رحيل إبراهيم أصلان «مالك حزين» الرواية العربية

آخر حكايات فضل الله عثمان

إبراهيم أصلان
TT

فُجعت الأوساط الثقافية في مصر والعالم العربي مساء أمس برحيل واحد من أهم كتاب القصة والرواية، الروائي المصري إبراهيم أصلان، عن عمر يناهز 77 عاما. كان أصلان قد نُقل إلى مستشفى قصر العيني بالقاهرة منذ 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي إثر تناوله مجموعة من العقاقير المقاومة لنزلات البرد التي أثرت على القلب. وكان من المفروض أن يغادر المستشفى بعد تحسن حالته الصحية، لكن حالته تدهورت فجأة، مما أدى إلى وفاته.

كان أصلان يعاني ضعف عضلة القلب نتيجة تدخلين جراحيين في السنوات العشرين الماضية، الأول كان لتغيير بعض شرايين القلب وتم في لندن، والثاني أُجري عام 2006.

تميز أصلان في الحياة الأدبية المصرية بانزوائه النسبي وبُعده عن الأضواء؛ فأحاديثه الصحافية والإعلامية قليلة جدا، بل نادرة، تماما كندرة أعماله الإبداعية. وربما كان ذلك بسبب انشغاله بإبداعه وكتاباته، بعيدا عن الانخراط المجاني في شجارات غير ثقافية لم يكن يرى منها طائلا.

إبراهيم أصلان، ابن حي إمبابة الشعبي، هو في الأصل من مواليد محافظة الغربية عام 1935، لكن المكان الذي أثر في كتاباته، ويمكن للقارئ أن يشتم رائحته في كل جملة من كتاباته، هو منطقة إمبابة والكيت كات، التي كان يسكنها حتى وقت قريب قبل أن ينتقل إلى حي المقطم الراقي.

لم يُكمل إبراهيم أصلان تعليمه تحت ضغط الحالة الاقتصادية لأسرته؛ فلم يتعلم بانتظام أكثر من مرحلة «الكُتاب» التي كانت معروفة في ريف مصر آنذاك، ثم ترك التعليم للعمل قبل أن يعود مرة أخرى، بإرادته، ليحصل على شهادة التعليم الصناعي بعد أن تلقى تعليما مهنيا في مدرسة لتعليم فنون السجاد.

ولا بد أن يشعر القارئ، وهو يطالع كتابه الأشهر «وردية ليل»، أن كاتبه لا يمكن أن يكون إلا رجلا خبر العمل في هيئة بريد؛ فقد عمل أصلان في بداية حياته الوظيفية كـ«بوسطجي»، وهذه الفترة هي التي ألهمته هذا الكتاب، الذي ظل علامة بارزة في مسيرته الإبداعية، إلى جانب روايته اللاحقة «مالك الحزين».

ولم يتوقف أصلان بعدها عن الكتابة القصصية بتشجيع من الكاتب الكبير الراحل يحيى حقي، الذي كان أصلان قريبا منه جدا ولازمه حتى فترات حياته الأخيرة ونشر كثيرا من أعماله القصصية في مجله «المجلة» التي كان حقي يترأس تحريرها.

لم تذكر الحياة الأدبية لأصلان معارك وخلافات شديدة تُذكر؛ نظرا لهروبه من الإعلام، كما قلنا، لكنه كان طرفا في أزمة سياسية عام 2000 عقب نشر رواية «وليمة لأعشاب البحر» للكاتب السوري حيدر حيدر، التي صدرت عن هيئة قصور الثقافة المصرية عن سلسلة «آفاق عربية» التي كان يترأس تحريرها إبراهيم أصلان.

تصاعدت أزمة الرواية وقتها إثر تقارير صحافية تشير إلى احتواء الرواية على ألفاظ تحض على الكفر، وهو ما استفز التيار الديني وقتها، خاصة بعض طلبة الأزهر.. تم التحقيق وقتها مع إبراهيم أصلان، وهو ما دفعه لتقديم اعتذار عن رئاسة تحرير السلسلة. وظل بعيدا عن أروقة وزارة الثقافة حتى وقت قريب حين اختير ليترأس تحرير سلسلة «آفاق عربية» مرة أخرى حتى اعتذر مؤخرا على خلفية الترتيبات الجديدة في سلاسل هيئة قصور الثقافة المصرية.

على الرغم من قلة أعمال إبراهيم أصلان القصصية والروائية، فإنها من الأعمال التي يمكن أن تصفها، مرتاحا، بأنها تلك الأعمال التي تُطهى على نار هادئة؛ نظرا لاعتنائه التام بالتفاصيل والتأني في طرح شخوصه، وهو ما دفع وزير الثقافة المصري، الدكتور شاكر عبد الحميد، إلى القول بحق، وهو ينعى أصلان، إنه «واحد من أعمدة الرواية العربية».

قدم أصلان للحياة الأدبية عددا قليلا من الكتب، منها: «بحيرة المساء». وهي مجموعته القصصية الأولى، التي صدرت في أواخر الستينات.

وله كذلك مجموعتان قصصيتان، هما: «يوسف والرداء»، و«وردية ليل». كما صدرت له رواية «مالك الحزين»، التي حولها المخرج داود عبد السيد إلى فيلم سينمائي في مطلع التسعينات بعنوان «الكيت كات» وحقق نجاحا كبيرا وقتها، كما أن هذا الفيلم أصبح من علامات السينما المصرية في التسعينات، وله كذلك رواية «عصافير النيل».

ولأصلان كذلك ثلاثة كتب أخرى، هي: «خلوة الغلبان»، و«حكايات من فضل الله عثمان»، و«شيء من هذا القبيل»، بالإضافة إلى عمله الصحافي كمسؤول عن القسم الثقافي في مكتب جريدة «الحياة» في العاصمة المصرية.