السعوديون ومعرض الكتاب.. إقبال وإحجام

نقاشات ساخنة تنتهي بأكثر من مليون زائر وأعلى نسبة مبيعات

جانب من معرض الرياض للكتاب
TT

بعد ساعات من افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب، كتب وزير الثقافة والإعلام السعودي، عبد العزيز خوجه، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»: «نصف الاتصالات التي جاءتني اليوم تطالب بمنع كل الكتب، والنصف الآخر يطالب بفسح كل الكتب».

كان الوزير خوجه يعبر بذلك عن حجم الاختلاف الذي يحدثه معرض الكتاب في الرياض، الذي يعد من أهم معارض الكتب في العالم العربي.

فكما هي الحال في كل عام، هناك من يصاب بالهلع ونوع من (الرهبة) حتى ينتهي المعرض، وينفض السامر، مسجلا أعلى مبيعات وأكبر عدد من الزوار، وأقل نسبة من المحظورات التي يجرى تضخيمها.

قبل أيام قليلة من المعرض، وأمام موجة الاعتراضات الصاخبة، قال الوزير: «من أراد المقاطعة فليقاطع، لن نفرض عليه زيارة المعرض رغما عنه، والدولة لا تفرض على أحد القدوم للمعرض، وإنما تقدم هذه التظاهرة الثقافية للجميع ولمن أراد الحضور».

وتساءل: «من يحارب الكتاب والثقافة والمعرفة؟»، معتبرا أن أولئك المعترضين ضحايا إشاعات ومقولات مغلوطة لا أساس لها من الصحة.

وأمام هذا الحدث السنوي الذي يجتذب نحو مليون زائر، ثمة من يرى أن المعرض يتيح لدور النشر تسويق أفكار وفلسفات دخيلة ومضرة بالعقيدة، وهناك من يرى أن بعض الروايات الأدبية «ليست سوى شكل من أشكال الإباحية والتعري»، أو «أنها توهن القيم الأخلاقية وتضعف الالتزام الديني». ويرد وزير الثقافة على هذه الاتهامات بقوله، إنه ليس هناك في هذا المعرض «ما يسيء للعقيد الإسلامية أو الدين أو يسيء للقيادة». وحول المطالبات التي دعت لمقاطعة المعرض ووصمه بـ«المعرض التغريبي»، قال الوزير: «لا يمكن إجبار الناس على تغيير قناعاتهم وفرض التساوي في فهمهم وتعاطيهم مع ما يطرح من إشاعات وكلام ليس له أساس من الصحة». ووجه الوزير دعوة للمختلفين قائلا: «إنها فرصة الآن أمام الجميع لزيارة المعرض والاطلاع على ما يقدم من كتب ومطبوعات ومحاضرات وحلقات نقاش ليقفوا بأنفسهم على حقيقة المعرض وما يعرض به». وبشأن عمليات الاحتساب التي يواجهها المعرض كل عام، قال الدكتور خوجه «لا يمكن لأحد أن يقوم بهذا الأمر». وهذا ما أيدته مثقفة سعودية بارزة بقولها إن معرض هذا العام يوفر لها مناخا أكثر انسيابية ولم يعترض طريقها أحد داخل المعرض.

ودائما كانت المرأة محل إشكال، إذا ما جمعها مكان واحد مع الرجل، فالخوف من الاختلاط يجعل البعض يهاجم المعرض الذي يتيح لكل المثقفين من أي جنس كانوا التنقل بين الأجنحة واختيار ما يناسب أذواقهم الفكرية. الحقيقة أنه في المعارض السابقة كانت النساء أكثر حضورا من الرجال أو في درجة واحدة، وكانت نسبة مشترياتهن مرتفعة جدا. أما الفعاليات المصاحبة، فهي لا تزعج أحدا، وهي بالكاد تجتذب جمهورا على هامش المعرض، باستثناء اللقاء الذي كان وزير الثقافة والإعلام يلتقي فيه المثقفين. يذكر أن برنامج هذا العام يناقش محاور من بينها: محور الابتعاث، واللغات العالمية والخطر الذي تواجهه، ومستقبل النشر الورقي، والإعلام الحديث.

معرض هذا العام الذي يستمر عشرة أيام تشارك فيه أكثر من 450 دار نشر من 25 دولة من العالم.

