البحرين: معركة كسر عظم بين وزيرة الثقافة والنواب الإسلاميين

الشيخة مي آل خليفة تلوذ بالصمت بعد جلسة عاصفة شهدها البرلمان حول «ربيع الثقافة»

TT

مرة أخرى، وزيرة الثقافة البحرينية، الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، في وجه المدفع. والسجال القديم - الجديد بين الإسلاميين والوزيرة على خلفية أداء ثقافي (جريء) يعود من جديد، لكن المواجهة الجديدة أخذت طابعا ينذر بتصعيد غير مسبوق، كما تكشف عن خلفيات غير ثقافية (سياسية بالدرجة الأولى) لتحرك النواب السلفيين ضد الوزيرة، والدخول في صدام علني مفتوح معها.

وكما حدث في («ربيع الثقافة» - 2007) وهو العام الذي هوجمت فيه الوزيرة بسبب عروض أدائية راقصة «مجنون ليلى»، يحدث اليوم نزاع أشد ضراوة بين النواب والوزيرة، الأمر الذي دفع الأمور لمزيد من التصعيد، وينذر في الأيام المقبلة بأزمة مفتوحة بين الطرفين.

وكان البرلمان البحريني قد شهد معركة أصوات مرتفعة، وتوجيه اتهامات من قبل الشيخة مي آل خليفة وزيرة الثقافة لمن وصفتهم بأنهم «حاولوا إثارة الفوضى» في إحدى الفعاليات، حيث وصفتهم في لحظة غضب بأنهم مجموعة من «المرتزقة». مما سبب هياجا داخل البرلمان وصراخا ودعوات بطرد الوزيرة وخروج النواب، ومن ثم الدعوة لاستجواب الوزيرة.

أحد النواب الذين دخلوا في مواجهة مع الوزيرة داخل المجلس، يقول إن هذه الكلمة (مرتزقة) لا يمكن تحملها، لكن الوزيرة، وفي نبرة الغضب أثناء مقاطعتها من قبل النواب السلفيين، أفلتت كلمة أخرى أثناء مغادرة المنصة، قالت إنها تتأسف من أن خصومها ليسوا رجالا، وهي الكلمة الأخرى التي أثارت النواب الغاضبين.

ويعود قصة الصراع الجديد إلى حفلة أقيمت في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، شاركت فيها الفنانة والعازفة اللبنانية إيمان حمصي ضمن فعاليات مهرجان ربيع الثقافة لعام 2012، وحضرتها وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة ووزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وجمع من المسؤولين، وترافق مع الفعالية تجمُّع احتجاجي قادته مجموعة من الشباب ذوي الخلفية الإسلامية أمام مدخل المركز يرفعون شعارات مناهضة للفعالية، واضطرت قوات الأمن للوجود هناك لتأمين خروج الوزراء وباقي الحضور.

ويمثل هذا الصدام الفصل الأخير من فصول الصراع بين وزارة الثقافة والمحتجين على فعاليات ربيع الثقافة، وتعود الفصول الأولى من الصراع إلى عام 2007، وبالتحديد الفعالية التي أحياها الفنان العربي مارسيل خليفة، حيث ترافق العزف مع رقصات تعبيرية وعروض لراقصين، وإحدى هذه الرقصات كانت بعنوان «مجنون ليلى»، قيل وقتها إنها تضمنت حركات وإشارات خادشة للحياء.

وطوال الخمس سنوات الماضية، باستثناء العام الماضي، كانت الوزيرة تخوض صراعا سنويا مع النواب حول الفعاليات، تنتهي الفعاليات وتعود المياه إلى مجاريها، لكن الجديد هذا العام كشف أن النواب لم ينسوا فعاليات السنوات الماضية، واستحضروها في الجلسة الأخيرة، حيت تبين أن لجنة التحقيق البرلمانية في فعاليات ربيع الثقافة جرت قبل 3 سنوات.

