«العنصرية» في الرواية السعودية

لماذا أخفق الروائيون والمثقفون السعوديون في معالجتها؟

TT

تبدو «العنصرية» كمفهوم ثقافي، وكواقع اجتماعي، كريهة وحاطة من قدر المؤمنين بها، لكنها تتغلغل في الوعي الباطني للمجتمع، وتسكن في خلجات السلوك العام، وعلى الرغم من أنها منبوذة ظاهريا، فإنها تشكل وعيا مشوها يستبطن السلوك المجتمعي، ويقسمه ويبنيه على أساس تراتبي طبقي وعنصري.

ويدعي كثير من للمثقفين والأدباء بأنهم «طلائع» متقدمة للفكر التنويري، فإن أي جهد ثقافي حقيقي لتعرية هذه الظاهرة، والتخلص منها كما غيرها من آفات المجتمع، لم يُلحظ على نحو جاد، على الرغم من محاولات قليلة قام بها أدباء، وعبرت عنها أعمال روائية وشعرية.

«الشرق الأوسط» استطلعت آراء عدد من المثقفين والنقاد السعوديين بشأن العنصرية كمفهوم، وكيف عالجتها الأعمال الأدبية، وخاصة الروائية السعودية:

* الشمري: العنصرية مكون غير ثقافي

* برأي الروائي والكاتب عبد الحفيظ الشمري، فإن العنصرية لم تصبح «ثقافة»، بل مجرد سلوك مقطوع الصلة بما يؤمن ويعتقده الناس. إن الجزء المطمئن في هذه القضية أنها ليست ثقافة، أو فكرا أو أي سلوك مفاهيمي، إنما هي نعرة تنم عن فوقية ما رخيصة وليست لها أبعاد أو جذور، إنما هي ممارسات محدودة الوجود في البيئة الجاهلة أو الطبقة المقموعة، أو التي يرتبط ولاؤها للشخص وللتكوين التراتبي العائلي، أو ما سواها من تكوينات لا تتحد في رابط الوعي ولا تنجز للفرد أو للمجتمع أي قيم؛ فهي تعمل ضد الجميع وتؤزم الخطاب الإنساني، بل تجعل منه بوقا أو شعارا مقززا لا يمت للواقع الإنساني بأي صلة.

وقال الشمري لـ«الشرق الأوسط»: «ربما تظهر بين الفينة والأخرى مثل هذه الأفكار، إلا أنها محدودة وقد تخمد في حينها، وإن سعت بعض العقول لإذكاء أوارها، إلا أنها غالبا ما باءت بالفشل».

وأشار إلى أن هذه الهجمة العنصرية ولدت من رحم «الفكر الأبيض» الذي يشعر أنه متطور وفوق الجميع حتى صاغ البعض من أفراد المجتمع الأميركي وطبقاته قبل قيام الثورة ضد العنصرية شكلا من أشكال التعالي، وهي حالة لا يمكن لنا إلا أن نصفها بأنها بعد لا أخلاقي لمنجز الخطاب الفكري، الذي قد لا توجد عند صاحبه الأمانة أو الشعور الإنساني بالمساواة والتكافؤ.

وبرأيه، ليس أدل من ذلك على نهضة التعليم وكذلك الهجمة الإلكترونية، التي فعلت كثيرا من دور الإنسان في بناء وعيه وتفاعله مع الآخر، ولم يعد للعنصرية أو التمييز الطبقي أو صراع القوى والإرادات أي دور طالما أن الوعي اليوم بات يتشكل على نحو يزحزح هذه الفرضية.

* خضري: الأدباء تجاهلوا «العنصرية»

* الباحث والروائي السعودي خالد خضري، يعتقد أن التمييز العنصري من القضايا التي أرّقت مضطجع كثير من الأدباء والكتاب العرب والعالميين، وهو الأمر الذي يتناول جوانب كثيرة، لا تقتصر على العرق، واللون، بل تتجاوزه إلى الطائفية، والمذهبية، مبينا أنها مسائل مركبة يعانيها بشكل كبير المواطن العربي على امتداد الوطن العربي عامة والخليج خاصة، حيث تتكرّس لديه هذه المفاهيم منذ نعومة أظفاره، فيعيش بهذه العقلية ولا يتمكن من التخلص منها إلا في النزر اليسير ما ينعكس سلبا في تعطيه مع الحضارة الإنسانية بشكل عام.