السجال الذي يحدثه المعرض في المشهد الثقافي السعودي، ليس سلبيا بالضرورة، فهو ينتهي دائما لصالح المعرض ولصالح الكتاب، فمنذ ست سنوات يجتذب المعرض نحو مليون زائر، ويوفر فرصة ذهبية لدور النشر العربية التي واجهت منذ العام الماضي أزمة بسبب تداعيات أحداث «الربيع العربي» في دول كانت تمثل ربيعا ثقافيا لمعرض الكتاب مثل القاهرة وبيروت.

والنقد الذي يوجه نحو وزارة الثقافة، الجهة المنظمة للمعرض، ليس بالضرورة من المحسوبين على الاتجاه الديني، فحتى خصومهم غير راضين عن مستوى المعرض والمستوى المتدني الذي يتم من خلاله تقديم النشاط الثقافي المصاحب. هم أيضا يقولون إن الكتاب والفكر ليسا بحاجة إلى (رقابة) في زمن التواصل الإلكتروني.

الدكتور عبد الله الجحلان، أمين عام هيئة الصحافيين، يرى أن الحراك المستمر في كل مرة يفتتح معرض الرياض الدولي للكتاب أبوابه إنما يكشف عن خلل، منوها بأن الجهة الرسمية ممثلة بوزارة الثقافة والإعلام هي أكثر الجهات حرصا على عدم السماح بعرض أي كتاب يسيء للسعودية ككيان أو معتقد أو أفراد.

وقال الجحلان: «هناك حماس في ترقب الأخطاء التي قد تنتج عن أي عمل بشري، إلا أن متابعة تصحيحه تبقى عائدة على الجهة المنظمة دون قبول أي تدخلات خارجية». وأشار الجحلان إلى أن «فتح باب الاعتراض لأي كان سيفتح حتما باب الفوضى، ويولد مشاكل لا حصر لها».

واستبعد الجحلان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» وجود أي مواطن «يقبل بعرض كتب تسيء للدولة أو للأديان في ظل مجتمع واع وأفراد مسلمين»، داعيا لعدم استغلال الحماسة الدينية بتجاوز الصلاحيات وتوظيفها بشكل سلبي ومسيء للدين وللإسلام.

عبد الله الباز، مدير قناة «المجد» العامة، رأى بدوره، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الجدل الدائر بالمجتمع السعودي ظاهرة صحية وليست مرضية. واعتبر أن هذا النوع من الجدل (أمر طبيعي)، فهو نتيجة لما يمر به المجتمع من مرحلة ولادة متعثرة في بعض مراحلها. وأكد الباز على ضرورة «ترشيد الوعي، حيث لا يوجد هناك شر محض أو خير محض، وإن ثوابت الدين والوطن لا تخضع إلى النقاش»، مضيفا «إن تحول المجتمع السعودي وانفتاحه إنما يجسدان ولادة صعبة لن تنجح سوى بالترشيد لهذا التحول والانفتاح». وقال «إنه من التناقض أن يمنع أشخاص فكرا ما أو كتبا محددة، ثم يعمدون إلى شرائها خفية»، مضيفا «إنه ليس على المحتسبين القيام بدور ولي الأمر».

من جانبه، دافع الداعية ناصر الحنيني عن مفهوم الاحتساب، معتبرا إياه «شريعة ربانية ومظهرا حضاريا أشاد به غير المسلمين قبل المسلمين»، متعجبا مما يتم تداوله عبر الصحف بشأن المحتسبين وكأن ذلك ظاهرة سلبية.

واعتبر الحنيني ظاهرة الاحتساب «أحد مظاهر الحراك الشعبي والحضاري المنضبط، إذ إنها ظاهرة إيجابية وتعويد لأفراد المجتمع على تحمل مسؤولياتهم». وقال، إن «للشخص الحق في المناصحة في حال شاهد أي مظهر مخالف للشرع، وذلك بلسانه وبالحسنى والحكمة»، مؤكدا أن ذلك «حق كفله الشرع والنظام والعقل والفطرة في كل دول العالم».

أما فيما يختص الاحتساب في معرض الكتاب، فقال «إن أكثر القضايا التي تحتاج إلى احتساب وتكاتف هي الإبلاغ عن الكتب المخالفة للشريعة صراحة، والتي فيها تعد على الذات الإلهية والرسول الكريم أو أصول الإسلام وكتاب الله العظيم»، مشيرا إلى الاستمارة التي اعتمدتها وزارة الإعلام بذكر الكتاب المخالف لتؤدي دورها كجهة رقابية، وتقوم بسحب الكتاب، هو نوع من «الاحتساب».