في الشارقة مكتبة لكل بيت.. مجانا

مدير «ثقافة بلا حدود» لـ «الشرق الأوسط»: لا نفرض نمطا فكريا على الناس

شعار «ثقافة بلا حدود»
TT

تمتد مساحة الشارقة، الإمارة الخليجية التي تشكل مع شقيقات ست دولة الإمارات العربية المتحدة، في الفضاء الثقافي، أكثر مما تمتد فوق الجغرافيا، فهذه الإمارة تعتبر الثقافة، بمكوناتها المختلفة، حقلا رئيسيا للتنمية منذ ثلاثين عاما.

في عام 1981، ذكر حاكم الشارقة، الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، أن الثقافة يمكنها أن تكون عنوانا رئيسيا يعتد به للنهضة التي تشهدها البلاد، في وقت كانت تتسابق فيه أجزاء الخليج على التنمية العمرانية، مطلقا شعاره الاستراتيجي آنذاك: «كفانا من ثورة الكونكريت ولنتحول إلى بناء الثقافة». بعدها مرت الشارقة بمراحل متعددة في التنمية الثقافية، حتى اختيرت عاصمة ثقافية للوطن العربي في عام 1998 وعاصمة للثقافة الإسلامية في عام 2014.

تتوزع المؤسسات الثقافية كقصر الثقافة، والمسارح، والبنيالي، ودور الفن، والمتاحف، والمكتبات، في كل أرجاء الشارقة، ومعها يتواصل النشاط المحلي والإقليمي والدولي الذي يحول أيام وليالي الشارقة إلى موسم ثقافي متواصل.

وضمن سلسلة من المشاريع الثقافية المتعددة في الإمارة، يأتي مشروع «ثقافة بلا حدود»، فهو مشروع يرمي إلى تعزيز مفهوم القراءة والبحث عن المعرفة لدى أبناء المجتمع المحلي هناك وخاصة الأطفال. ويقوم هذا المشروع على خطة طموحة اقترحها الشيخ القاسمي وخصص لها ميزانية سخية تصل لـ150 مليون درهم، ترمي إلى تخصيص مكتبة عائلية لكل بيت في الشارقة، ضمن مساحة تستهدف 42 أسرة، وانطلق هذا المشروع في عام 2008.

ترأس الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، وهي أيضا رئيسة اللجنة المنظمة لمشروع «ثقافة بلا حدود»، ويقول راشد الكوس مدير هذا المشروع لـ«الشرق الأوسط»، إن «مبادرة (ثقافة بلا حدود) تعمق علاقة الفرد مع الكتاب والقراءة، وتحثه على سبر أغوار المعرفة، والتحليق في فضاءات الحوار الإنساني، عبر إقامة مكتبة خاصة في كل بيت إماراتي في كافة مناطق الشارقة ومدنها، تضم في جنباتها كتبا لمختلف أنواع العلوم والأدب والتاريخ ومناسبة لكافة أفراد العائلة، وتخلق المبادرة حسا وشغفا بالمعرفة واللغة العربية والعادات والقيم الأصيلة التي يتحلى بها مجتمعنا العربي».

ويضيف الكوس: «يسعى المشروع كذلك إلى ترسيخ اسم إمارة الشارقة كعاصمة للثقافة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن أهدافه تعزيز أهمية القراءة ودورها في عملية النمو الفكري لدى الأطفال بالإضافة إلى تعميق المعرفة العامة لدى جميع أفراد المجتمع المحلي لخلق مجتمع واع ومثقف».

ويتمحور هدف هذا المشروع حول نشر ثقافة القراءة بين أفراد المجتمع، انطلاقا من منازلهم ومكتبتهم الخاصة التي يتكفل المشروع بإنشائها وفق معايير دقيقة ومدروسة، ويضع القائمون على المشروع نصب أعينهم، أن يستفيد من المشروع عند نهايته نحو 42 ألف عائلة في مختلف مناطق الشارقة، كما أنه سيلعب دورا كبيرا في تطوير النمو الفكري لدى الأطفال تحديدا وأفراد المجتمع بشكل عام. وحتى الآن، غطى المشروع ما يقارب 3500 منزل أو أسرة.

