في «عكاظ».. زهير بن أبي سلمى يتمشى في الجادة والنقاد يستعرضون تجاربهم

البرنامج الثقافي يختتم فعالياته بالعديد من الندوات الأدبية والثقافية والأمسيات الشعرية

جانب من سوق عكاظ («الشرق الأوسط»)
TT

حفل البرنامج الثقافي لسوق عكاظ، الذي انتهت فعالياته، بالعديد من الندوات الأدبية والثقافية، والأمسيات الشعرية، وخيم في فضاء المهرجان الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى، الذي جال بين الجمهور يردد أشعار الحكمة وشكوى الحرب التي طحنت العرب في (داحس والغبراء).

شهد سوق عكاظ هذا العام - لأول مرة - تنظيم برنامج (عكاظ المستقبل) الذي كان يركز على مستقبل الإنسان وتقديم الأفكار الثقافية والفنية والتقنية الجديدة، واشتمل على ندوات ومعارض، كما شهد للمرة الأولى معرض (الكتاب الإلكتروني)، وتضمن البرنامج الثقافي للسوق عناوين تهتم بالإعلام وتطوير الخطاب الأدبي، وتجارب الكتاب، كان من المحاور الثقافية ندوة (الإعلام وتحديات المستقبل)، وندوة (الخطاب الأدبي في عصر المعلوماتية)، في حين صعدت مجموعة من الأدباء والنقاد لرواية تجربتهم الأدبية، بينهم الروائي السوري نبيل سليمان، والناقد المصري صلاح فضل، والناقد السعودي محمد العباس، والناقد زكريا عناني، والكاتب الأردني سليمان القوابعة.

في ندوة «شعر زهير بن أبي سلمى – قراءات نقدية»، التي شارك فيها الدكتور حسين جمعة والدكتور حسن الهويمل والدكتور صلاح عيسى، استعرض المشاركون البناء الفني والصورة الشعرية، في شعر زهير بن أبي سلمى.

الدكتور حسين جمعة اعتبر أن معلقة زهير تمثل وجها من وجوه وحدة الحياة والمعنى، أثرت فيها حرب داحس والغبراء التي كانت توجهه من بداية القصيدة إلى نهايتها. وأشار إلى أن زهيرا عندما وقف في سوق عكاظ كانت تلك الحرب قد انتهت، وجاء إلى السوق ليبلغ رسالة مفادها أن ما بين العرب من قواسم مشتركة أكثر من نقاط الاختلاف التي تفرق بينهم، داعيا إياهم إلى التوحد والابتعاد عن الحرب باعتبارها أمرا عارضا في الحياة، كما دعا إلى السلام وبشر بالفرح، وظهر ذلك واضحا في مقدمة معلقته، التي تدعو إلى البحث في الحياة من خلال مقطع يجمع بين الموت والحياة معا.

من جانبه، انتقد الدكتور حسن الهويمل المستشرقين وأضاف معهم الأديب المصري طه حسين، على «الضجة» التي أثارها من خلال كتابه عن الأدب الجاهلي، وهجومه على الشاعر زهير بن أبي سلمى، ووصفه له بأنه كان شابا يتقد حماسا وذكاء وحبا للوجاهة والعصف الفكري. واتهم الهويمل طه حسين بأنه «وجد ضالته في المناهج العلمانية واحتضنته جامعة السوربون، ولذلك تبنى الأفكار الاستشراقية».

كذلك أوضح الهويمل أن مصطلح الانتحال ظهر في العصور الأدبية الأولى وتداوله مؤرخو الأدب، مستدركا بأنهم لم يتناولوا هذا المصطلح بشكل جيد، لكن الكتاب المستشرقين تداولوه بشكل كبير، وضربوا الشعر الجاهلي وبعض قصائد الشعر الإسلامي، ومن ذلك القول إن بعض الأبيات الواردة في قصائد زهير لم تكن له، أو تم إدخالها عنوة من قبل الرواة، واعتبر أن هذا الرأي يخالف تماسك الرواية عن زهير بن أبي سلمى.

بينما تناول الدكتور فوزي عيسى الصورة الشعرية في شعر زهير، ووصفها بالصورة الفنية، مبديا إعجابه ببراعة الشعر ومفاهيم الصورة وقوة الكلمة الممزوجة بالعاطفة والتصوير الواقعي للأحداث، وتطور القصيدة من بناء وصياغة، وقال: «لا يمكن دراسة شعر زهير بمعزل عن هذا الدور، إذ كان يصنع قصيدته في حول كامل، ولذلك لا بد من استيفاء الصورة والإلمام بكل جزئيتها وتفاصيلها».

كانت هناك عروض ليلية لمسرحية زهير بن أبي سلمى، استلهمت تجربة الشاعر الذي صدح في ذات السوق قبل مئات السنين يحث العرب على وقف سفك دمائهم.

