الشاعر الدنماركي نيلس هاو: عندما تصرخ الحقيقة يكون الشعراء أول من يُرمى في السجون

في ملتقى البابطين بدبي.. شعراء من القارات الخمس ينشدون ترنيمة الحب والسلام

الشاعر الدنماركي نيلس هاو يلقي قصائده في ملتقى الشعر من أجل التعايش في دبي
TT

خلال ملتقى «الشعر من أجل التعايش»، تمكنت «مؤسسة البابطين» أن تحشد عددا كبيرا من الشعراء من القارات الخمس، كان من بينهم ثلاثون شاعرا ألقوا قصائد بلغاتهم المختلفة، ورغم اختلاف اللغات فإن موج الشعر تمكن من أن يوحّد المشاعر، فبدا وكأن الشعراء على اختلاف مشاربهم وألسنتهم يتحدثون بلغة واحدة ترمز للحب والسلام.

وقد شارك في الملتقى عدد من الشعراء، جاء العراق في المقدمة، مع شعراء من مصر والأردن والكويت والسعودية وتونس والجزائر والسودان، مع زملاء لهم أجانب من الصين والهند وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية والدنمارك وأستونيا.

وجاءت مشاركة الشاعر والقاص الدنماركي نيلس هاو في الملتقى لافتة، لا سيما أنه شارك في أمسيتين شعريتين لقيتا استحسانا من الحضور. ونيلس شاعر وكاتب قصة قصيرة، من مواليد 1949، ترجمت أعماله إلى مختلف اللغات العالمية ونال الكثير من الجوائز الأدبية. وصدرت الترجمة العربية لديوانه «حين أصير أعمى» عن «الدار العربية للعلوم»، ناشرون.

وحين يلتقي هاو بأي صحافي عربي فإنه يسرد جزءا من معاناته مع اللغة الشعرية، قائلا: «ككاتب أوروبي أجد نفسي مكبلا بسلاسل الأبجدية اللاتينية، ولذا تغمرني الفرحة اليوم وقد صدر كتابي باللغة ‎ العربية»، في إشارة إلى ديوانه «حين أصير أعمى». ويقول: «شعوري وأنا أجد قصائدي مترجمة وتنشر بالعربية كشعور ذلك الذي يشرع في علاقة حب جديدة، علاقة تضمني لأسرة كبيرة بتقاليد وطقوس أخرى. فاللغة العربية تتمتع بثراء غامر وجذور تتأصل في عصور الحضارات الأولى، لغة يتحدث بها الناس في أكثر من عشرين بلدا، يتوزعون في قارتين كبيرتين، وأملي أن تجد قصائدي طريقها إلى القراء العرب بثوبها اللغوي الجديد».

ويتحدث هاو عن تأثير الشعر قائلا: «الناس لا يختلفون في أعماقهم، وما يتجذر فيّ لا يختلف عمّا يتجذر في الآخر، ونحن الاثنان نمشي على نفس الأرض ونشترك بهمومنا الوجودية، كالحب والشوق».

ويُبرز هاو جانبا مما يلتقي فيه الشعراء العرب والأجانب، حيث يقول: «‎نحن الشعراء أناس مصابون بالتفرد ولكن نتمتع بصفات البداوة كالصبر والكرم، والكثير منّا قد جرب الجوع والعطش وتغلغل في بطولات الفقر والحلم والآمال، وثبت معرفته بوجود قيم أخرى غير القيم المادية. وهناك اليوم أعداد هائلة من الناس من الذين يعيشون في المنافي، ورغم أننا جميعا نعيش عيشة ذلك البدوي المترحل نجد النقيض أمامنا، حيث تزدهر القومية والشوفينية في أرجاء هذا العالم! فنحن الشعراء نعيش في جمهورية الشعر، ويبقى الشعر وطننا رغم أن أجسادنا توجد في كوبنهاغن أو شنغهاي أو القاهرة».

ويقول: «‎الشعر ليس لمن لا يجرؤ، ومهمة الشاعر أن يراقب أصحاب السلطة وأن يسمي الأشياء بأسمائها، وعندما تصرخ الحقيقة يكون الشعراء أول من يُرمى في السجون، فهذا هو المنطق. الشعر الجميل سحر، والشعر السطحي عديم الفائدة».

في حفل الافتتاح ألقى الشاعر هاو قصيدته «نساء كوبنهاغن»، ورافقته على عزف البيانو خلالها زوجته كرستينا بيوركي.

* من قصيدة «نساء كوبنهاغن»:

ها أنا أقع في الحبّ من جديد

خمس مرّات مع خمس نساء مختلفات

وأنا في طريقي بالباص رقم أربعين

الذاهب من جادّة نيال إلى ضاحية أوستربغو

كيف يتسنّى للمرء أن يسيطر على نفسه في ظروف كهذه؟

كانت إحداهن ترتدي معطف فروٍ.. والأخرى حذاء مطّاطيا أحمر

الأولى تطالع صحيفة شعبية.. الأخرى كانت تقرأ «هايدجر»

والشوارع غارقة بالمطر

عند جادّة آما صعدت أميرة مبتلّة بالأمطار

كانت متّقدة وجامحة.. فوقعتُ في غرامها كلّيا

لكنّها ترجّلت عند ميدان البوليس

وحلّت مكانها ملكتان بحجابين كاللّهيب

ظلّتا تتحدّثان بصخب معا بالباكستانيّة

طوال الطريق المفضي إلى مستشفى البلديّة

بينما كان الباص يغلي شِعرا

كانتا أختين بذات الجمال

لذا ضاع قلبي بينهما

فخطّطت فورا لحياة جديدة

في قرية قرب راوالبندي

حيث الأطفال يكبرون

في رائحة الكركديه

بينما أمّهاتهم اليائسات يغنّين أغاني تقطع القلب

عند حلول الغسق

الذي يغطي سهول باكستان اللامتناهية

لكنهما لم ترياني!

وتلك التي في معطف الفرو بكت خلف قفّازيها

حين ترجّلت في جادّة فاريماج

الفتاة التي كانت تقرأ «هايدجر» أطبقت كتابها فجأة

وتطلّعت نحوي مباشرة بابتسامةِ ازدراء

وكأنّها لمحت نكرةً ما في ذروة انحطاطه

وهكذا انفطر قلبي

للمرّة الخامسة حين نهضتْ وغادرت الباص

مع بقية الأخريات

يا لقسوة الحياة!

واصلت مشواري إلى موقف الباص قبل أن أستسلم

وهكذا تنتهي الأمور دائما: أقف وحيدا على جانب الرصيف

أدخّن سيجارة.. منتشيا وتعيسا قليلا