من «افتح يا سمسم» إلى «حكايات الأغاني»

فارس يواكيم
TT

في البدء كانت القراءة. المحرض الأول غير المباشر كان أبي. لديه مكتبة وأرشيف صحف ومجلات وكان يطالع كثيرا. عبر التقليد والمحاكاة صرت أحب الكتب والصحف. وكان يشتري لي الكتب المصورة فأمضي ساعات أتصفحها بينما أقراني يلعبون. أصبحت القراءة لعبتي. في المدرسة غدوت متفوقا في اللغة العربية وفي الإنشاء. وفي المنزل أقص من الصحف ما يعجبني من أخبار نجوم كرة القدم والفن وأعلقها على الحائط في غرفتي. وعندما كان أبي يطلع الأهل والأصدقاء على حائط غرفتي وأسمع الثناء وأنتشي بدأت عندي لعبة أخرى محببة: الكتابة. كنت تجاوزت المرحلة الابتدائية، وفي المدرسة صرت عضوا في مجلس تحرير المجلة المدرسية، وكانت مجلة حائط وتصدر مرة في السنة مطبوعة. ولأنني كنت الأنشط صرت رئيس تحرير مجلة المدرسة، وما زلت أحتفظ إلى الآن بأعداد من مجلة الحائط مع لقبي الرسمي!

بعد الثانوية العامة درست في المعهد العالي للسينما بالقاهرة، قسم الإخراج. وضمن المناهج مادة كتابة السيناريو. كان ترتيبي الأول بين الخريجين وفشلت في إقناع منتج سينمائي واحد في بيروت بأن يمول مشروع فيلمي الروائي الأول الذي لم ير النور إلى يومنا هذا. لعبة الكتابة أصبحت حرفة لم أخطط لها. اضطررت للعمل في الصحافة كناقد للأفلام والمسرحيات، ثم جرفتني الصحافة فاشتغلت في مختلف أبوابها. وأصبحت كاتبا محترفا. ثم عاودني الحنين إلى السينما، فدخلتها من باب الكتابة أيضا: كاتب سيناريو وحوار لثمانية أفلام روائية، لم أرض عن معظمها بسبب غياب الإنتاج المحترف. هذه الأفلام حققت نجاحا تجاريا لم يعن لي شيئا. لكن أحدها فتح لي باب الكتابة للمسرح: فيلم «فندق السعادة». منتجه وممثل دور رئيسي فيه نجم الكوميديا اللبنانية شوشو. كان صديقا نسهر معا في مقهى «الدولشه فيتا» في منطقة الروشة (بيروت) لكن كتابتي لحوار الفيلم جعلته يتعرف علي مهنيا. ثم أعطاني الفرصة لأكتب له نصوصا مسرحية، واستمر التعاون معه في مسرحه حتى وفاته (10 مسرحيات من بينها «آخ يا بلدنا»)، وفي المسلسلات التلفزيونية. وقد بدأت معه ثم أصبحت أكتب لغيره أيضا. هو قدمني إلى صباح وكتبت لها 3 مسرحيات غنائية. ونجاحي في «مسرح شوشو» قادني إلى فرقة «السيغال» (شانسونييه: إيفيت سرسق ووسيم طبارة). وفي 1973 كانت 4 مسرحيات من كتابتي تعرض في بيروت وكان هناك وفد إعلامي رفيع المستوى من الكويت وتصادف أن حضروا 3 منها والرابعة حضرها أطفالهم (مسرحية للأطفال من بطولة شوشو). فتحت الكويت ثم الخليج العربي أمامي الأبواب ككاتب تلفزيونيا. مسلسلات للأطفال («الشاطر حسن»، «الإبريق المكسور»، «اللؤلؤة») ثم استدعيت لأكون أحد الكتاب الرئيسيين لبرنامج «افتح يا سمسم».

الكتابة التي بدأت لعبة وهواية أصبحت حرفة. بعد الخليج العربي باريس ثم ألمانيا. كتابة للإذاعة. ثم التقاعد، والكتابة متعة الآن. هناك كتب كثيرة، ومعظمها نصوص جاهزة عندي عبر السنوات، وأعمل الآن على التنقيح والمراجعة ثم أدفع بها إلى النشر. كتابي الأخير «ظلال الأرز في وادي النيل» (منشورات الفارابي) أسعدني نجاحه، وأتمنى النجاح أيضا للتالي «حكايات الأغاني»، وسيصدر نهاية الصيف في منشورات «رياض نجيب الريس».

* كاتب لبناني