مسابقة جمال سياسية يتم اختيار الفائز فيها وفقا للذوق الإسكندنافي

«عن السلام يتحدثون».. تاريخ جائزة نوبل للسلام لجاي نوردلينغر

غلاف «عن السلام يتحدثون»
TT

هل سمعت من قبل عن فريتيوف نانسين؟ حسنا، ماذا عن ميريد كوريغان أو كارلوس لاماس؟ لا يوجد ما يدعو للدهشة إذا لم تسمع بهم من قبل، على الرغم من كونهم حائزين للجائزة الأكثر شهرة وأكثر إثارة للجدل في العالم.

من الممتع قراءة كتاب جاي نوردلينغر «عن السلام يتحدثون»، عن جائزة نوبل للسلام، والذي يتسم بسرد ساحر لبداية الجائزة الأكثر غرابة، والأشخاص الذين منحت لهم على مدار قرن. لم يبق في الذاكرة من الفائزين سوى القليل نتيجة لبريق المجد العابر وافتقار الجائزة إلى قيمة جوهرية.

بدأ نوردلينغر في طرح السؤال الرئيسي: ما هي معايير اختيار الفائز بجائزة نوبل؟.. الإجابة هي لا يوجد، بعيدا عن رأي اللجنة النرويجية التي تختار الفائز. وترى النرويج والدول الإسكندنافية نفسها «ضمير البشرية» ولذلك تتأثر برؤيتها للعالم.

تجنبت الدول الإسكندنافية، الصغيرة والمزدهرة، المشاركة في أغلب الحروب التي مزقت أوروبا لقرون، على الرغم من اجتياح واحتلال الدنمارك والنرويج من قبل النازيين بين عامي 1940 و1945. وظلت الدولة الإسكندنافية بمنأى عن الموجة الاستعمارية التي أدت إلى قيام إمبراطوريات أوروبية مختلفة في القرن التاسع عشر.

وبحثا عن دور لتلعبه في الشؤون الدولية، بدأت الدول الإسكندنافية الاضطلاع بدور في بناء الجسور في عالم تفرقه المصالح والطموحات القومية والعرقية والاقتصادية المتعارضة. بمعنى آخر، يمكن أن نعتبر أن جائزة نوبل هي مسابقة جمال سياسية، حيث يتم اختيار الفائز وفقا للذوق الإسكندنافي.

وعلى الرغم من تغير ذلك الذوق مع الوقت، يظل هناك شرطان ثابتان لفوز المتسابق بالجائزة، وهما أن يكون ذا اتجاهات سياسية يسارية، وأن يكون مشهورا بالقيام بعمل «جيد». لا يهم ما إذا كان هذا المرشح قد أسهم حقا في صنع السلام، أم لا، فقد تم ترشيح جوزيف ستالين مثلا لأنه كان من المفترض أن يكون منحازا إلى المظلومين، لكن لحسن الحظ لم يفز. ولا يمكن لأي خيال أن يحول باراك أوباما، الذي فاز بجائزة نوبل بعد أسابيع من توليه منصب الرئيس، إلى صانع سلام. على الجانب الآخر، كانت الأم تيريزا من كلكتا، من الفائزين بجائزة نوبل الذين كانت لديهم رؤية واضحة مميزة ومتفردة عن الحرب والسلام، حيث قالت في خطاب فوزها «أكثر ما يقوض فرص السلام اليوم هو الإجهاض، فهو حرب مباشرة وجريمة قتل مباشرة من قبل الأم».

ربما يكون الادعاء في بعض الحالات بأنك صانع للسلام ومحافظ عليه كافيا، فقد تم منح الجائزة عام 1988 إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وذكر الأمين العام للأمم المتحدة، خافيير بيريز دي كوييار، بعد قبوله للجائزة، ويليام هيغينز، عقيد البحرية الأميركية، الذي عمل في قوات حفظ السلام في لبنان، فقد اختطف حزب الله هيغينز وعذبه وقتله في النهاية، ولم يكن للأمم المتحدة أي رد فعل. وجاء دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2005 للفوز بالجائزة، رغم أنها ظلت تؤكد لسنوات سعي العراق لامتلاك سلاح نووي، وهو ما تبين عدم صحته. وقد ساعد هذا الزعم في غزو العراق عام 2003.

تثير بعض الاختيارات الضحك أو الغضب. على سبيل المثال مُنح السياسي الأميركي آل غور الجائزة على إنتاجه لفيلم وثائقي تلفزيوني عن الاحتباس الحراري، بينما رُشح جيمي كارتر لنيل الجائزة رغم دفاعه عن قمع الصين وكوريا الشمالية للمعارضين. وانكشفت ريغوبيرتا مينشو، الشيوعية المسلحة، التي فازت بالجائزة عام 1992، والتي كانت تتظاهر بأنها فلاحة فقيرة ضحية لحكم العسكر في غواتيمالا. ماذا عن ياسر عرفات وإسحاق رابين وشيمعون بيريس، الذين فازوا بالجائزة عن سلام سوف يصنعونه؟ كذلك يشعر الإنسان بعدم الراحة من اختيار المعارض ليو زياوبو للفوز بالجائزة عام 2009. ربما يكون زياوبو فنانا عظيما ومعارضا شجاعا، لكن ماذا فعل من أجل السلام؟ ربما يتساءل المرء عن سبب اختيار الدالاي لاما للفوز بهذه الجائزة. قد يراه أنصاره في التيبت كزعيم روحي، لكن لا يمكن القول إنه أسهم في صنع السلام.

على النقيض من ذلك، لم يفز كثيرون ممن أسهموا في صنع السلام في زمنهم بجائزة نوبل. من هؤلاء المستشار هيلموت كول، الذي قاد حركة إعادة توحيد ألمانيا، مما وضع حدا لانقسام أوروبا إلى كيانات عسكرية متصارعة.

يتهم نوردلينغر النرويجيين «بالغطرسة الأخلاقية»، ويؤكد أنهم «يلقون الخطب والمواعظ ويوجهون التوبيخ ويقودون». جائزة نوبل للسلام نرويجية، وبالتأكيد تعد من الوسائل الأساسية لاسكندنافيا لتحوز انتباه العالم. مع ذلك يقر نوردلينغر، رغم انتقاده الموضوعي الوجيه، بأهمية الحفاظ على جائزة نوبل للسلام.