ويرفض الكوس في حديثه لـ«الشرق الأوسط» القول إن مسؤولي المشروع يقدمون نمطا فكريا محددا يسوقونه للناس، ويقول: «ثقافتنا متنوعة فنحن عند الشراء نشكل لجنة لكل عنوان كالطفل والأسرة والتربية واللجنة الإسلامية ولجنة الإدارة والتنمية البشرية ولجنة الشعر والخليج والتراث، واختياراتنا متنوعة وتؤخذ بحرص شديد ولكننا لا نفرض نمطا فكريا معينا».

وحتى الآن لا توجد دراسات لحجم تأثير هذا المشروع، كما غيره من المشاريع على السكان المحليين في الشارقة، ويقول الكوس: «يتم العمل على دراسة - التأثير - فما نقوم به الآن هو مجرد زرعة ستأتي بثمارها لاحقا».

وفي حين يرى الكثير من المثقفين أن القراءة في المجتمعات العربية عموما أصبحت ترفا، وأن الكتاب غدا هامشيا، يذكر الكوس أنه يجد استجابة من العائلات والشباب خصوصا في التواصل مع هذه الكتب، ويضيف «الشباب يحبون المشروع ويطمحون في الوصول إلى الارتقاء الفكري الذي يهدف له المشروع. والعائلات معجبون بالمشروع كذلك لتنمية قدرات أطفالهم وهذا الجيل القادم». ويتم توزيع الكتب داخل طاولة، تصمم خصيصا لتتوسط مجلس العائلة داخل البيت، وهي طاولة مصممة ومصنوعة بتكلفة عالية في أوروبا لتكون سميكة وذات عمر طويل، لكن إلى أي حد سيكون محتوى هذه المكتبة أكثر جاذبية من الطاولة ذاتها، يقول الكوس: «ليس باستطاعتنا إجبار الأسر على القراءة، ولكننا نعمل على تحفيز من لا يحب القراءة بداية بوضع الكتاب في متناول يديه».

مكتبات «ثقافة بلا حدود» تحتوي على 50 كتابا باللغة العربية، بمواضيع مختلفة ومنوعة تتوخى فئات الأعمار المختلفة والخلفية التربوية والثقافية لهم، ويتوقع أن ينفذ المشروع على عدة مراحل تغطي كل إمارة الشارقة بنهاية عام 2012.

ويقول إن المشروع يشارك المدارس والجامعات والمرافق الثقافية في الشارقة، من خلال الأنشطة والفعاليات التي توزعت على كافة هذه الأماكن والتي تتزامن مع عملية توزيع المكتبات على العائلات المستهدفة، وشملت الأنشطة تعليمية وترفيهية في آن واحد، حيث يتاح لطلاب المدارس والجامعات وأفراد المجتمع المشاركة فيها، من العروض المسرحية وورش الرسم وعروض الفرق الشعبية وحملات التبرع بالكتب وعروض مسرح الدمى والقراءات الشعرية التي قدم بعضا منها شخصيات معروفة ولها وزنها الثقافي.

وتجري حاليا، كما يذكر الكوس، توسعة مشروع «ثقافة بلا حدود» بإضافة عنصر جديد هو المكتبات المتنقلة، وهي حافلات مجهزة بمكتبة متنوعة داخلها تجوب المناطق والمدارس داخل الشارقة وتقدم فعاليات تتعلق بالكتاب والقراءة.

ومشروع «مكتبة بلا حدود» هو عبارة عن مكتبة متنقلة تأتي بمبادرة من مشروع «ثقافة بلا حدود» حيث تهدف للوصول إلى كافة فئات المجتمع بمختلف أعمارهم ونشر المعرفة بكافة مجالاتها ورفع المستوى الثقافي وزيادة الوعي لدى المجتمع.

تحتوي المكتبة على مجموعة من الكتب باللغة العربية تشمل العديد من المواضيع: الدين، والفكر، والتربية والتعليم والإدارة والاقتصاد والفن والإعلام والقانون وكذلك إصدارات الشيخ سلطان القاسمي، وتم تجهيز الحافلة بجلسات خارجية مهيأة للقراء بحيث يستطيع الزائر الجلوس والاستمتاع بقراءة الكتاب في أجواء مريحة، كما تتيح الفرصة لجميع أفراد العائلة للجلوس مع أطفالهم وقراءة الكتب المفيدة.