«جيرترود» الأميركية التي عشقها فتى من طنجة

حسن نجمي تمنى «ألا يكون كتب نصا يصيب القراء بالخيبة»

غلاف الرواية
TT

حظيت رواية «جيرترود» آخر أعمال الكاتب المغربي حسن نجمي، بترحيب لافت من طرف النقاد والمهتمين بحركة النشر في المغرب وخارجه، وهو ترحيب وجد صداه في عدد اللقاءات التي نظمت، في بعض المدن المغربية، لتقديم وتوقيع الرواية في حضور الكاتب. خلال اللقاء الذي نظمه اتحاد كتاب المغرب، بدار الثقافة بمراكش، حول الرواية، قال الناقد والكاتب عبد الجليل الأزدي: «الرواية لبنة وإضافة نوعية إلى رصيد كاتبها ورصيد الرواية المغربية والعربية» واعتبرها «تحفة حقيقية في مجال الكتابة الروائية»، فيما وصفها الناقد حسن المودن بـ«الرواية الرائعة»، وقال الناقد محمد آيت العميم إنها «رواية جميلة، كأنها كتبت دفعة واحدة». وقال أيضا: «إنها غاصة بالكبار مثل بيكاسو وأبولينير وبودلير، وشبيهة بكاتدرائية، وهي رواية بحث وتحر، كتبت بنفس شعري، وبلغة بينية، وبمتخيل مزدوج، مشحون بالكتب والانتلجنسيا في باريس، وعالم الفن التشكيلي وأسماء الفنانين في تاريخ الحركات الطليعية».

وقال الروائي عبد الكريم الجويطي إنها «رواية مهمة»، واعتبرها الشاعر ياسين عدنان «عملا قويا».

نقرأ على ظهر غلاف الرواية «جيرترود».. رواية عربية، من المغرب، تستدرج حياة الكاتبة الأميركية جيرترود ستاين (1874 - 1946) إلى لعبة سردية. فانطلاقا من زيارتها إلى طنجة عام 1912، ولقائها بشاب مغربي، وعلاقتها بماتيس، بيكاسو، هيمنغواي، فيزجرالد أناييس، وآخرين، وكذا إقامتها الباريسية الدائمة بشقتها في 27 شارع دوفلوريس، وصالونها الفني والأدبي الشهير، يندس الشاعر والكاتب حسن نجمي في متخيل خصب بالتداعيات والإحالات، حافل بمناخات الأدب والتصوير الجديدين، وببعض الأسماء الكبرى في تاريخ الحركات الطليعية في الفن الحديث. طنجة وباريس في بدايات القرن العشرين، ومدن وأمكنة أخرى، وبيكاسو وهو يرسم البورتريه التكعيبي لجيرترود، الذي أنجزه بعد 87 جلسة في عزلة محترفة، حيث استسلمت الكاتبة كموديل ليفعل بها الفنان «ما شاء»، على الأقل، كما خمن ذلك الشاب المندهش القادم من طنجة إلى باريس، الذي سلبته الأضواء والمادة الجسدية اسمه وبعض توازنه وألقت به إلى «هاوية النكران».

وخلال جلسة التقديم والقراءة، قال الناقد محمد آيت العميم، في تناوله للرواية: «قليلة هي الروايات التي تقع في حبها من النظرة الأولى، ولا تدر مصدر هذه الضربة البارودية إلا بعد توغلك في عالمها وتفاصيلها، بمعنى أن التماهي مع النص يحقق لك رغبة ما، كأن يحكي لك قصة عشتها أو كانت لك رغبة دفينة في أن تكون أحد شخوصها أو أبطالها، إذ في (الكتابة كثيرا ما تلتقي المصائر)».

