من بغداد إلى لندن.. وبالعكس

القشطيني في حكاياته الجديدة

غلاف المجموعة
TT

في مجموعته الجديدة «بغداد على نهر التيمس» Arabian Tales – Baghdad on Thames من منشورات دار «كوارتيت» بلندن، ينقل خالد القشطيني قراءه من بغداد إلى لندن وبالعكس، ويغنيهم أثناء ذلك بروعة الأسلوب والتفاصيل المشتقة من معرفته الخاصة بحياة وسكان كلتا المدينتين. وأتصور أن قراءه من عرب وإنجليز سيشعرون بنفس النور الدافئ المنطلق من وصفه للأماكن والأسماء والعادات لكلتا المدينتين.

في وصف الهجوم الإسرائيلي الوحشي على قرية الكرامة وجدت نفسي في نفس تلك السيدة الإنجليزية التي أغمي عليها عندما لقي كلب حتفه المؤلم. تتحول في النهاية إلى نصير متحمس للقضية الفلسطينية بسبب معاناة الكلاب تحت الحكم الإسرائيلي. تتفجر السياسة أكثر من مرة في أمور ثانوية كهذه، كشيء يعني المواطن العادي. وكذلك شعرت نفسي مثلا في دعاء أم لطفي أن يمن الله على زوجها بالصحة ويعيد إليه ما فقده من أعضاء في الموقف السياسي الذي جاء ذكره كمجرد شيء عرضي عابر. يحيط الكاتب بعواطف قوية كل شخصية من شخصياته، سواء كان ذلك الشحاذ الذي ينادي «صدقة لله!» سواء كان صادقا أو مدعيا، أو رجلا ضحى برجله في حرب فلسطين أو رجل أعمال شيوعيا ماكرا يكسب ثروة وأوسمة من الزواج بأرامل الحرب وتطليقهن، وبالتالي يؤيد الحرب أينما كانت. وفي كل حالة ينزع المؤلف قميص النبل الكاذب ويضع مكانه ثوب الإنسان البسيط الحقيقي.

مضيت في قراءة هذه الحكايات بنوبات من الضحك أثارت عواطفي أيضا، مبهورة طوال ذلك ببلاغة الأسلوب وبراعة الكاتب. وكان توقيت الكلمات ولوذعية القفشات شيئا مدهشا حقا. شعرت مرارا بأن طبقات من الأفكار تتوالى فيما بينها بسلاسة في ذهني وأنا أستغرق بالضحك فتفوتني الفحوى. أحسست بأن هذا الجوكر، المنكت أو المؤلف يلعب بي باستمرار وبمعتقداتي ومواقفي وهو يلقي كلماته وعباراته عفويا كقوله: «شنو يعني الزوجة بين الأصدقاء؟» يرمي في وجهك بهذه العبارة مدركا حق الإدراك مدى وقعها الغريزي على النساء القارئات، ولكن مع الحرص دون شك على مشاعر إخوانه العرب فيما كان عباس وأحمد يواصلان مشروعهما في زواج وطلاق الأرامل. ويستسخف القاضي بدفاع المحامي، باعتباره «قطعة أخرى من الشعر والبلاغة العربية العقيمة»، كما يقول في رفض دفاعه عن الشحاذين الثلاثة المقعدين. وكان تدفق كلمات المؤلف بالسرعة والذكاء كافيا لاكتساح شخصياته وقرائه على حد سواء وتطهيرهم من أوهامهم وتصوراتهم بعظمتهم الواهية.

* أرابيلا لوسن باحثة

في الأدب الإنجليزي. أكسفورد