«نساء بلا ملامح».. مسرحية تفتح جرح المغتصبات في الجزائر

بلغ عددهن 18 ألفا وفقا للإحصاءات

من مسرحية «نساء بلا ملامح»
TT

حصلت مؤخرا مسرحية «نساء بلا ملامح» التي اقتبسها الجزائري رابح هوادف عن نص للكاتب العراقي عبد الأمير الشمخي، على الجائزة الكبرى لمهرجان مدينة سيدي بلعباس في الغرب الجزائري. إنها المسرحية التي فتحت عميقا جرح مغتصبات الجزائر في عشرية التسعينات الدموية وأثناء الثورة التحريرية على المحتلين، والجزائر تستعد للاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال.

مع أن العرض المسرحي الجديد «نساء بلا ملامح»، «ينتمي إلى الدراما السيكولوجية، ويتعرض لسياقات أنثوية ضائعة في جزائر 2012» كما يقول أصحابه، إلا أنه في المقابل أراده مقتبسه أن يكون تحية لكل النساء «المغتصبات»، من مناضلات الثورة التحريرية عشية الاحتفال بذكراها الخمسين. ولعل أشهر هؤلاء هي المناضلة «لويزة إيغيل أحريز»، التي انتظرت سنة 2000 (لأسباب اجتماعية) لتفجر عن طريق الصحافية الفرنسية فلورانس بوجيه قنبلة تعذيبها واغتصابها من قبل بعض المظليين الفرنسيين بقيادة الجنرالين بيجار وماسو. يضاف إلى هؤلاء، مغتصبات المحنة الدموية الداخلية التي عرفتها الجزائر في تسعينات القرن الماضي والتي راح ضحيتها 200 ألف قتيل، وفق إحصاءات شبه رسمية والآلاف من المغتصبات التي تقول بعض الإحصاءات إن عددهن وصل إلى 18 ألفا، ويبقى الرقم محور جدل رغم مرور كل تلك السنين.

إنه النص العراقي المعروف الذي كتبه عبد الأمير الشمخي، وأعاد الجزائري رابح هوادف كتابته وأعطاه الصبغة المحلية، وخرج أخيرا إلى النور ليلقى نجاحا معتبرا بلغ قمته عندما فاز بالجائزة الكبرى لمهرجان مدينة سيدي بلعباس ذات التقاليد المسرحية العريقة بالغرب الجزائري. وهي التجربة التي يتكلم عنها مقتبس النص لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «اشتغلت على نص (نساء بلا ملامح) تحديدا، لتأثري الشديد بمكنونات هذا العمل الذي أنجزه الفذ عبد الأمير بحرفية وطرزه كقطعة فنية رائعة امتزجت فيها ألوان متغيرة المعنى ثابتة المغزى استهوتني للتعاطي معها في توليفة تنسجم مع ما تشهده الجزائر من هموم وآلام وانكسارات نسوية».

وإن حرص هوادف على قراءة النص الأصلي بعمق، إلا أنه في المقابل حرص على أن يمنحه الصبغة المحلية الجزائرية التي تبرر وضع اسمه إلى جانب اسم المخرج والكاتب الأصلي، ومن ثم البحث عن فرصة للنجاح تجسدت بالفعل أخيرا في انتظار المشاركة في أكبر مهرجان مسرحي جزائري، وهو «المهرجان الوطني للمسرح المحترف» بداية الخريف المقبل.

وعن اللمسة الإضافية للنص في صيغته الجزائرية، يقول رابح هوادف: «حرصت على الوفاء لروح النص الأصلي، مع قيامي بتحوير ماهية الشخصيات الثلاث، حيث قمت بتحويلهن من (عاهرات) إلى (مغتصبات)، كما منحت البطلات الثلاث بعدا إضافيا تجاوز تابو الاغتصاب إلى مأزق الضياع الذي يطارد كثيرا من بنات حواء في الجزائر، من عانسات تائهات إلى مطلقات ممزقات، وبينهن أرامل مشتتات، كما حرصت على إخراج المسرحية من قالبها الأصلي عبر إضافة (مونودرامين) في الأخير، ينتهي الأول بانتحار الرجل (السلطة الذكورية) ويتوج الثاني بإشراقة نسوية تستميح شمس أمل متألقة».

إنه النص الذي تمكنت فرقة مسرحية تنتمي إلى بلدة صغيرة بضاحية الجزائر العاصمة من أن تجسده بطريقة نالت الإعجاب وفتحت له الأبواب للمنافسة على أكبر جوائز المسرح الجزائري إلى جانب أكبر الفرق المحترفة. وهذا ما كان قد راهن عليه الفنان الشاب عباس محمد إسلام لإبراز قدراته الإخراجية وهو الذي عرفه الجمهور ممثلا في المسرح وفي التلفزيون. وعن سبب اختيار المخرج هذا النص قال: «الضياع.. مصطلح، لطالما حضر في القاموس الجزائري اليومي. وحينما يقترن هذا الضياع بالنساء، يدفع المرء للبحث أكثر عن ماهية ضياع اتسعت حدقاته على مر السنين، ومن هنا برزت فكرة التعاطي مع نصية عبد الأمير الشمخي وإسقاطها بشكل مغاير على الراهن الجزائري المثخن بتابوهاته. ولعل ما حدث لآلاف النساء من جرائم اغتصاب وامتهان وعنف جنسي، يشكل أحد أهم التابوهات المسكوت عنها في مجتمع لا يزال يمعن في النيل من الضحية ويتعامى عن الجلاد».