سيدي ولد أمجاد: «الجنادرية» خيمة ثقافية تجسد رؤية مستنيرة

الشاعر الموريتاني: الثقافة العربية قادرة على ردم الهوة التي أحدثها الخطاب السياسي العربي

الشاعر الموريتاني
TT

كيف ينظر شاعر ومثقف عربي لمهرجان الجنادرية الذي تحتضنه العاصمة السعودية كل عام؟، وكيف يقيم الدور الذي تلعبه الفعاليات الثقافية التي يحفل بها المهرجان، وخاصة هذا العام الذي يموج بالتحولات الكبيرة التي يشهدها العالم العربي؟

يقول الشاعر الموريتاني سيدي ولد أمجاد، عضو اتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيين، وأول رئيس لنادي الشنقيط الأدبي هناك، إن الجنادرية أصبحت تمثل خيمة ثقافية عربية «تتجسد فيها رؤية سعودية مستنيرة، تحافظ على الأصالة والتراث كذاكرة حية للأجيال».

«الشرق الأوسط» التقت الشاعر الموريتاني سيدي ولد أمجاد، خلال مشاركته في فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية 27) في العاصمة السعودية الرياض، وأجرت الحوار التالي معه:

* شاركت في مهرجان «الجنادية 27»، فكيف تنظر لدوره الثقافي؟

- أعتقد أن من أكثر القيم التي اتفق حولها ضيوف «الجنادرية 27» في تجمعاتهم الفكرية والثقافية، أن هذه المظاهرة الثقافية السنوية أصبحت تشكل خيمة كبيرة لكل المثقفين العرب من المحيط إلى الخليج، تتجسد فيها رؤية سعودية مستنيرة، تحافظ على الأصالة والتراث كذاكرة حية للأجيال.

والآن بعد 27 عاما من انطلاق مهرجان الجنادرية؛ يمكنني القول إن مهرجان الجنادرية استطاع أن يفتح نافذة مشرعة على الحوار والتواصل الثقافي مع الآخر، من خلال التفاعل المستمر مع أهم القضايا والمستجدات الثقافية والسياسية والإعلامية على مختلف الصعد.

* هل يمكن للثقافة أن تصنع جسرا بين العرب؟ لقد ساهم المثقفون كما السياسيون في تشتيت شملهم؟

- هذا سؤال جوهري ومهم، لأنه يمس الثقافة العربية باعتبارها الرصيد المدخر للتقارب العربي المشترك، ولأن ما يوحدنا في مجال الثقافة والتراث أكثر ما يفارقنا في مجال الصناعات السياسية التي تقوم على التخندق والمصالح اللحظية وتباعد المسافات بين المشرقين والمغربين العربيين، ولكن عندما نتحدث عن الثوابت الثقافية والتاريخية المشتركة فنحن أمام محطات مستنيرة في إمكانها أن تشكل رؤية مستقبلية أفضل لاستشراف مدارات الزمن المقبل.

ولذلك مثل هذه المهرجانات الثقافية العربية، التي هي نوع من الدبلوماسية الثقافية، إن صح التعبير، يعول عليها في ردم الهوة والفجوة التي أحدثها الخطاب السياسي العربي المتناقض هنا أو هناك، ومن خلال ما يقوم به مثل هذا المهرجان على صناعة تجمع ثقافي كبير، يستطيع من خلاله أن يناقش الوضع العربي من خلال رؤية المثقفين والمفكرين والتي تخلص إلى توصيات خالية من الغرض السياسي وقادرة في نفس الوقت على خياطة الثقوب التي يصنعها الشحن والحقن السياسي، وبالتالي يتأذى منها الجسد العربي وتسبب له شروخا في الحضور الثقافي والذي ينتهي بصناعة واقع جديد من التخلف.

ولذلك أقول إن مثل هذا التجمع الثقافي لهو قادر أن يبلور رؤية موحدة للمشهد الثقافي يسندها التراكم الثقافي، وسيساهم بشكل مباشر في توحيد وجدان الشعوب العربية وتقريبها من بعضها البعض، والتفافها حول قضاياها الكبرى.

* أمام هذا الحراك الذي تموج به الساحات العربية، ماذا بإمكان الثقافة أن تفعل؟

- أنا أؤمن بأن الثقافة العربية اليوم، كما أنني مطمئن مستقبلا، بأنها قادرة على التواصل مع الأجيال، وفي إمكانها أن تساهم في تحقيق حضور أفضل للعرب على المستوى العالمي، ذلك لأن هناك حركة دائبة ومتزايدة لصناعة الكتاب وحركة النشر في البلاد العربية.

