلال كتابها «الجسد الأنثوي وهوية الجندر» أن تؤكد على مدى ما شكله جسد المرأة كعنوان كينونتها ورأسمالها في الوجود، مما أكسبها هويتها الأنثوية، فهي موجودة «إذا كانت جميلة وذات دلال، ومحبوبة إذا كانت مطيعة، وذات حياء وحشمة، ومقدرة إذا كانت ولودا حلوبا».

لا نجد كائنا تحدد وجوده من خلال الجسد وعبر الجسد أكثر من المرأة، فكان ارتباطها بالجسد مسألة حيوية، فلا يحدد وجودها سواء على المستوى الوظيفي أو القيمي أو الجمالي إلا من خلال الجسد، ومن هنا برزت أهمية الحديث عن الجسد الأنثوي في ظل افتقار الثقافة العربية والإسلامية لمثل هذه الدراسات التي تناولت جسد المرأة.

وتؤكد الباحثة المغربية خلود السبيعي خلال دراستها الصادرة حديثا عن دار النشر «جداول»، التي شملت النساء الجبليات (القرويات) في المغرب بمنطقة «وادلاو»، أنه، وفي مختلف الثقافات والحقب التاريخية، ارتبط وجود المرأة بجسدها، الذي طالما كان شابا وجميلا متناسقا قادرا على الإنجاب وتقديم المتعة، تم الاعتراف بوجود المرأة، مستدلة الكاتبة بذلك على بعض العبارات التي تستعمل لوصف المرأة المتقدمة في السن، من بينها (الشارفة) و(العكوزة) (العجوز) و(المكمشة) (المجعدة الجلد)، الأمر الذي يدفع بالكثير من النساء الحضريات والقرويات إلى السعي إلى تغطية أجسادهن حتى لا تبرز معالم الترهل عليها، ولعدم إثارة النفور من تجاعيدهن وشعرهن الأبيض، الأمر الذي يطلعنا على أهمية الحجاب، وتعدد وظائفه التي تختلف باختلاف سن المرأة ووضعها».

وتقول السعدون إنه في مقابل هذا «التقزز» من ملامح الشيخوخة التي «تفقد» المرأة أنوثتها، يتقبل المجتمع الملامح نفسها التي تبدو على الرجل، فعوضا عن أن يتم النفور من تجاعيده، نجدها تزيده وقارا وهيبة وحنكة ونضجا، مما يصبح معه التقدم في السن بالنسبة إلى الرجل عاملا إيجابيا يبعده عن طيش الشباب ونزقه ويزيد من الإقبال عليه، مما يطلعنا على عمق اللامساواة الجندرية، التي تتعامل مع سمات التقدم بالسن.

وفي ذاته السياق، ترى الباحثة أنه بفضل انقطاع الحيض ينتقل تقييمها من «الكائن/الجسد» إلى «الكائن/العقل»، فكلما تقدمت المرأة في السن، اكتسبت بفعل ذلك مكانة وحظوة اجتماعية منحتها أدوارا وأوضاعا جديدة تفوق المكانة الاجتماعية لزوجها نفسه.

وحاولت الكاتبة القيام بمقاربة محايدة وتسليط الضوء على أمور عدة لفهمها، وبالأخص أن قضية المرأة كتب عنها الرجال دون النساء، ساعية من خلال مقاربة الجندر إلى فتح الأبواب أمام النساء أنفسهن للحديث عن واقعهن «النساء عن النساء»، كما قالت، دون الخجل في التطرق إلى مسائل حميمية، وخاصة تتعلق بالمرأة وبأسلوب علمي مع إبراز السلبيات، التي يعانين منها، ومن بينها كيف تعيش المرأة الجسد على المستوى الأخلاقي والصحي والجمالي.

وتؤكد السباعي أن المرأة، سواء في الثقافة التقليدية أو المعاصرة، بقيت مستلبة، من خلال التركيز على إبداء جمالها وأنوثتها من أجل الآخر، كما أنها تدخل صراعا مع ذاتها ومثيلاتها لنيل رضا الرجل.

وترى الباحثة في دراستها أن حل إشكالات المرأة يكمن في انطلاق النساء، وأن لا يبقين قضاياهن في يد الرجل، وذلك من خلال تعليم المرأة وإشراكها في التنمية وتأهيلها، الأمر الذي سيساعد على إعادة ثقتها بنفسها، وأن تسعى للوصول إلى مراكز القرار، لتتحول إلى شريك حقيقي في صنعه؛ ففي حال عدم مشاركة المرأة سيبقى الأمر في يد الرجل، الذي سيشرع بالتالي ويقنن ويبتكر وفقا لمصالحه وأهدافه، كما سعى عبر التاريخ.

من جهة أخرى، تطرح الباحثة في كتابها إجابات عن أسئلة مهمة، مثل: ماذا يقصد بالهوية الأنثوية؟ وما إن كانت هناك حقا خصوصيات معينة تميز الرجل والمرأة، فتمنح كلا منهما هوية متميزة؟ وما مدى صحة المقولة السائدة عن طبيعة الأنثى وطبيعة الذكر؟ وهل يمكن الحديث عن هوية أنثوية في مقابل هوية ذكورية؟

وترى الكاتبة ضرورة التمييز ما بين الجنس «والجندر»، أو النوع الاجتماعي، حتى تتضح الفوارق بين الإنشاءات الاجتماعية والثقافية من جهة، والاختلافات البيولوجية من جهة أخرى، مشيرة إلى أن هوية «الجندر» تفيد بالإنشاء الرمزي المبلور داخل كل ثقافة معينة نتيجة تصنيفها لأفرادها جنسيا. وهذه الرمزية التي تفيد بأن معرفتنا بالجنس ليست نتاج خواص جسدية فحسب، وإنما نتاج الدلالات التي نلحقها بهذه الفوارق الجنسية، وبناء على ذلك، فإن كل ثقافة تنشئ هويتها الخاصة بها من خلال توجيهها للمعطيات البيولوجية وفقا لمقتضيات التنشئة الاجتماعية، التي تعين لكل فرد ما معنى أن يكون رجلا أو امرأة، كما تجعله يحمل الأدوار والاتجاهات الخاصة بذلك، ويتعامل مع ذاته بناء على تلك المعايير.

