الأسطوري والواقعي في رواية عراقية عن الاحتلال الأميركي

TT

قد لا تنتمي رواية الكاتب العراقي نزار عبد الستار «الأميركان في بيتي» الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر إلى أسلوب الأدب المقاوم بسبب اختلاف المفاهيم والتسميات في العراق ما بعد الاحتلال الأميركي، لكنها في كل الأحوال تبدو مختلفة تماما عن كل ما كتب من أعمال أدبية طوال السنوات الثماني الماضية. فهي تجمع بين الماضي والحاضر وبين الأسطوري والواقعي من خلال سرد قصة صحافي عراقي «جلال» يعمل مع منظمة سرية عريقة اسمها الدومنيكوس ويحاول في الوقت نفسه المحافظة على قلادة تاريخية تعود إلى الملكة شمشو زوجة آشور بانيبال مودعة عنده وتسعى جهات مجهولة بدعم من ضابط أميركي كبير للحصول على هذه القلادة على فرضية أنها تعود للنبي الإسرائيلي ناحوم. الرواية وإن كانت تعتمد أسلوب السرد البوليسي للأحداث فإنها حاولت الحفاظ على قدر عال من التكنيك الروائي عبر جمل وعبارات ذات كثافة لغوية وأسلوبية. ففي الثيمة الرئيسية نجد جلال يقوم بتفويض من رئيس الدومينكوس بمحافظة نينوى شمالي العراق حيث تقع أحداث الرواية وذلك بالمحافظة على معالم ثقافية في مدينة الموصل مهددة بالاندثار مثل قصر «بني» التاريخي الذي يعمل جلال على تحويله إلى بيت للموسيقى والفنون، وكذلك يعمل على استعادة مخطوطات كان الجيش الأميركي قد استولى عليها بحجة صيانتها. ويقوم جلال أيضا بالمحافظة على مكتبات شارع الدواسة وسينما الأندلس إلا أن أعماله تواجه بالعنف من قبل جهات مجهولة مما يصعد المواجهة بين الطرفين. ووسط هذا النسيج تبرز شخصية نسائية مثيرة هي مناسك الصحافية التي تنذر نفسها لأحلام جلال وتطلعاته الداعية إلى الإصلاح وترتبط معه بقصة حب. وفي التفاتة رومانسية من جلال يقوم بإيداع القلادة عند مناسك التي ترتديها مستشعرة قوتها الإيحائية. وتنتهي الرواية بالظهور العلني لأعضاء المنظمة في ما يشبه الثورة حيث يتحرك الجميع للمحافظة على المكتبات وسينما الأندلس وقصر بني التاريخي. أن أهم ما تمتاز به رواية «الأميركان في بيتي» هي أنها خلت من عنصر الأدلجة الذي طبع معظم الأعمال الأدبية الفنية التي كتبت بعد الاحتلال الأميركي، إذ إنها سعت أن تختط طريقا مختلفا من خلال عمل فني متكامل استند فيه الكاتب على ثيمة أساسية وهي أن الأميركان قاموا فعلا في فترة من فترات وجودهم في مدينة الموصل بأن يحتلوا بيته ويعبثوا باثاثه ومكتبته وأغراضه الخاصة رغم أنه تمكن من عقد صداقة مع بعضهم. لكنها مع ذلك تثير قضية الصراع بين حضارتين.. حضارة المحتل الأميركي التي لا ماضي لها وتفتقر إلى الكثير من الأصول وذلك من خلال كيفية تعاملهم مع بيت بطل الرواية الذي هو كناية عن العراق. فالكاتب سعى من خلال أحداث هذه الراوية أن يحاكم المحتلين بما يكتنزه من ارث تاريخي أرادوا السيطرة عليه بحيث تحولت عملية مداهماتهم المستمرة لبيته إلى محاكمة حضارية لأسلوبهم الهمجي والخالي من الذوق. مؤلف الرواية نزار عبد الستار أبلغ «الشرق الأوسط» أنه «يشعر بالفخر والارتياح معا بالفخر لأنه سعى من خلال عمل روائي إلى محاكمة الاحتلال الأميركي ليس من خلال وقائع الحاضر وما جرى وإنما من خلال أحداث الماضي بما تمتلكه من رمزية عالية وارتباط مصيري بالحاضر والمستقبل» مشيرا إلى أن «قلادة الملكة شمشو زوجة أشور بانيبال أصبحت هي الأساس في الرواية وليس مجرد مداهمة أو احتلال البيت» أما كونه يشعر بالارتياح فلأن «الأميركان رحلوا فعلا من بلادنا رغم كل ما أحدثوه من دمار وتخريب ولكننا حافظنا على إرثنا التاريخي بكامل رمزيته وخلوده».