«تحرير المرأة» في صلب الانتخابات الأميركية

بعد قرن من منح النساء حق الترشح والتصويت

TT

لم يعد الموضوع في أميركا، على ما يبدو، اتحاد السود لانتزاع حقوقهم من البيض في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2012، وإنما انتزاع النساء، من سوداوات وبيضاوات، حقوقهن من الرأسمالية المتوحشة التي على رأسها رجال. الحرب بين النساء والرجال لا تزال مشتعلة في أميركا، بعد قرن على تعديل الدستور لصالح المرأة.

بالإضافة إلى مشكلات الاقتصاد، والأمن، والضرائب في معركة رئاسة الجمهورية الحالية بين الرئيس باراك أوباما والحاكم ميت رومني، استعدادا لانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، ظهرت «مشكلة المرأة». تسمى هذه، أيضا، «حرب المرأة»، إشارة إلى استغلال الحزبين لوضع المرأة الأميركية لتحقيق أهداف سياسية.

من جانب، يقول ديمقراطيون إن الجمهوريين يريدون «إعادة المرأة إلى البيت»، وحظر حرية المرأة، ومنع الإجهاض، وتقنين منع الحمل. ومن جانب آخر، يقول جمهوريون إن الديمقراطيين مسؤولون عن تفكك العائلة، وانهيار القيم الأخلاقية.

بالإضافة إلى ذلك، وخلال الأسابيع القليلة الماضية، شهدت واشنطن مظاهرات ومؤتمرات نسائية ورجالية عن مساواة النساء بالرجال.

غريب، في 2012، لا يزال الأميركيون يناقشون هذا الموضوع؟ بعد 100 سنة تقريبا من تعديل الدستور الأميركي لمنح المرأة حق التصويت والترشح.. وبعد 50 سنة تقريبا من قانون الحقوق المدنية الذي أنصف المرأة والسود.

* أنجيلا ديفز

* جاءت إلى جامعة مريلاند، القريبة من واشنطن العاصمة، البروفسورة السوداء اليسارية أنجيلا ديفز. قبل 40 سنة كانت من قادة حركة الحقوق المدنية، بينما كان القس الأسود مارتن لوثر كينغ مسالما، ويرفع مبادئ العدالة المسيحية، كانت هي شيوعية، ورفعت شعار «الثورة السوداء ضد سيطرة البيض». سجنت أكثر من مرة، واشتهرت بشعرها الكثيف الذي كان مثل كرة سوداء عملاقة.

لكن، في الشهر الماضي كانت ديفز قد كبرت. ولم يعد شعرها أسود وكثيفا، ولم تعد تفتخر بشيوعيتها، وفرقت بين اضطهاد البيض للسود، واضطهاد الرجال البيض للنساء البيضاوات والسوداوات معا. ودعت المرأة إلى «الثورة الاجتماعية ضد سيطرة الرأسمالية» وإلى «تحالف النساء السوداوات والبيضاوات ضد سيطرة الرجل».

وقالت: «ما دام الرجل يقدر على اغتصاب المرأة، لن تكون هناك مساواة بين الرجال والنساء». وأضافت: «لن نتحرر حتى يتحرر الرجال من عقدة الجنس. يغتصبوننا، وفي نفس الوقت يتهموننا بالبرود الجنسي. يريدون أصواتنا في الانتخابات، وفي نفس الوقت يقولون إننا لا نفهم في السياسة. يجعلوننا نحمل، وفي نفس الوقت يرفضون تحمل مسؤوليتهم كآباء. وإذا قررنا الإجهاض، يتهموننا بالقتل».

* نفاق الرجال

* وإذ ركزت ديفز على سيطرة الرجال على النساء، ركز ويليام ديرشوفتس على ما سماه نفاق الرجال. هذا هو أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة ييل (ولاية كونيتيكات) الذي كتب كتبا كثيرة عن النساء، منها كتاب «تعليم جين أوستن» (رائدة تحرير المرأة في بريطانيا في القرن التاسع عشر).

مؤخرا، كتب في صحيفة «نيويورك تايمز» رأيا عنوانه: «الرجل والمرأة: هل هما صديقان فقط؟» وقال: «هل يمكن للرجل والمرأة أن يكونا صديقين بريئين فقط؟ الإجابة هي: لا».

وقال: «عبر التاريخ، لم تكن هناك صداقات بريئة بين رجل وامرأة. الرجل من المريخ، والمرأة من الزهرة. كل كوكب يدور في مدار خاص به، وأحيانا يتقابلان. وفي كل الأحوال، نظرة الرجال إلى النساء ليست نظرة استعلاء، ولكن نظرة إعلاء. ربما كانت هناك صداقات بريئة ومساواة، لكن، عبر تاريخ أوروبا القديمة، لم تكن هناك صداقة بريئة بين رجل وامرأة».

