واقع النقد في السعودية.. أزمة نص أم نقد؟

نخبوية النقاد وعدم مواكبتهم للمنجز الإبداعي تعود للواجهة من جديد

TT

على هامش «ملتقى النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية» الذي اختتم مؤخرا في نادي الرياض الأدبي، في دورته الثالثة تحت عنوان: «الشعر السعودي في رؤى النقاد: مقاربات ومراجعات»، أثيرت من جديد مسائل تتعلق بتطوير الأداء النقدي ليواكب الحركة الإبداعية الناشطة في السعودية.

«الشرق الأوسط» حضرت الملتقى، والتقت عددا من النقاد السعوديين ضمن محور علاقة النقد بحركة الإبداع، والدور الذي ساهم من خلاله النقاد في تطوير الحركة الإبداعية، وقدرة النقاد على التواصل مع الإبداع الشبابي في منجزاته ووسائله وآلياته..

* الوشمي: التحول النقدي

* الناقد والروائي السعودي الدكتور عبد الله الوشمي، رئيس نادي الرياض الأدبي، اعتبر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المبدع الجاد لا يتخوف من الدراسات النقدية لمنجزه «إلا أن تغير وتزحزح المفهوم الثقافي بشكل عام دفع الكثير من النقاد إلى التحول من النقد الأدبي المباشر إلى نقد الظاهرة الاجتماعية، ونقد الظاهرة الثقافية بشكل عام».

وقال الوشمي: «نحن في الملتقى الأدبي الذي عقدناه مؤخرا، كنا نريد أن نحتفي بالمنجز الإبداعي السعودي، من خلال تسليط الضوء النقدي على الدراسات النقدية، التي تناولته، ولذلك وجهنا الملتقى إلى دفة لربما لم تستوف الدراسات حولها وهي جهود النقاد العرب في دراسة ونقد الشعر السعودي».

وأضاف: «النقد الأدبي بشكل عام بدأ يأخذ بالتحول إلى مساحات أخرى ونحن في الملتقى حاولنا إعادة هذه الموازنة».

ويبدو الوشمي حذرا فيما يتعلق بالحديث عن تأخر الحركة النقدية في السعودية عن واقع الإبداع، فهو لا يعتقد أن النقد لا يستطيع أن يواكب الثورة الإبداعية المتعددة في جميع المجالات.

* النعمي: المسكوت عنه

* بدوره، يبدو الناقد السعودي الدكتور حسن النعمي مطمئنا لواقع النقد في السعودية، مبينا أن معظم النقاد الجدد، تجاوزوا المقاربات البنيوية، التي كانت تمثل منطلقات لنقاد الثمانينات، من أمثال الدكتور عبد الله الغذامي، وسعيد السريحي، مشيرا إلى أنهم سلكوا مسالك مختلفة، سواء من منظورات التأويل أو نظرية الخطاب أو استيعاب أكبر للنظرية السردية.

ويشير النعمي إلى أن إنجازات النقد تتمثل في تجاوز المنشور في الصحف إلى إصدار كتب متخصصة، مبينا أن أهم إنجاز للنقد هو التحول من التقييم المدرسي التقييمي إلى النقد المعرفي، وقراءة الرواية في سياقات أكبر، مشيرا إلى أن النقد رفع من قدرة الرواية ولم تعد نصا للتسلية، بل أصبحت نصا خصبا للتقاطعات الثقافية والاجتماعية.

ويقول: «إن النقاد شجعوا الكتاب وخاصة كتاب ما بعد عام 2000 على الاقتراب أكثر من المسكوت عنه، واختراق قضايا ذات الحساسية الاجتماعية، ولم يكن التشجيع على سبيل النداء، بل على سبيل الاحتفاء بكل رواية تقترب وتلامس الهم الاجتماعي، وهو ما أوحى للكتاب بجدوى معالجة القضايا المسكوت عنها بجرأة أكبر، وهذا يعود لتوجهات النقاد الجدد، نحو النقد المعرفي، وليس الجمالي المجرد».

وفيما يختص باتهام النقد أنه لم يواكب الطفرة الإبداعية في مجالات الشعر والقصة والرواية، قال النعمي: «أمر المواكبة نسبي قطعا. وإذا كان المقصود أن يتحول الناقد إلى معلق على كل رواية تصدر فهذا لم يحصل ولن يحصل. وإن حصل فذلك لا يعد نقدا بالمعنى المعرفي كما ذكرت. وهذا أمر يمكن للصحف أن تستكتب من يعلق على كل رواية تصدر، ولكن هل هذا هو النقد الذي ننشده؟ النقد كما ذكرت سياق معرفي يؤصل للحضور الروائي ويربط سياقات الرواية بالسياقات الأخرى. من هنا تصبح الرواية جزءا مهما في فهم البناء الاجتماعي، وليست مجرد زخرف هامشي».

وعليه، لا يرى النعمي أن هناك ما يقلق على واقع النقد، مبينا أن «التواصل بين نقاد الرواية الجدد، إذا جاز هذا الاستخدام المراوغ»، من أمثال محمد العباس، ومحمد الحرز، وعلي الشدوي، وسحمي الهاجري، ولمياء باعشن، ومعجب العدواني، أكثر بكثير من التواصل مع من سبقهم، مشيرا إلى أن هؤلاء النقاد نهجوا مسالك جديدة تدفعهم الاطلاع الواسع على المستحدثات النظرية والنقدية.