وهناك دور ملموس لحركية الفكر العربي والثقافة، وأعتقد أن المشهد الثقافي يتميز بحيوية وإنتاجية إبداعية في كثير من البلاد العربية، خاصة في موريتانيا، حيث إننا ندخر كما هائلا من المخطوطات وحركية التراث والفكر والشعر والمدارس الأهلية المحلية المسماة بالمحاضر والتي أسست لثقافة عالية في بلادنا، شهد بها القاصي والداني.

وهذا بدا جليا، عندما ساهمت موريتانيا والشناقطة بالتحديد تعميق الثقافة العربية في أفريقيا وفي مناطق كثيرة ووصلت هذه الشهادة حتى الجزيرة العربية ومنطقة غرب أفريقيا.

* ولكن كيف يمكن بناء أرضية ثقافية مشتركة للشعوب العربية؟

- هذا أمر مهم جدا ولا بد السعي لتحقيقه، ولكن ذلك يتطلب العمل على تقوية العلاقات الثقافية الشعبية العربية بين تلك البلاد، والعمل على تأكيد الحضور الثقافي العربية وتنميته، وإبراز التنوع الثقافي العربي من خلال المهرجانات والبعثات التعليمية والأسابيع الثقافية المشتركة.

وفي تصوري للثقافة الموريتانية دور بارز في هذا السياق، من خلال دور العلماء الموريتانيين القدامى الذين ساروا على طريق الحج إلى مكة المكرمة مرورا بالسودان المحطة البارزة، وكانوا بذلك يؤسسون لهذا التقارب الثقافي العربي، وهناك أحد الشعراء الموريتانيين يعبر عن ذلك وهو المختار بن بون الجكني عندما قال:

ونحن ركب من الإشراف منتظم

أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا

قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة

بها نبين دين الله تبيانا

* هل تشعر بأن الثقافة التقليدية تواجه تحديا اليوم أمام صعود وسائل التواصل الحديثة؟ من هذا المنطلق، كيف تنظر لموضوعي الأصالة والحداثة؟

- بالطبع هناك تحديات واقعية وتحدثها التقنية المتسارعة والتي بالإمكان صرف الشباب العربي عن ثقافته العربية الأصلية بشكل أو بآخر، ولكن السؤال المهم: على أي أرضية نقف؟ إذ لا بد من أن ننطلق من منطلق الأصالة لكي نجري حوار متزنا مع إرهاصات الحداثة اليوم، ذلك أن كل فصام نكد يمكن أن يعاني منه الشباب العربي من المحيط إلى الخليج، سيكون خطرا كبيرا على الهوية الثقافية العربية.

وبالطبع فإنه بحسب واقع اليوم، أعتقد أنه لا بد أن يحتم على الشباب العربي، أن يتواصل مع أدوات العصر الحديثة المفتوح على فكر وثقافة العالم أجمع، غير أنه لا بد لنا أن يكون لنا نوع من التميز الثقافي العربي والذي يحفظ للهوية العربية الثقافية بصمتها في هذا الزخم الثقافي المنفتح على أبواب كل العالم، لنقدم ثقافتنا العربية بخصوصيتها، بما نحمل من موروث وتقاليد وتراث. أعتقد بضرورة أن ندخل معمعة الحداثة والعولمة بخصوصيتنا وحضورنا الثقافي العربي، وإلا سنكون في مهب الريح ولن نجد لهويتنا الثقافية العربية أثرا، وبالتالي لا أحد يمكن تمييزها عن غيرها من ثقافات العالم المنفتحة والمنداحة بلا أي نوع من التحفظ أو الرقيب.

وهذا الواقع يحتم علينا كعرب ومثقفين، أن نقوم على خلق نوع من العلاقة المتوازنة بين الحداثة والأصالة تستطيع أن تمنح الشباب العربي فرصة لفهم ما يدور حوله من تيارات الفكر والثقافة المتصارعة، وهذا يعني ضرورة التزود من موروث الأصالة والتراث والأخ والعطاء الإيجابي من تيارات الثقافة العالمية.

* دعنا نسألك عن نادي الشنقيط الأدبي في موريتانيا.. ماذا عنه؟

- طبعا هو أول ناد أنشئ في جامعة نواكشوط، وأنا كنت أول رئيس له، كما كنت وما زلت رئيس مركز أمجاد للثقافة والإعلام وهو هيئة مرخصة تهتم بقضايا المشهد الثقافي والإعلامي ولديه نشاطات وندوات مختلفة في الساحة الثقافية الموريتانية ولديه علاقات مع الساحة الثقافية العربية ونحضر باستمرار عددا من الملتقيات والمهرجانات الثقافية العربية وفي مقدمتها مهرجان الجنادرية ومهرجان أصيلة، بجانب أنني صحافي في التلفزيون الموريتاني.

وبشكل عام فإن يحمل هذان الصرحان الهم الثقافي والإعلامي والذي يستحوذ على كثير من اهتماماتي في الفترة الراهنة.