* تجارب الكتاب

* أما تجارب الكتاب، فكانت مناسبة لتواصل الأجيال الثقافية، الناقد المصري الدكتور صلاح فضل تحدث عن تجربته مع الكتابة النقدية والشعرية، وقال «إن نقد الشعر يحتاج إلى تأمل، لأنه يبدأ مع الإنسان، فكل إنسان شاعر وناقد والإنسان، لا يسمى إنسان إلا بإنسانيته وقدرته على التعبير».

وأكد أن وظيفة الشعر تكمن في تربية الوجدان الإنساني وكذلك تنمية العواطف، وصناعة الوعي والذات والآخر، إضافة إلى الاتصال بالكون والحياة والطبيعة وبالثقافة وخلاياها الحية وبالموسيقى، وكذلك حفز الخيال الأمر الذي يتمم في الإنسان إنسانيته ويشكل قدراته اللغوية والتعبيرية وحتى ذكاءه.

ويرى الدكتور فضل أنه في الستينات كانت لغة النقد ذات اللغة الغارقة في الآيديولوجيا، حيث كانت «المذهبية» مسيطرة على نقد الشعر، فهذا رومانسي وذاك واقعي والرابع حر والآخر تقليدي، مؤكدا أن ذلك يكشف أن المذهب كان هو المسيطر بامتياز لدى النقاد في النظر إلى الشعر والحكم عليه.

لكن الروائي الأردني سليمان القوابعة عرض تجربة أكثر ملامسة للواقع، منطلقا من قريته «الطفيلة» جنوب الأردن التي استقرت مضارب ترى ما يجري في فلسطين، وأشار إلى أنه كتب رواية بعنوان «جرح على الرمال» كتب بعدها عام 1976 حين تيسرت له رحلة إلى المغرب كمدرس في أغادير روايته الثانية التي كانت بعنوان «شجرة الأرقان»، مشيرا إلى أن تجربة المغرب زودته بمادة كتب خلالها رواية «الرأس على ثرى طوقان».

وفي الجزائر، ذكر القوابعة أنه حين استمع لما جرى في وهران وعدد من مناطق الجزائر وتحديدا في عام 2007 كتب روايته «حلم المسافات البعيدة»، التي قال إنه مارس فيها تقنية الرسائل الرافدة للحدث، وأضاف إلى أنه في عام 2009 قام بتصدير روايته «سفربرلك» التي عانتها شعوب المشرق وما زالت تجتر الألم كما وصف في ذاكرة الأجداد.

* العباس: النص مقر إقامتي

الناقد السعودي محمد العباس استعرض تجربته النقدية، معتبرا أن «النقد فعل حب، أطل من خلاله على الإنسان، بما هو صانع تاريخ الأفكار وراسم ظلالها الجمالية، وبالتالي فهو مصدر الأفعال والمعاني. وبموجب هذا التصور، لا أكتفي بالبحث عن المعنى في اللغة وحسب، بل أتجاوز ذلك الحيز إلى ساعات التجربة الإنسانية، حين أقارب المنتجات الفنية والأدبية. هذا هو جوهر عقيدتي النقدية، التي أراهن من خلالها على فهم واستيعاب المنتج في المقام الأول بنزعة أنسنية، والانطلاق من نقطة الوعي تلك إلى حالة من التبدل والتغير الدائم على المستوى الذاتي، المشتبك بالضرورة مع مأمولات اجتماعية أشمل».

وبالنسبة للعباس فـ«النص مقر إقامتي. فكل ما فكر فيه الإنسان وأحسه عبر التاريخ يترسب في النص. وهو بالنسبة لي ليس مجموع الكلمات والعبارات، بل الحياة ذاتها، أي كل ما له علاقة بإنتاج المعنى، على اعتبار أن الحياة تتنصص وتتشكلن في جمل وأصوات وخطوط، وبالتالي فلا حدود للنقد ما دام على صلة بالحياة التي لا حد لها، الأمر الذي يدفعني لمقاربة النصوص من خلال طاقتها الجمالية، وخزينها المعرفي، التي تمثل نقاط استحقاق النص على أرض الواقع».

يقول العباس: «تموضعي الدائم قبالة النصوص، هو ما يجعلني مهجوسا بأن تكون لي وقفة من الحياة الممثلنة في نص. وقفة شكاكة، وضعية، وغير عابئة بالميتافيزيقي، فهذه هي طبيعة النقد، المنبثق من وجهة نظر ارتيابية، ضدية، اختلافية، تعددية، متشظية، ومعادية لحس المحافظة».

ويقول: «النقد التزام فكري، ولذلك أحاول أن تتأسس ممارستي النقدية على فكرة التموضع في الفضاء الثقافي الذي يشكل بدوره ركيزة المجتمع المدني. وهذا هو بالتحديد ما يحرضني للتفتيش بين السطور، ونبش مناطق العمى في النص، حيث الخطابات المضمرة، الصادرة عن ذوات صادحة بالممكن الحياتي، المحتجة على الواقعي والمستحيل».