ويرى النعمي أن هؤلاء النقاد وغيرهم يختلفون بالضرورة عمن سبقهم دون انفصال، من أمثال سعيد السريحي، ومعجب الزهراني، وسعد البازعي وغيرهم، مضيفا إلى هؤلاء الأسماء نقادا من الحقل الأكاديمي من أمثال صالح زياد، وسلطان القحطاني، وعالي القرشي وغيرهم.

وعلى الرغم من أهمية القراءات المفردة لروايات بعينها، غير أن ذلك - برأي النعمي - لا يشكل نقدا معرفيا، لأن عزل التجارب ليس من مصلحة الكتاب «مثلا لأعرف منزلة الروائي أحمد الدويحي، أو يوسف المحيميد، أو ليلى الجهني، يجب أن أقرأهم في سياق جيلهم، وفي ساق المنتج الروائي المعاصر لهم. الناقد الذي يفصل بين التجارب لا يقدم دورا نقديا معرفيا يحلل التجارب، ويعيد تأسيس ملامحها وربطها بالسياقات التي تولدت عنها، بل ناقد يشغل نفسه بما لا يجب».

* المناصرة: النقد لا يواكب أي إبداع

* أما الناقد الدكتور حسين المناصرة، فهو يعتقد أن النقد عموما يقع في مواجهة الخطاب الإبداعي، ويقول: «هناك مستوى أقل بكثير مما يجب أن يكون عليه النقد ذلك لأن حجم النصوص الإبداعية يتجاوز إلى درجة كبرى حجم النقد المتواضع نسبيا، خاصة إذا نظرنا للمسألة من خلال هناك خطابات إبداعية كثيرة منها ما هو روائي أو شعري أو قصصي أو غير ذلك».

ويشير إلى أن النقد لا يواكب أي حركة إبداعية، سواء رواية، أو غيرها، وغالبا ما تكون توجهات النقد نحو خطابات إبداعية فازت بجائزة أو أن كاتب هذا النصوص ممن يثيرون بعض الإشكاليات التي تتعلق بالتابو في الدين والسياسة و«هنا نشعر بأن النقد فعلا في حالة أزمة وأن المسافة بينه وبين الإبداع شاسعة وحتى إذا نظرنا إلى النقد الأكاديمي رغم شموليته بشكل أكثر نجده يوجه إلى نصوص مات مبدعوها أو تكون قديمة».

ويرى المناصرة أن الأهم في صناعة هذا الواقع المتأزم، هي أن حجم المبدعين أكبر بكثير من حجم النقاد، لأن «الناقد يعتبر نفسه في ورطة لكثير من الباحثين أو الدارسين، فهو إما أن يجامل وإما أن يناصر أو يطبل، وهذا ينتشر في النقد الصحافي عموما».

ويدعو المناصرة الجامعات إلى تفتح أقساما خاصة بالنقد، لأنها تركز الآن فقط على الأدب واللغة.

* العدواني: الفاشلون ينتظرون النقد

* وفي هذا السياق يقول الناقد السعودي الدكتور معجب العدواني لـ«الشرق الأوسط»: «إن النقد ليس شرطا أن يكون مواكبا للإبداع، لأن لكل ناقد مشروعه النقدي الخاص به، والذي يعمل عليه، حيث إن بعضا منهم ينصب اهتمامه على بعض النصوص الإبداعية المنتجة حديثا».

ويشير إلى أن المبدع الذي ينتظر كتابة نقدية بعد إنهاء عمله، هو مبدع غير ناجح، مبينا أن المبدع الناجح هو من يواصل العمل، مستحضرا مثالا لذلك في شخصية الروائية السعودية رجاء عالم، موضحا أنها من الكاتبات اللائي ابتعدن عن الأضواء بشكل كبير جدا، تماما كما ابتعدت عن مسألة النقد، غير أنها حققت حضورا متميزا على مستوى السعودية والعالم العربي، بل على مستوى الثقافات الأخرى.

وبرأي العدواني فإن مهمة الناقد ليست في الكتابة المباشرة والسريعة، التي قد ينتظرها بعض المبدعين الفاشلين، إن صح التعبير، لأن «المبدع الفاشل ينتظر من يدعمه ليكتب عنه في أكثر من وسيلة إعلامية ليلفت الأنظار في أكثر من مناسبة».

وفيما يتعلق بتقييمه لمستوى النقد نفسه بعيدا عن الكتابات الإبداعية، قال العدواني: «لو افترضنا أن الكتابة الإبداعية ضعيفة، قد نفترض أن العملية النقدية ضعيفة، فالمسألة فيها نسبية كبيرة جدا، بمعنى أن هناك في الحقيقة ما يستوجب النظر إليه، ومن ثم وضع الساحة وتفاصيلها بدقة، فليس من الحكمة النظر بعجلة إلى جزء من الصورة، وترك الجزء الآخر منها، إذ لا بد من النظرة الكلية، حتى نتمكن من الحكم الصحيح على تجارب النقدية والإبداعية».

وفيما يتعلق بضعف التواصل بين الأجيال إبداعا ونقدا، قال: «ربما أؤمن بأنه يوجد ما يسمى الفجوة بين الأجيال ولكن أؤكد أن هناك ملامح كثيرة موجودة بين أجيال النقاد أو أجيال المبدعين، ولذلك أعتقد أن هذا التواصل موجود ولكن ليس بالقدر الذي نريد».