وأضاف: «كان هذا قبل الحركة النسوية التي؛ أولا: لا تعترف بالفروق الأساسية بين الرجل والمرأة. وثانيا: تتخيل رجالا من دون رغبات جنسية».

* خلفية تاريخية

* في القرن الثامن عشر، اشتهرت البريطانية ماري وولستنكرافت، التي كانت تعرف باسم «ماذر أوف فيمينيزم» (أم النظرية النسوية). وهي مؤلفة كتاب «الانتقام لظلم المرأة» الذي يعتبر، حتى اليوم، المرجع الأول لـ«النسويات» (اللاتي يردن مساواة كاملة بين الرجال والنساء). كتبت عن الصداقة الأفلاطونية بين المرأة والرجل. وأن الصداقة «هي أكثر العواطف قداسة». وأن أي زواج يجب أن تسبقه صداقة. وأن أي زوجين يجب أن يكونا صديقين قبل أن يكونا زوجين. لكن، رغم كل هذه الكتابات، صادقت رجلا، وحملت منه، وهرب منها، وولدت ولدا (اعتبر غير شرعي في ذلك الوقت).

مع نهاية القرن التاسع عشر، ظهرت الحركة النسوية (المساواة الكاملة) كحركة سياسية. ظهر شعار «نيو وومان» (المرأة الجديدة): قوية الشخصية، متعلمة، جريئة، منفتحة، فصيحة، وتريد الرجل مساويا لها، لا مسيطرا عليها.

ومع بداية القرن العشرين، ظهرت كلمات مثل «بوي فرند» (صديق) و«غيرل فرند» (صديقة). ما هو معنى هاتين الكلمتين؟ معناهما هو أن العلاقة ليست جنسية فقط، لكنها علاقة صداقة أيضا. علاقة متساوية، لأن الصداقة لا بد أن تكون بين متساويين. كيف يصادق القوي الضعيف؟ وكيف يصادق الرئيس المرؤوس؟ وكيف يصادق المضطهد المضطهدة؟ وفي منتصف القرن العشرين، ظهرت «فيمينيزم ريفوليوشن» (الثورة النسوية). لا تريد هذه صداقة متساوية، ولكن حقوقا دستورية وقانونية متساوية. تريد مساواة في العمل، والأجر، والألعاب الرياضية، والعمل العسكري. تريد «صداقة دستورية، صداقة قانونية».

* النسوية المتطرفة

* غير أن الحركة النسوية وصلت مرحلة متطرفة بقيادة الأميركية اليهودية شلومي فايرستون، وهي مؤلفة كتاب «جدلية الجنس: المرحلة الثانية للثورة الجنسية». فيه خليط من نظريات سيغموند فرويد (أبي الطب النفسي)، وكارل ماركس (أبي الشيوعية)، وسيمون دوبوفوار (أم الحركة النسوية في فرنسا).

كتبت فايرستون: «أساس عدم مساواة المرأة بالرجل هو سيطرة الرجل على المرأة بذريعة ما يسميها نواقصها البيولوجية: الحمل، الولادة وتربية الطفل». ووصفت العملية الجنسية بأنها «غزو رجالي». ووصفت الحمل بأنه «بربري».

وقالت: «إن الحل هو الآتي: أولا: نقل التلقيح من غرفة النوم إلى المختبر الطبي. ثانيا: توزيع حبوب منع الحمل مجانا. ثالثا: إجراء الإجهاض مجانا. رابعا: تربية الدولة للأطفال. خامسا: إلغاء العائلة التقليدية. سادسا: يعيش الناس في (كوميونات اجتماعية اشتراكية). سابعا: ثورة نسائية شاملة لتأسيس ديكتاتورية مؤقتة تنتهي بتحقيق مساواة المرأة بالرجل».

* حركة تحرير الرجل

* مثلما لحركة تحرير المرأة خلفية تاريخية، فلحركة تحرير الرجل خلفية تاريخية أيضا. هذه هي كلمة «ماسكيولاريزم» (الرجولة) كرد على كلمة «فيمينيزم» (النسوية)، ومثلما كانت بداية الأولى في بريطانيا، كانت بداية الثانية أيضا.

بعد 100 عام من كتاب «انتقاما لظلم المرأة» لأم الحركة النسوية وولستنكرافت، ظهر كتاب «تزوير النسوية» لأبي الحركة الرجالية، إرنست باكس (توفي سنة 1926). وكان أكثر مثقف غربي في ذلك الوقت كتب عن المرأة. وأهم كتبه كتابان، هما: كتاب «سيطرة الرجل القانونية». وعارض فيه منح المرأة حق التصويت والترشح في الانتخابات. وكتاب «تزوير النسوية». ومن عناوين فصوله: «حرب صليبية ضد الرجال» و«خرافة براءة الأنثى» و«أكاذيب نسائية».

وبعد 100 عام تقريبا من «أبي الحركة الرجالية»، ومع بداية القرن الحالي، القرن الحادي والعشرين، هذا هو وارين فاريل، أكثر مثقف أميركي يكتب عن المرأة (وينتقد الحركة النسوية أيضا).