ويرى العباس أن: «ثمة تلازما بنيويا أزليا بين الكلمات والوجود. وعلى هذا الأساس المتأصل في وعيي، أميل إلى الخروج بالنص إلى الحياة، وليس الخروج عليه». وقال «إن نظريات النص تجعله محلا للمعرفة والجدل والمتعة والعاطفة والخيال والحلم».

ويعتبر العباس «النص النقدي، مثله مثل النص الأدبي، لا بد أن يواري بعض قوانين لعبته الإثباتية، ويحجب طريقته للبرهنة على مراداته، ولذلك أميل إلى تركيب المناهج، وتكثيف المفاهيم النقدية الكبرى في كبسولات كلامية، وسك المفردات على حافة المصطلح، وفق مزاجي الشخصي، وتحطيم قوانين الاشتقاق اللغوية مقابل ما أنحته من مفردات تشكل في نهاية المطاف معجمي الخاص، بمعنى الاتكاء على جاذبية الجملة الثقافية، التي يتناسب حضورها بشكل طردي مع منسوب اللذة بمعناها المادي والروحي، المتأتية من القراءة».

* فك الاشتباك بين الإعلام قديمه وجديده.. لكن، ما الإعلام الجديد؟

* في ندوة «الإعلام وتحديات المستقبل»، التي جمعت ثلاثة من الإعلاميين السعوديين البارزين، محمد التونسي رئيس تحرير «عكاظ»، وجميل الذيابي رئيس تحرير النسخة السعودية لصحيفة «الحياة»، والأكاديمي في جامعة الطائف الدكتور جمال الدين الشيخ زيادة، وأدارها مدير قناة «العرب» جمال خاشقجي.

هذه الندوة شهدت نقاشا مفتوحا حول حظوظ الإعلام «الجديد» ومستقبل الإعلام «التقليدي»، لكن الأهم كان التساؤل عن هوية الإعلام الجديد ولماذا يرتبط حصرا بوسائل التواصل الاجتماعي، وكان هناك من يرى أن الإعلام التقليدي يمكن أن يمثل في جانب من أدائه صورة أخرى للإعلام الجديد.

وفي ورقته، اعتبر الدكتور زيادة أن السيطرة الحكومية على التلفزيون وفق نظرية «المسؤولية الاجتماعية» ولعب الحكومات دور «حارس البوابة» انهارت بعد ظهور التلفزيون المستقل، الذي نافسها بقوة على جذب المشاهدين.

أما محمد التونسي، فانتقد الإسراف في استخدام مصطلح «الإعلام الجديد» وتعرض هذا المصطلح للخلط، مشيرا إلى أن هذا اللفظ يطلق غالبا على مواقع مثل (twitter) و(facebook) التي وصفها بأنها تمثل قمة الإعلام الجديد، لكنها ليست كل هذا الإعلام.

واعتبر التونسي أن «الإعلام الجديد» يرتكز على «التفاعلية» بين الوسيلة الإعلامية والجمهور، ونبه إلى أن هذا الإعلام لم يبدأ في السنوات الأخيرة، وإنما منذ الستينات من خلال قنوات (fm) الإذاعية الأميركية، من خلال استقبالها مداخلات جمهورها من المستمعين، وخصوصا في برامج الصباح، وانتقلت هذه التجربة إلى القنوات التلفزيونية الأميركية أيضا في الثمانينات، ومن بعدها إلى القنوات التلفزيونية في العالم.

وذكر رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» الحضور بأن الصحف الورقية الموصوفة بالإعلام «التقليدي» حرصت أيضا على متابعة ردود فعل الجمهور عبر رسائل القراء، وخصصت مساحات لعرض هذه الرسائل، مما يدرجها أيضا في خانة «الإعلام التفاعلي»، كما أشار إلى إطلاق الصحف الورقية مواقع إلكترونية، مشددا على أن «لا خيار أمام الصحف سوى التفاعلية والمواقع الإلكترونية».

ودعا التونسي إلى «تحالف» بين وسائل الإعلام التقليدي والجديد، مستشهدا في هذا الصدد بنماذج واقعية في هذا المجال طبقت في كل من بلجيكا والولايات المتحدة الأميركية وتركيا.

من جانبه، عقد جميل الذيابي، مقارنة بين الإعلامين التقليدي «الكلاسيكي» والجديد، وقال: «إن الإعلام الجديد يشغلنا جميعا بسبب الحالة التفاعلية»، مضيفا: «في هذا النوع من الإعلام شيء من الإنسان نفسه».

ولفت الذيابي إلى أن الإعلام الجديد يؤثر داخل حدود الدولة وخارجها، وهو حر لا تقيده الرقابة الثقيلة للحكومات، ولغته سهلة بسيطة وخالية من التعقيد، وكلماته قليلة، ويعتمد على وسائل تقنية خفيفة وسهلة في النقل، ولا يعاني مشكلات الطباعة التي تواجهها الصحف الورقية.