دلال البارود: أحرص على حداثة المضمون والتحرر من سطوة الموروث

شاعرة كويتية شابة تدهش الحضور في مهرجان «الشعر من أجل التعايش»

دلال البارود
TT

خلال الأمسيات الشعرية في ملتقى «الشعر من أجل التعايش»، الذي أقيم مؤخرا في دبي ونظمته مؤسسة «البابطين» الكويتية، برز صوت شعري لشابة كويتية، من بين أكثر من ثلاثين شاعرا من مختلف أنحاء العالم. إنها الشاعرة دلال صالح البارود، التي تملك موهبة شعرية واضحة، رغم تجربتها الوليدة، وقاموسا لغويا ثريا.

على هامش أمسيتين شاركت فيهما في دبي، تحدثت دلال البارود لـ«الشرق الأوسط» عن تجربتها الشعرية بالقول: «تعتبر تجربتي قريبة إلى ما يسمى الكلاسيكية الحديثة. فأنا أكتب الشعر الكلاسيكي الموزون، وكذلك شعر التفعيلة. وعلى الرغم من أصالة الشكل الفني، فإنني أحرص على حداثة المضمون والتصوير والبعد عن تقليدية الأفكار».

تكتب دلال البارود قصيدة التفعيلة، وخلال الأمسية الأخيرة التي شاركت فيها في دبي لم تظهر أي اهتمام بقصيدة النثر، وحين سألناها عن سبب ابتعادها عن قصيدة النثر، قالت: «بالنسبة لقصيدة النثر لي قراءات قليلة فيها، ولكنني لم أجربها إلى الآن، لأنني لا أميل لكتابتها وربما تأتي في تجربة لاحقة، فالقصيدة تفرض شكلها، أما بالنسبة للحداثة فأنا أطلع على التجارب الشعرية الحديثة المتجسدة في محمد البغدادي وأحمد بخيت وجاسم الصحيح وعلي السبتي وحجازي ودنقل وعفيفي مطر، كما أقرأ تجارب عدد من رواد الحداثة ابتداء من نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وصولا إلى عصرنا الحالي».

والبارود تنتمي إلى جيل بدأ يتشكل في الكويت، منذ فترة ليست بالقصيرة، جيل من الشعراء الشباب الذين تضمهم ملتقيات ثقافية وأدبية، بينها «رابطة الأدباء». وحين سألنا البارود عن زملائها من الشعراء الشباب، ومدى قدرتهم على تمثيل تجربة مستقلة تميزهم عن التجارب الأدبية الكويتية السابقة، قالت: «لا بد أن تشكل التجربة الشبابية تجربة مستقلة بذاتها، فالعصر يختلف عن عصر الرواد، وكذلك فإن المرجعية الثقافية لكل شاعر تختلف عمن سواه على الرغم من وجودهم في بيئة واحدة، فإن القراءات تختلف وسعة الاطلاع كذلك».

وتحاكي تجربة دلال، تجارب شعرية جديدة لافتة لشعراء شباب بينهم ميسون السويدان، ومحمد صالح صرخوه، وناصر البريكي، وغيرهم. تقول دلال البارود: «إن عددا من الشباب الذين تجمعهم موهبة الشعر في الكويت، يجدون في رابطة الأدباء الحاضنة الأساسية، فهي منتدى المبدعين الجدد في الكويت وهي التي عرفتني إلى حاضن آخر وهو مؤسسة جائزة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري».

ولكن ماذا عن جيل الرواد الكويتيين؟ تقول: «بالنسبة لي إن كنت سأكون امتدادا لواحد من جيل الرواد فأعتقد أنني سأكون امتدادا لفهد العسكر ذلك لأننا ما زلنا نعيش ونقاوم من أجل الفكر وتمسكا بالشعر حتى نحيا».

وهي ترى أن جيلها من الشعراء، والأدباء الشباب منفتحون على المدارس الأدبية القديمة والجديدة. تقول: «بعد قراءة الشعر القديم ونتاج الشعراء بدأنا نتجه الآن إلى الشعر في الثقافات المختلفة. فبدأنا نقرأ لأعلام الشعر الروسي مثل بوشكين، وآنا أخماتوفا، ولشعراء من ثقافات أخرى أمثال سافو، وبورشيسكا، واميلي دكنسون، وجلال الدين الرومي».

