جائزة يوسف المحيميد الإيطالية تثير سجالا عن تكريم المبدعين محليا

وزارة الثقافة ترى أن الاحتفاء بالمبدع خارجيا لا يعني التقصير في حقه

صورة غلاف رواية «فخاخ الرائحة» باللغة الإيطالية
TT

فتح فوز الروائي السعودي يوسف المحيميد، مؤخرا بجائزة «ألزياتور» الإيطالية للآداب عن روايته «فخاخ الرائحة»، الباب مجددا على قضية الإهمال الذي يلاقيه المبدعون السعوديون من قبل المؤسسات الثقافية المحلية، في حين يجري تكريمهم خارجيا.

الروائي المحيميد، قال لـ«الشرق الأوسط»، إنه كلما فاز كاتب سعودي بجائزة عربية أو أجنبية يكبر السؤال ذاته.. لماذا لا يجد المبدع هذا الاهتمام في وطنه؟ وتساءل: «ماذا ننتظر من الاهتمام بنا؟ جائزة محلية مثلا، أم حفل تكريم لا تجد فيه سوى خطابة وكلمات تنتهي بمجرد أن نخرج من القاعة، أم تحقيق حلم كل كاتب عربي بالتفرغ للكتابة؟».

وظهرت أعمال المحيميد القصصية في ثمانينات القرن الماضي، وترجمت روايته «فخاخ الرائحة» إلى اللغة الإنجليزية التي صدرت طبعتها الأولى عن الجامعة الأميركية بالقاهرة وصدرت طبعتها الثانية عن دار «بنغوين» تحت عنوان «ذئاب هلال القمر».

كانت بدايته الأدبية مع أول مجموعة قصصية صدرت له في عام 1989 بعنوان «ظهيرة لا مشاة لها» ومن ثم واصل المسيرة مع القصة القصيرة ونشرت له ثلاث مجموعات أخرى، ومن بعد صدرت له مجموعة ملتبسة ما بين الشعر والقصة، وفي عام 2002 شرع في كتابة الرواية، ثم صدرت له أربعة أعمال روائية.

المحيميد ليس هو الوحيد الذي وجدت أعماله الأدبية صدى أوسع خارج الحدود، فالروائي عبده خال حقق فوزا بجائزة «البوكر» العربية عن روايته «ترمي بشرر» في دورتها الثالثة 2009، ومن بعده الروائية رجاء عالم عن روايتها «طوق الحمام» لعام 2011، كما أن المحيميد نفسه نال خلال هذا العام جائزتين، الأولى جائزة «أبو القاسم الشابي» التونسية عن روايته «الحمام لا يطير في بريدة»، والثانية جائزة «ألزياتور» الإيطالية للآداب عن روايته «فخاخ الرائحة».

* وزارة الثقافة: مشروعان متكاملان

* من جانبه، قال الدكتور ناصر الحجيلان وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «المبدع السعودي جدير بأن يلقى الدعم من الجهات المعنية سواء داخل السعودية أم خارجها، وإذا كانت الجوائز الخارجية أكثر من الداخلية، فهذا راجع إلى طبيعة تلك الجوائز ذات الصبغة العالمية التي جعلت المبدع السعودي يصل إليها باقتدار. ولا أجد جدلية متعارضة بين التكريم في الداخل أو الخارج، بل إنهما مشروعان متكاملان».

ويرى الحجيلان أن كثيرا من المبدعين والعلماء والباحثين في العالم يفوزون بجوائز خارج بلادهم، لأن لكل جائزة في رأيه طبيعة خاصة تستدعي استقطاب المؤهلين لها عالميا، موضحا أن الأمر يتطلب النظر إلى الجائزة على أنها رمز للتقدير والتشجيع وتعبير عن الاحتفاء بالإبداع.

ويوضح وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، أن الوزارة بصدد الكشف عن مجموعة جوائز متميزة لكتاب العام قريبا، بجانب رعاية تكريم المثقفين والمبدعين في شتى الحقول الفنية والأدبية، مؤكدا أن هناك مشروعا لتطوير العمل الثقافي بشكل عام، مشيرا إلى أن الوزارة تسعى إلى دعم المبدعين وتقديم الجوائز والحوافز التي تشجع وتدفع بالإبداع إلى الأمام بخطى حثيثة.

