من قتل رفيق تقي؟

أفتى لنكراني بإهدار دمه ووصفته «كيهان» بـ«سلمان رشدي أذربيجان»

رفيق تقي
TT

«لست على ما يرام، لكنني على قيد الحياة»، بهذه الكلمات وصف رفيق تقي حالته في المستشفى خلال رده على مكالمة هاتفية من أحد الذين اتصلوا به للاطمئنان على صحته. وبعد أقل من ساعة، تُوفي تقي متأثرا بجراحه الناتجة عن طعنات سددها له شخصان أثناء خروجه من منزله في باكو بأذربيجان. وكان تقي، الصحافي والكاتب الشهير، رئيسا لاتحاد كتّاب أذربيجان. كيف أخفق تقي الطبيب البالغ من العمر 61 عاما في تقدير حالته الصحية؟ أم لم يخطئ بالأساس؟ أيكون قد استخدم الفعل «على قيد الحياة» بمعناه الأكثر شمولا؟ كان تقي شخصا مجادلا مستعدا دوما للتصدي إلى الأفكار السائدة المهيمنة على المجتمع، ولهذا عمد إلى إثارة قضايا تهم الكثيرين في أذربيجان، بل وفي العالم الإسلامي، حيث يُنظر إلى المعارضة كجريمة عقوبتها السجن أو الموت. وإذا نظرنا إلى الأمر من هذه الناحية، فمن المؤكد أنه سيعيش، حيث ستبقى القضايا التي طرحها، ومنها انتهاك حقوق الإنسان وإساءة معاملة المرأة والأنظمة السياسية القمعية وغياب العدالة الاجتماعية، بعد رحيله. لقد كانت المعارضة بمثابة الهواء الذي يتنفسه ودماء الحياة التي تجري في عروقه. عندما كان طالبا كان مكروها من السلطات الشيوعية في الاتحاد السوفياتي السابق بسبب إصراره على ضرورة حصول أذربيجان على حق تقرير المصير. لذا لقبته الاستخبارات السوفياتية بـ«القومي الخطير». وأصبح بعد الاستقلال منتقدا للتحالف بين كبار رجال الأعمال والملالي العازمين على إعادة إنتاج الاستبداد باسم القومية. في تلك المرة، اعتبرت حكومة أذربيجان المستقلة الجديدة تقي «شيوعيا خطيرا». لم يعبر أي من اللقبين إلا عن نصف الحقيقة فقط، حيث لم يكن تقي قوميا ولا شيوعيا، بل شخص خطير، خطير بالنسبة إلى كل الذين يحاولون إخراس الألسنة باسم دولة الحزب الواحد أو الجمهورية القومية أو ما هو أسوأ، وهو الدين.

لا نعرف مدبر الهجوم الذي كلف تقي حياته؛ فقد نفت السفارة الإيرانية في باكو أي تورط للجمهورية الإسلامية، لكن ما نعرفه هو الفتوى التي أصدرها آية الله العظمى، الراحل محمد فاضل لنكراني، الذي كان واحدا من ستة من أقطاب مرجعية التقليد في قم في الجمهورية الإسلامية، التي دعت إلى إهدار دمه. ونعرف أيضا أن صحيفة «كيهان» اليومية التابعة للمرشد الأعلى، علي خامنئي، وصفته بـ«سلمان رشدي أذربيجان». وذكرت تلك الصحيفة، الخميس الماضي، نبأ مقتل تقي في باكو تحت عنوان «مقتل سلمان رشدي أذربيجان». والجدير بالذكر أن سلمان رشدي هو الكاتب البريطاني من أصل هندي الذي استُهدف بسبب فتوى أصدرها آية الله روح الله الخميني منذ 22 عاما. نعرف أن تقي حذر في آخر مقال له، تحت عنوان: «إيران وتهديد العولمة»، من أن تؤدي سياسات الجمهورية الإسلامية الاستفزازية، ومنها محاولات «تصدير الإرهاب» إلى الدول الأخرى إلى عواقب كارثية وخيمة على المنطقة. بحركة «فدائي الإسلام»، التي أسست في إيران في نهاية الأربعينات كنسخة شيعية من جماعة الإخوان المسلمين في مصر. انضم الخميني، الذي كان من كبار الملالي آنذاك، بعد فترة قصيرة من تأسيسها. وفي فبراير (شباط) 1946، أصدر الخميني فتوى بإهدار دم أحمد كسرافي، أحد المحامين الإيرانيين البارزين والمؤرخ المناهض للتعصب. بعد ستة أسابيع نفذ أعضاء جماعة الفدائيين الفتوى وطعنوا كسرافي في قاعة محكمة. ورأى الخميني وزملاؤه من الإرهابيين أنه إذا تم اغتيال كسرافي على أيدي أكثر من شخص، فسوف يتفرق دمه بين القبائل وينجو الجناة بفعلتهم. وتبين صحة ذلك. ويذكرنا تسديد اثنين عدة طعنات مميتة لتقي بهذا التفكير. مع ذلك فقط أتباع الخميني هم من يستطيعون تنفيذ مثل هذه العمليات.

وتعمل الشبكة التي تشبه عصابات المافيا ذات النفوذ المشبوه، التي ظهرت في باكو منذ الاستقلال، على تكميم الأفواه وإسكات الأصوات في أذربيجان. وكان إلمار حسينوف، المحرر الصحافي البارز الذي كشف قضايا فساد، صوتا من تلك الأصوات. وتم إصدار أمر اغتياله من قم لتنفذه جماعات في العاصمة الأذربيجانية. وكتب رفيق تقي: «إن فرض الدين على الناس بالقوة إهانة للدين وظلم للناس. إن واجب كل إنسان حر هو التصدي للإهانة ومقاومة الظلم». وكان هذا ما فعله تقي.