لكن ما هو الهم الشعري الأساسي الذي يشغل جيل الأدباء الشباب في الكويت؟ تقول البارود: «الهم الذي يشغلنا كشعراء شباب يتلخص في تشكيل ذات شعرية مستقلة لا تشبه أحدا، والتحرر من سطوة الموروث، باستقرائه والإتيان بما هو جديد، وكذلك تقديم ما يرتقي بالمتذوق حاليا، وطرح قضايا تمس واقعنا وآلام الإنسان، كذلك في الوصول للتكثيف دون إسراف في الغموض وجعل الصورة الشعرية وسيلة لا هدفا لخدمة النص، وإعطاء النفس آفاقا للإنسان دون انغلاقه لفئة معينة».

وحين سألنا دلال البارود عن سر اختيار الشعر دون غيره من قبل كثير من الشباب، قالت: «تبلورت هذه التجربة من خلال العناية التي حظينا بها من قبل رابطة الأدباء، فهي الواجهة التي جعلتنا نلتقي ونتعرف بجيل الرواد من الشعراء والكتاب والنقاد أمثال علي السبتي، والدكتور خالد الشايجي، وحمد الحمد، ووليد المسلم، والكثير، مما ساهم في التقاء روافد التجارب والخبرات في هذا الفن تحديدا وهو الشعر. وهذه التجارب تبلورت من خلال الأمسيات المحلية التي أقامتها الرابطة أو ترشيحنا لأمسيات خارج الرابطة مما جعلنا نحتك بالجمهور ونعرف ذوقهم. كذلك من خلال المسابقات الأدبية التي تقيمها الكويت في مجال الشعر، أمثال مسابقة البابطين للإبداع الشعري، ومسابقة هيئة الشباب والرياضة، وغيرها من المؤسسات التي تقيم مثل هذه الأمسيات».

من قصيدة لدلال البارود:

اليوم أعلنت توديع الرياسات

فالنفس قد سئمت من منصب الذات

أيعجب الناس تسليمي لمملكتي!

من القيادة تسليم القيادات

غادرت عرشي لا جهلا ولا خجلا

أغرتني الذات في إشعال ثوراتي

فثورة الشعب إصلاح لدولته

وثورة النفس تفجير لنزواتي

قدمت نفسي قربانا وأمنية

إلى الذي يكتب الأنثى بآهاتي

إلى الذي يعزف الأشواق أغنية

فيخلق الشعر في رحم الخيالات

يا فارس العشق في صولات معركتي

وغانم الدر من أغوار لجاتي

* ومن قصيدة بعنوان «مستهزئا كحل»

* أنجبتني هكذا من غير ترجمة

لغزا إلى الكون لكن دونما حل

حزنا مع الناي لكن دون أغنية

سرا تلاشى بأيد قطعت حبلي

أنهكت وهنك بالأشعار مثقلة

فضاق رحمك من حملي ومن حملي

ولدتني غير أني لا أشابههم

لم أبك حينا ولم أسخط على الكل

بل جئت ضاحكة، للنور حاضنة

كم كنت مخطئة..! لم أحذ بالنسل

حبوت للنار أغواني تراقصها

حتى غدا رقصها كالحجل في رجلي

ناغيت باسمك.. حتى صرت لي لغة

فالأرض أم ألست الأرض بالأصل؟

رضعت منك أمانا لا انتهاء له

لا تفطميني، أخاف التيه في الليل

جدلت ذهنا وما جدلت لي خصلا

قد كان شعري قصيرا وقتها مثلي

ما طال إلا وقد قصرته، حذرا

كي لا يزاحم في إغرائه عقلي

هل تذكرين شجار الصيف لحظتها

عاندت أن ألبس الفستان للحفل

حزامه طالما في الخصر آلمني

كما تمنيته ثوبا بلا ذيل

وأصدقائي من الصبيان أكثرهم

ما ميزوا حينها من بينهم شكلي

وعندما صرت بالأشعار أرجمهم

أشار أقربهم مستهزئا كحلي

ربيت جسم فتاة عقلها رجل

حتى غدوت عن التصنيف في عزل

لست الفتاة التي في طرفها حور

لست الفتى صاحب البيداء والخيل

ألقيت ظلي فصار الظل معركة

قررت من بعدها سيرا بلا ظل

إلى متى توأد الأرواح داخلنا

إلى متى نسجن الإنسان في الشكل