وأضاف: «إن عالم الرواية تشكل من واقعة حقيقية استدرجت شابا مغربيا من طنجة عام 1912 (عام بداية الحماية) ليقع في حب الكاتبة الأميركية (جيرترود) أثناء زيارتها لطنجة برفقة صديقتها أليس طوكلاس. ومن هذه الواقعة التي حدثت بالصدفة ستنقلب حياة محمد الطنجاوي وسيفقد ذاته إلى الأبد لأنه أسلم روحه للكاتبة الأميركية، واضطر إلى السفر إليها في باريس ليعيش بالقرب منها ومن عالمها بحثا عن حب مستحيل لم يكن يعرف كنهه ولم يتمكن من الإجابة عن سر هذا التعلق الغريب، فصورة (جيرترود) كما قدمتها الرواية هي امرأة مسترجلة، بقامة قصيرة ممتلئة، فما الذي جذب إليها محمد الطنجاوي؟!».

الجميل في الرواية، أيضا، أنها تستقبل قارئها بمجموعة من الاستشهادات، نكون فيها مع بابلو بيكاسو، مثلا، متحدثا عن «جيرترود»، قائلا: «كانت (جيرترود) كائنا رائعا. كان يكفي أن تدخل إلى غرفة لكي تمتلئ الغرفة حتى ولو كانت فارغة. ولقد كانت تفهم التصوير. كما اشترت مني لوحات عندما لم يكن أحد في العالم راغبا فيها»، كما تودع الرواية قارئها ببورتريهات لأبطال الرواية، فنكون، مثلا، مع الراوي، الذي نقرأ عنه: «أما أنا، فقد غادرت مهنة الصحافة. تخلت عني جريدة كئيبة أصبحت فجأة ذات نزوع عائم وغامض، وذلك حين (فشلت) (أقصد: رفضت) في أن أصطف خلف مدير الجريدة، وهو سياسي يحب أن يصطف وراءه الجميع، وأن يقدم نفسه كزعيم مع أنه ليس سوى رجل ضمير سابق. ما زلت أكتب الشعر بشغف، وإن كنت فقدت لذة نشره. لم أعد أحب القراء».. جملة أخيرة انطلق منها الناقد والكاتب يوسف أبو علي، ليتحدث عن الحالة التي يصير إليها القارئ وهو يقلب صفحات «جيرترود»، قبل أن ينتهي، بعد 333 صفحة، إلى الجملة التي تختم الرواية، على لسان الراوي: «لم أعد أحب القراء».

أما حسن نجمي، فقال إنه لم يكن يفكر، وقت كتابة «جيرترود»، بأن يكتب رواية أفضل من الروائيين الآخرين، بل كان في صراع مع نفسه، حتى يكتب أفضل مما كتب وأن يجرب أشكالا أخرى في الكتابة، قبل أن يتابع: «ربما كتبت هذا النص الروائي كشاعر». وعن علاقة السارد «حسن» في الرواية، بالكاتب حسن نجمي، قال: «السارد حسن لا يشبه حسن نجمي (المؤلف). لا علاقة لحسن السارد بحسن المؤلف، لكن، من حق الناقد أن يؤول ما يشاء». وختم كلمته قائلا «أتمنى ألا أكون كتبت نصا يصيب النقاد والقراء بأي نوع من أنواع الخيبة».

يشار إلى أن حسن نجمي، الذي انتخب رئيسا لاتحاد كتاب المغرب مرتين (1998 - 2005)، هو شاعر وروائي وناقد ومترجم وإعلامي، أصدر مجموعة من الأعمال الأدبية، تراوحت بين الشعر والرواية والنقد والترجمة، من بينها «لك الإمارة أيتها الخزامى» (1982)، و«سقط سهوا» (1990)، و«الرياح البنية» (1993) بالاشتراك مع الفنان التشكيلي الراحل محمد القاسمي، و«حياة صغيرة» (1990) و«المستحمات» (2002)، و«أبدية صغيرة» (2002)، و«مفتاح غرناطة» (2004) بالاشتراك مع الفنان التشكيلي عبد القادر لعرج، و«على انفراد» (2006)، و«أذى كالحب» (2011)، و«الكتابة والتجربة» (1999)، و«الحجاب» (1996)، و«الكلام المباح» (1987)، و«الناس والسلطة» (1997)، و«شعرية الفضاء» (2000)، و«كتاب العبرة والوفاء» (2001)، و«شعرية الأنقاض» (2003)، و«غناء العيطة» (2007)، فضلا عن ترجمات لأعمال عدد من شعراء العالم.