وبالعودة إلى أحداث الأسبوع الماضي، وفي جلسة للبرلمان حضرتها وزير الثقافة لمناقشتها حول فعاليات ربيع الثقافة، وتم خلال الجلسة بث صور على شاشات المجلس تتضمن تلامسا جسديا بين عارضين وعارضات وصورا من بعض الفعاليات التي أقيمت في السنوات السابقة، وأثناء المناقشات التي تسارعت حدتها، وصفت وزيرة الثقافة المتجمهرين أمام مركز الشيخ إبراهيم بن محمد بأنهم مجموعة من «المرتزقة»، عندها ثار النواب المحسوبون على الكتلة الإسلامية السلفية وطالبوا الوزيرة بالخروج من المجلس، وتعالت الأصوات، وبعد مناوشات بين النواب والوزيرة لعدم المقدرة على ضبط الجلسة تدخل رئيس المجلس ورفع الجلسة، وخرج الكل غاضبا وبدأ النواب المحتجون الإعداد للخطوة المقبلة التي فرضتها (بحسب رأيهم) جلسة الإهانة.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال النائب جاسم السعيدي (سلفي) وهو أحد محركي المواجهة مع الوزيرة، إن مجموعة ممن سماهم بـ«طلبة العلم» احتجوا على بعض الفعاليات التي تضمنها برنامج ربيع الثقافة، ووصفتهم الوزيرة في جلسة البرلمان بأنهم «مرتزقة» وقالت إنهم مدفوعون من قبل البعض لإثارة الفوضى في الفعاليات. ويضيف: «لقد تدخلتُ وطلبتُ من الوزيرة مي آل خليفة (السكوت أو الخروج من المجلس)».

وفضلت الشيخة مي آل خليفة التزام الصمت حيال ما حدث، وقالت مصادرها لـ«الشرق الأوسط» إنها «تفضل عدم الخوض في القضية». في مسعى ربما يعكس توجها لامتصاص الغضب الذي اشتعل بين الوزيرة وخصومها، لكن النواب أعدوا خطتين لمواصلة المعركة مع الوزيرة؛ الأولى تتضمن خطابا موجها للملك لإقالتها، والثانية إعداد مشروع لطرح الثقة في الوزيرة أمام جلسة مقبلة للبرلمان، بحسب النائب السعيدي.

ويشرح السعيدي الخطوات التي اتبعها المجلس مع الوزيرة، وهي آليات المجلس، وهي البداية بسؤال، ثم لجنة تحقيق، ثم استجواب، ثم طرح الثقة، وقال: «لأنها خرجت عن المنظومة»، على حد وصفه، وأضاف: «لم نطالب بلجنة تحقيق لأن القضية تم التحقيق فيها منذ ثلاث سنوات، وجاءت مرحلة الاستجواب خلال هذه الدورة».

وأضاف أن الاعتراضات على برامج ربيع الثقافة مستمرة طول السنوات الماضية، والتصعيد خلال هذه الدورة أمر طبيعي لأن الوزيرة، وبحسب تعبيره، «خرجت عن المنظومة»، عندما ألقت التهم على الشباب المحتجين.

يقول السعيدي إن الكلمة التي قالتها الوزيرة (مرتزقة) لا يمكن تحملها في ظل الظروف التي تعيشها البحرين حاليا، ويمكن تحملها في ظروف مختلفة، وقد تكون غير مؤثرة، لكن الآن لا يمكن السكوت عليها، ولا يمكن أن تتحمل البحرين، بحسب تعبيره، «شرخين».

ودافع السعيدي عن الشباب الذين أبدوا احتجاجهم على حفلة الفنانة اللبنانية إيمان حمصي، وقال إن المحتجين على الفعاليات طيف من الأطياف التي تزخر بها البحرين ويجب احترامهم، وتساءل السعيدي عن الثقافة التي تملكها البحرين: «ما هي حتى يُجلب لها فنانون وفرق مسرحية وفعاليات من الخارج؟»، وقال: «إن هذا جزء من الاحتجاج على الفعاليات حين يتم جلب ثقافة غير ثقافة التي تمثل البلد»، مضيفا أن تاريخ وماضي البحرين غني ويمكن الاعتماد عليه في إقامة فعاليات.

النائب السعيدي زاد من جرعة التصعيد، حيث قال إن «البحرين بؤرة فساد»، وعدّد أنواع من الفساد، وضمنها الفساد الأخلاقي الذي توضع تحته قائمة فعاليات وبرامج ربيع الثقافة، حسب تعبيره.