الدخول الأدبي الفرنسي الجديد 2012

هيمنة الثقافة السياسية واستثمار جرائم أخلاقية

رجيس جوفريه
TT

غطت الأزمة الخانقة التي تضرب فرنسا وغيرها من بلاد الاتحاد الأوروبي والانشغال السياسي المحموم مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية، على الشأن الثقافي، فحلت في غير ما مكان الثقافة السياسية على الثقافة. وسيستمر الأمر بضعة أشهر، حتى تضع الانتخابات الفرنسية أوزارها فيستريح الفرنسيون خمس سنوات أخر.

ولكن الثقافة لم تتوقف، رغم الأزمة ورغم الحراك السياسي، فحمل لنا الدخول الأدبي الجديد 2012 نبأ صدور 480 رواية جديدة (311 رواية فرنسية و169 رواية أجنبية)، أي أقل من العام الماضي بنسبة 5 في المائة، تقريبا.

وقد أصدر الروائي باتريك رامبو جزءا جديدا من «حكم نيكولا الأول»، وهو كتاب تخيل سياسي يتطرق لحقبة ساركوزي، وقد جاء مترافقا مع دخول الرئيس ساركوزي في سنته الخامسة من ولايته الرئاسية الأولى، وهو كتاب هجائي عنيف، لا يهادن، ولا يفوت أي حدث كبير يصنعه ساركوزي إلا ويسلط عليه سهام النقد. وقد استمتع القراء الفرنسيون في الجزء السابق (الرابع) بمقاطع طويلة من زيارة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي إلى فرنسا وشروطه التي استجاب لها ساركوزي طمعا في صفقات اقتصادية سال لها لعابه. وكانت النتيجة مخيبة للآمال، وأسهمت ربما، في الحقد الذي أبداه ساركوزي ضد القذافي وتصميمه على قلب نظامه. ولا يخفي الكاتب الفرنسي سخريته من الرئيس الفرنسي ومن نزوعه التسلطي (الإمبراطوري).

ولعل ريجيس جوفري Regis Jauffret، مع روايته «كلوستريا» Claustria، يبقى هو صانع الحدث الأهم في هذا الدخول الجديد. وقد استنجد الروائي بأحداث حقيقية وقعت في النمسا. وتتعلق بقضية جوزيف فريتزل، الرجل الوحش الذي حبس ابنته واغتصبها خلال 24 سنة، وأنجبت منه كثيرا من الأبناء. وقد شغلت هذه القضية الرأي العام النمساوي والأوروبي. وهي ليست الأولى في أوروبا، ولكن الغرابة في الأمر هي أنه لم يفطن أحد من الجيران لصرخات استغاثتها الطويلة. وقد اشتغل الروائي ريجيس جوفري كثيرا على موضوعه الروائي، وعززه بلقاءات مع رجال شرطة ومع خبراء نفسانيين. وتجدر الإشارة إلى أن الأمر ليس غريبا في الرواية الفرنسية، فقد جربه كثيرون من قبله، استثمروا قضايا عامة وجرائم شغلت الرأي العام، وحاولوا من خلال روايتهم استنطاق هذه الشخصيات غير العادية، ومحاولة فهم نفسياتها.

وعاد الكثيرون من الروائيين المعروفين إلى سوق الأدب، ونذكر منهم فرانسوا فييرغانس، (غونكور 2004) وجيل لوروا، (غونكور 2007) وفرانز أوليفيي غيسبيرت ودانييل بيناك، وغيرهم بروايات جديدة، في هذه المرحلة، لأن الجوائز الأدبية (أهم الجوائز الأدبية الفرنسية تكون في دخول الخريف) لم تعد تعنيهم بقدر ما يعنيهم التواصل مع قرائهم الأوفياء.