* المحيميد: لم يتحقق شيء

* لكن يوسف المحيميد يرد على ذلك بقوله: «سمعنا كثيرا عن جوائز الدولة التقديرية دون أن تتحقق بعد، وسمعنا عن جوائز تشجيعية للشباب المبدعين، ولم يتحقق شيء، حتى جائزة نادي حائل للرواية ماتت قبل أن تبدأ، وكأنما الأدب غير مرغوب فيه رسميا، إلا ما يخص كتب تحقيق التراث أو اللغة العربية، أما القصة والرواية والشعر والمسرح فهي خارج الاهتمام. أشعر أنه علينا، نحن جيل الثمانينات، أن نمارس الأدوار ذاتها التي مارسها الرواد، ونتحول إلى مؤسسات لا أفراد، كي نقدم للأدب ما يستحقه من رعاية».

وأشار إلى أنه حينما فاز الروائي بهاء طاهر بالجائزة ذاتها قبل ثلاث سنوات، تتابعت المؤسسات الرسمية والأهلية في مصر بدعوته وتكريمه، رغم أنه لا يحتاج إلى ذلك، بينما استكثر زملاؤه أن تقوم وزارة الثقافة مشكورة بتكريمه مع الزميلة رجاء عالم، لكن أجمل تكريم واهتمام لقيه، كما يضيف، كان من أهله وأصدقائه في «فيس بوك».. «الذي لم يعد بيتا فحسب، بل وطنا محتملا أيضا»، ويقول المحيميد: «بكل صدق، التكريم الحقيقي للكاتب في دول العالم الثالث هو نسيانه وتركه في حال سبيله، فذلك أمر ثمين جدا».

* الشمري: بعض الجوائز عبثية

* من جانبه، حمل الروائي السعودي عبد الحفيظ الشمري الجهات المعنية بالثقافة جزءا من مسؤولية صناعة واقع جعل الكثيرين من المبدعين يهرعون إلى حيث «توجد الجوائز الخارجية التي تشبع بعض رغباتهم في تحقيق الذات»، مشيرا إلى أنه على مسؤولي الثقافة البحث بجدية في تبني مشاريع إبداعية ثقافية داخلية، من خلال تقييمهم لتجارب الجوائز المحلية، ومعرفة حدود ما وصلت إليه من عبث، في إشارة إلى جائزة حائل الأدبية التي يرى أنها سقطة من سقطات الجوائز المحلية التي أجهضت، كما يرى، بسبب تعرضها لحالة من «الشللية» تتكئ في معيارها على العلاقات الشخصية والعبثية أكثر مما تتكئ على معايير إبداعية.

ودعا الشمري المبدعين في الوقت نفسه إلى الالتفات إلى محاولة التزود من تجارب السابقين الناضجة في تكريس نوع من الجوائز الإبداعية المحلية التي تقوم على التجربة التراكمية، ولا ترتبط باسم شخص واحد أو شخصين، وذلك للمساهمة في بناء قاعدة جيدة تنطلق إلى آفاق العالم العربي والعالم من حوله، داعيا في الوقت نفسه الجهات المعنية للنأي عن تكريس الملتقيات الأدبية لبعض الأسماء المتكررة على حساب قاعدة عريضة من المبدعين.

ويضيف: «أعتقد أننا ما زلنا في بداية الطريق فيما يتعلق بالاهتمام بالجوائز العالمية أيا كان نوعها ومصدرها، ويجب ألا نلهث وراءها بل الأحرى أن نبحث عن كيفية بناء قاعدة إبداعية قوية ننطلق منها على نهج عبد الرحمن منيف وغازي القصيبي وتركي الحمد الذين أسسوا للعمل الروائي بمنهجية جمالية يمكن أن نخلق من خلالها قطبا إبداعيا جاذبا تلهث وراءه الجوائز العالمية».