عدد الإناث السعوديات وصل في مختلف مراحل التعليم إلى نحو نصف عدد الذكور

TT

لم يكن الطريق الذي سلكته المرأة العربية للحصول على حقوقها، بشكل عام، وحقوقها السياسية بشكل خاص سهلا، إذ إنها واجهت، ولا تزال، عوائق مجتمعية تراوح بين التقاليد والعادات والاجتهادات التي تكرِّس الأبوية والذكورية كقاعدة مجتمعية تجاوزها المجتمع، إلا أنها ما زالت مرتبطة بتحالفات سياسية مع قوى قائمة بزمانها ومكانها.

لقد ابتدأت مشاركة المرأة الحقوقية في الحياة العامة، بعد مشاركتها الفردية وغير المباشرة في نهاية القرن التاسع عشر، بعد نيل كثير من البلدان العربية استقلالها. إلا أن هذه المشاركة تفاوتت من قُطر إلى آخر باختلاف درجة التطور الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، والتعليم وتوسيع النظام المدرسي، وتوفير فرص العمل وتقليص الانقسام التقليدي بين العام والخاص.

وقد نشأت حركة تحرير المرأة العربية كجزء لا يتجزأ من بناء الهوية الوطنية من الناحيتين الاجتماعية والثقافية. كان للعلماء المسلمين والكتَّاب والمفكرين دور مشجع لسلوك طرق جديدة للتغيير والبحث عن هوية وطنية في آن واحد. ووجدوا أن تحرير المرأة واجب وطني يعود بالفائدة على الوطن كله، لا على نسائه فحسب. ودعا بعض المفكرين إلى تعليم النساء لتمكينهن من المشاركة في بناء الأمة كي يقدرن على تعليم وتحرير أطفالهن من ربقة الجهل.

تقول هيفاء زنكنة مؤلفة كتاب «المرأة والمشاركة السياسية في الوطن العربي»، الصادر حديثا عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت: «إن هناك قدرا من الصحة في الرواية الرسمية لتاريخ حركة تحرير المرأة في الوطن العربي، فإن الرجال كانوا في طليعة المدافعين عن المرأة. غير أن هذا التاريخ غالبا ما يتجاهل إنجازات المرأة التي كان يعبر عنها شفهيا، وتثبت البحوث الاجتماعية، الآن، أن المرأة كانت رائدة وفاعلة اجتماعيا، ومؤثرة سياسيا، ولكن بشكل غير ظاهر لم يأخذ حقّه من التوثيق التاريخي. فالمشاركة السياسية كانت في بداياتها مثلا ذات طابع يختلف عن طابع المشاركة السياسية بمفهومها الحالي. حيث كانت الرائدات في هذا المجال يجمعن بين النشاط الاجتماعي والخيري».

وكما هو الحال في معظم بلدان العالم، كانت بنات وزوجات الطبقات العليا في المجتمع أول من يحظى بالتعليم، لأن التعليم كان محصورا على الأغلب في من يتحمل تكاليفه، مع ملاحظة الفرق الكبير بين تركيز افتتاح المدارس في المدن وإهمال المناطق الريفية، وتفاوت التغييرات الاجتماعية بين مدينة وأخرى، وبين مختلف المدن والعاصمة. فلم تبرز أهمية تطوير الكفاءات الفردية كقيمة بحد ذاتها، بشكلها الشامل للجميع إلا بعد مراحل طويلة.

فكان النشاط الخيري والمجتمعي هو المنفذ للمشاركة في الحياة العامة. وفي الإمكان القول إن هذا التطور تم ببطء تدريجي يتماشى مع تطور ثقافة المجتمع وبشكل عضوي لينمو، من صلب المجتمع نفسه وبالتوافق مع طبيعة التغيير، عبر المفروض قسرا، وحسب حاجات المجتمع.

تقول الكاتبة إن دراسة مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية بمعزل عن دراسة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمع، تكون ناقصة. وقد تجر إلى عزل المرأة وقضيتها عن المسار العضوي للمجتمع، إن لم يكن إلحاق الضرر بها. وهو ما يدفع، بالضرورة، إلى خلق حالة من الانفصام المجتمعي تجاه قضايا إنسانية قد يؤمن بها المجتمع، إلا أنه مجبر على الوقوف على مسافة حذرة منها، والتشكيك فيها أحيانا بسبب تبنيها من قِبل قوى تحاول فرضها وتسويقها على حساب القضايا التي تمس حقوق الشعب ككل.

وتخص المؤلفة المرأة السعودية بجانب من دراستها، فبعد أن تؤكد أن عدد الإناث السعوديات وصل في المملكة في مختلف مراحل التعليم، إلى نحو نصف عدد الذكور. وأن هناك تقدما لا ينكر في مستوى النشاط النسوي المجتمعي والأكاديمي والبحثي والإعلامي، تلحظ إصرار المرأة السعودية الناشطة على ممارسة عملها ضمن معطيات المجتمع السعودي وثقافته، متجنبة الترويج لقضيتها في سوق الإثارة الإعلامية، أو القفز للمطالبة بحقوق لا تعتبرها من أولوياتها، أو عزل قضايا المرأة عن قضايا المجتمع ككل.