وتؤكد الكاتبة أن الحديث عن هوية الجندر لن يصبح ممكنا إلا إذا تم التعامل مع المرأة كفاعل اجتماعي، متميز بخواص بيولوجية معينة، وأبرز ما يميزه هو اختلافه عن الرجل، دون أي نوع من التفاضل.

ودعت السباعي النساء إلى ضرورة تحرير الجسد الأنثوي، أو تحكم المرأة بجسدها وتغيير علاقتها بها كخطوة مهمة للنجاح في الحياة. والتحرير يكون من خلال إعادة امتلاكها كيانها العضوي، بمعنى أن تتمكن المرأة من إنشاء علاقتها مع ذاتها ومع العالم بشكل أكثر غنى، وأن تتخلص من العقد البيولوجية التي تلخص إدراكها لذاتها في البعد الجسدي، فتحكم على نفسها من خلال كونها بدينة أو جميلة، بالإضافة إلى إعادة النظر في بعض التوجهات نحو الجنس الأنثوي، وعلى رأسها أن تتخلص من النماذج المنمطة عن الأنوثة وتدرك ذاتها كإنسان، وتحقق ذاتها بتخصيص أوقات لنفسها والتخلص من اعتبار ذاتها كائنا خلق من أجل الآخرين.

وتحدثت المؤلفة أيضا عن مفهوم «الحشمة»، التي من وجهة نظرها تحولت إلى خلق خلل في سلوك الإنسان ليصبح مضطربا ترتفع نبضات قلبه وتحمر وجنتاه ويفقد الكلام ليصبح اضطرابا سيكولوجيا، بسببه يعجز الإنسان عن التعبير وإدراك قدراته وإمكانياته التي تضيع بسبب مفهوم الحشمة الخاطئ، الذي بات وسيلة لفقدان الذات، أكثر من كونه تأكيدا لها، مشيرة إلى أن الحشمة التي تطالب بها النساء هي الأخلاق السمحة التي تزيد الإنسان جمالا، وليس مطالبة المرأة بالسكوت والتوتر والارتباك والخوف من الآخر.

وتقول السباعي في الكتاب إن ما أثارها كثيرا هو البعد الصحي بالنسبة للمرأة. فبالنسبة للمجتمع القروي تمثل المرأة قوة عمل اقتصادية؛ إذ تعمل من شروق الشمس إلى غروبها، لذلك لا بد أن تكون بصحة جيدة، لذلك فإنها في حال مرضت سيتسبب ذلك في خسائر فادحة، مما يدفعها إلى إخفاء المرض أو العلاج في خفاء.

وهنا تشير السباعي إلى أن الأمية والفقر وعدم توفر الرعاية الصحية الحكومية، والحرج من الطبيب الرجل، كلها أسباب لعبت دورا أساسيا في حصر «القروية» في إطار البحث عن العلاج من خلال الخرافات أو المفاهيم والتقاليد الشعبية والسحر.

وترى الكاتبة أنه نظرا للقواسم الكبيرة وما تعيشه المرأة العربية على العموم في مجتمعها من تهميش وفقر وأمية، وعلى الرغم من خصوصية كل مجتمع، فإن واقع حال النساء يبقى متقاربا حاملا قواسم مشتركة متعددة.

الخوف من أزمة الهوية وإن كان موجودا لدى الحضريات في المدن، فإن الأمر يكون مضاعفا ومخيفا بالنسبة للقروية، لأنها لا تملك الإمكانيات والقدرة على المناقشة والتحليل. وترى السباعي خطورة البعد الاجتماعي والثقافي للنساء القرويات عن مثيلاتها المدنيات، الذي ينعكس في انبهارها الشديد، مما يدفعها إلى رفض كل مظاهر الحياة القروية مع احتقار كل ما هو تقليدي ومتوارث، والانكباب على كل ما هو عصراني. فبات هناك ما يسمى بتأنيث الهجرة القروية إلى المدن، التي تضاعفت أخيرا، من دون تأهيل أو تعليم، مما يدفعها في الغالب للخدمة في المنازل، والعيش وحدها، مما يجعلها أكثر عرضة للاستغلال من قبل الرجال، الأمر الذي تسبب في ارتفاع نسبة الأمهات العازبات، اللاتي معظمهن من القرويات.

في حديثها مع «الشرق الأوسط»، انتقدت السباعي عدم امتلاك المرأة لزمام نفسها، فبمجرد أن انتقد الرجل على سبيل المثال الحجاب العصري الذي ابتكرته الفتاة للتماشي مع العصر ومتغيراته حتى تراجعت وترددت، منوهة بأن المرأة حاليا عاجزة عن إقناع الآخر وإقناع ذاتها فيما يتعلق بذاتها.. إننا بتنا نسمع أصوات النساء، إلا أن ما نطلبه أن يتحدثن بشجاعة، وأن يعكسن آراءهن الحقيقية».