لكن هل تمكن الأدباء والمثقفون من التعبير عن موقفهم تجاه العنصرية؟ يقول الخضري: أعتقد أن هذا المكوّن الثقافي مغيّب تماما لدى الأدباء من الروائيين والقصاصين والشعراء، وليس له من حضور في الساحة الثقافية كمادة تعرض للأخذ والعطاء.

وعلى عكس هذه الحالة العربية، أشار خضري إلى اهتمام بهذه النزعة وفضحها في الكتابات الغربية في أوروبا وأميركا، مبينا أن هناك أعمالا أدبية كثيرة تناولت هذا الجانب على رأس هذه الأعمال من الأدب العالمي الرواية البريطانية، ماغي ماغي، في «العائلة البيضاء»، ورواية «الخنفسة المسحورة» لمادو، وهناك الكثير منها في سوق الأدب في تلك البلاد الباردة.

ويعتقد خضري أنه في ساحة الثقافة السعودية تحديدا فإن الرواية السعودية تناولت هذه الجوانب باستحياء، ولم ينبرِ لها إلا قلة من الكتاب السعوديين بشكل مكشوف وواضح، خاصة فيما يخص العنصرية والمذهبية لدى كثير من الكتاب المحليين.

وفي هذا الصدد يجد خضري في أعمال الروائي محمود تراوري الأنموذج الأمثل في تناول العنصرية تجاه العرق الأسود في روايته الأخيرة، وقبل ذلك في مجموعته الأولى «موت ديما»، مشيرا إلى أن مثل هذا الطرح يستحق أن يتناوله النقاد بالدراسة والتحليل لمثل هذه الأعمال التي تعكس حقيقة موجودة في المجتمع المحلي.

وأصدر الروائي السعودي محمود تراوري رواية «أخضر يا عود القنا»، عن دار «جداول» اللبنانية، وفيها يواصل ما بدأه في روايته الشهيرة «ميمونة»، الصادرة 2001 فيما يخص مقاربة الهوية وعلاقتها بالحراك الاجتماعي، ومساءلة التاريخ وقدرة الإنسان كفرد على إحداث تغيير اجتماعي، دون أن تستلب مقوماته الروحية.

* المليحان: لا توجد مساحة مغلقة

* ومن ناحيته، قال الأديب جبير المليحان، مؤسس شبكة القصة العربية لـ«الشرق الأوسط»: إنه يوجد كثيرون يتناولون الشأن الثقافي، منطلقين من رؤى مختلفة يختلط فيها العام بالخاص، وتنعكس على كتاباتهم بحسب رؤيتهم للحياة.

ويرى المليحان أن معظم الإنتاج الأدبي السردي في السعودية لا يتمحور حول مكان محدد بالاسم، إنما يأتي عاما دون جغرافية خاصة، مكتفيا بالموضوع البطل إلا أنه يمكن تحديد أمكنة بأسمائها في بعض الأعمال مثل «الحمام لا طير في بريده»، و«ترمي بشر»، و«بنات الرياض»، و«لا أحد في تبوك»، باعتبارها رمزا لرقعة أشمل تدل على خصوصية صفات محددة في هذه المناطق أرادها السارد.

وفي رأي المليحان، فإنه لا توجد منطقة محجوبة على الأدباء والروائيين السعوديين، مبينا أنه في الكثير من الأعمال السردية الجديدة يتم تناول ظواهر بعينها كفئات تدل على مجموع، لكشف وتعرية توجه فكري أو سلوكي، أو الوقوف ضده، أو الدعوة إليه، ضمن الصراع الموجود في المجتمع السعودي، وبالذات بين ما يسمى بالتيار الديني والليبرالي.

والعنصرية كمفهوم ثقافي، قبل أن يصبح ظاهرة اجتماعية، يمكن أن تحاصر بمزيد من الحرية، كما يشير المليحان، فـ«الحرية تحاصر الأفكار والأطروحات العنصرية والفئوية، وأهم التحديات التي تواجه مثل هذه التوجهات الضيقة، هي ما يتصل بحرية التعبير المستندة إلى قانون».