أما بالنسبة لنظام «الكوتا» أو فرض الحصة السياسية للمرأة في مواقع اتخاذ القرار، فترى المؤلفة أن المدافعين عن هذا النظام يقدمونه على أنه الحل السحري الذي سيحقق للمرأة مكانتها في مراكز صنع القرار، بعد أن فشلت السياسات التنموية الشاملة من تحقيقه، ليغيب عن الأذهان جميع المنجزات الإيجابية التي حققتها المرأة في سعيها وسعي الرجل معا. حيث كان المنظور السائد تحرير المجتمع ككل ليتم تلقائيا تحرير المرأة. إن نظام «الكوتا» يمحو إنجازات مرحلة السياسات التنموية، ويدفع باتجاه قطيعة التواصل العضوي، ويحاول فرض مفاهيم تنموية جديدة تتبنى سياسات تمكينية للمرأة، والعمل على تخصيصها ضمن هذه السياسات. ولفهم جوانب السياسات التمكينية فقد حدد الدستور العراقي الذي وضع بإشراف أميركي حصول المرأة على نسبة 25 في المائة من أعضاء البرلمان ومجلس الوزراء، ومجالات أخرى، وهي نسبة عالية حتى بمقياس المشاركة النسوية في الولايات المتحدة الأميركية التي تبلغ 16.8 في المائة. أما في بريطانيا، فتبلغ النسبة 21 في المائة. وكان من أهم إنجازات حكومة نوري المالكي عند تشكيلها في ديسمبر (كانون الأول) 2010، إهمال الدستور ونسبة الـ25 في المائة ليتم تعيين امرأة واحدة في حكومة تضم 46 وزيرا، لتكون الحكومة الأكبر في العالم.

إن حصر تقدم المرأة في مجال واحد دون غيره، يجعل معظم البحوث والدراسات والمؤتمرات مجرد تكرار لقرارات صادرة عن منظمات ومؤتمرات دولية، دون فهم حقيقي لطبيعة المجتمع وخصائصه وتقاليده وتاريخه وثقافته الدينية والحضارية. جاء استخدام قضية حقوق المرأة في العقد الأخير بشكل خاص، كأداة إنسانية لتبرير التدخل الخارجي بأشكاله كافة، من ضمنها التدخل العسكري المفتت لبنية المجتمع، كما حدث في العراق، لتزيد من الشكوك والمخاوف، إن لم يكن تحويلها إلى حقيقة يرى فيها البعض فرصة للطعن في مجمل الحقوق التي حصلت المرأة عليها عبر عقود. أما عن المعوقات التي تواجهها المرأة من أجل تحقيق المشاركة المتماشية مع نسبتها السكانية، فترى المؤلفة أن المعوقات الخاصة بالمرأة إذا استثنينا وقع التدخلات الأجنبية وتأثير الحروب والاحتلال وانعكاساتها الكارثية الشاملة على بنية المجتمع ونفسية الفرد، فلعل أهمها انشغالاتها البيتية والزوجية، وكونها أمَّا بالدرجة الأولى مسؤولة عن تربية الأطفال، والجمع بين ذلك والعمل خارج البيت أحيانا، الأمر الذي لا يترك لها الوقت والجهد الكافي إلا في ما ندر. وتجدر الإشارة إلى أنه في مرحلة تراجع السياسات التنموية الشاملة، ومع تصاعد وتيرة فرض الدور السياسي المباشر عبر المنظمات والمؤسسات الدولية، وتدخل الحكومات الغربية، نادرا ما يشار إلى دور المرأة كأم، وكيفية تأمين أفضل الظروف والخدمات الممكنة لها، خلال فترتي الحمل والولادة، فضلا عن فترة السنوات التكوينية الأولى في حياة الطفل، وهو الدور الذي تعتبره معظم النساء في البلاد العربية أولوية لا يمكن التخلي عنها. خاصة أنها تشكل نقطة اختلاف جوهرية مع الحركات النسوية الغربية المستندة إلى أسس «الفردية» في مقابل التفكير الجماعي. تخلص المؤلفة إلى أنه مما لا شك فيه أن هناك تطورا متفاوت المستوى من بلد إلى بلد آخر في تقدم الوعي النسوي، إلا أنها لا تزال دون المستوى المتناسب مع نسبتها السكانية وكفاءتها، ويجب ألا يستهدف الرجل باعتباره عدوا بل إنه حليف يعاني هو الآخر التصدع نفسه. فعلى المجتمع ككل أن يتعاضد، مع تثبيت أن كون المرأة ركيزة العائلة والمجتمع فهي الأم والزوجة والأخت وليست عامل إعاقة وتجهيل.