ومن كتبه: «التفرقة الأنثوية ضد الرجال»، و«لماذا أجر الرجل أكبر من راتب المرأة؟»، و«المرأة لا تسمع ما لا يقول الرجل»، و«لماذا يتصرف الرجل كما يتصرف؟»، و«حركة تحرير الرجل»، و«عداء البنات للأولاد في صفوف الدراسة».

لكن، لا يمكن اتهام فاريل بمعاداة المرأة. كتاب «حركة تحرير الرجل» دعا الرجل لمساعدة المرأة في الأعمال المنزلية، وتربية الأطفال، وإعداد الطعام.

ورفع فاريل شعار: «لا للمنافسة، نعم للموازنة». وقال: «نعم، عند كل واحد منا مشكلة نفسية: يعتقد الرجل أنه قوي، وفي الحقيقة هو ضعيف. وتعتقد المرأة أنها ضعيفة، وفي الحقيقة هي قوية». ويمكن تسجيل النقاط التالية عند فاريل:

أولا: عارض قول المرأة بأن الرجل ينظر إليها نظرة جنسية فقط. وقال إن المرأة، من جانبها، تنظر إلى الرجل كقوي ومسيطر.

ثانيا: عارض قول المرأة بأن الرجل يستعمل أجره الكبير للسيطرة على المرأة. وقال إن الرجل يصرف جزءا كبيرا من ماله على المرأة التي يحبها.

ثالثا: عارض شكوى المرأة من هجران الرجل لها. وقال إن المرأة لا تعرف خيبة أمل الرجل عندما ترفضه. (لكن، المرأة تشتكي، والرجل يخجل من أن يشتكي).

* لجنة الرجال والأولاد

* بالإضافة إلى كتبه، عن النقاش الحالي حول «حرب المرأة»، انتقد فاريل قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وقال: «يستطيع السياسيون قول أي شيء للنساء لإرضائهن، وكسب أصواتهن». وانتقد السياسيين الأميركيين، وخصوصا الرئيس باراك أوباما، وقال إن أوباما «يقول إنه يؤيد حقوق المرأة، لكنه يستغلها لإعادة فوزه برئاسة الجمهورية».

وكان فاريل رفض دعوة من أوباما ليكون عضوا في «لجنة النساء والبنات» التابعة للبيت الأبيض. وبدأ حملة ليؤسس البيت الأبيض «لجنة الرجال والأولاد».

ومن الذين يؤيدونه: جون غراي، مؤلف كتاب «الرجال من المريخ والنساء من الزهرة». ورأي غراي في النقاش الحالي حول «حرب النساء» هو كالآتي: «يقول أناس إن الاختلافات الجنسية طبيعية، وكل شيء يعتمد عليها. ويقول أناس آخرون إن الاختلافات الجنسية وهمية، ولا بد من تحاشيها. وأنا أقول: توجد اختلافات جنسية، ويمكن التعامل معها».

في الشهر الماضي، مع زيادة النقاش عن مساواة المرأة بالرجل، عقدت «لجنة الرجال والأولاد» ندوة، تحدث فيها عدد من قادتها.

* «ماذا تريد النساء؟»

* تساءل هنري بولانجيز، مؤلف كتاب: «ماذا تريد النساء؟»، عن حدود حقوق المرأة، وأشار إلى أن هناك ولايات أميركية وصلت حقوق المرأة فيها درجة كشف صدرها عندما ترضع طفلها. وفي ولايات أخرى، وصلت حقوق المرأة درجة أن ترقد على البلاج تحت الشمس مكشوفة الصدر. وفي كندا، وصلت حقوقها درجة المشي في الشارع مكشوفة النهدين. ليس ذلك فحسب، بل أيدتها محاكم، وقالت إن كشف الصدر ليس إثارة. ووسط تصفيق الحاضرين، علق على ذلك قائلا: «ها نحن نقول هنا، في هذا الاجتماع الرجالي، إن كشف صدر المرأة يثير الرجال، وربما حتى بعض النساء».

وقال إن المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني مسؤولة عن كثير من الغموض في هذا الموضوع. لأنها، من جانب، تدعو لمساواة المرأة بالرجل، ومن جانب آخر، تعرف أن هناك اختلافات أساسية. وأشار إلى الأمثلة الآتية:

أولا: منظمة «يونيسيف»، التابعة للأمم المتحدة، قالت إن المساواة «معناها التطبيق المتساوي لحقوق الإنسان في الحرية، والفرص، والحماية، والرعاية. لكن، لا تشمل المساواة الوظائف البيولوجية والمعاملات العائلية والاجتماعية».

ثانيا: صندوق الأمم المتحدة للسكان قال: «عدم المساواة بين الرجال والنساء يعرقل التطور». لكن، يركز هذا الوصف على التطور الاقتصادي، على الوظيفة والأجر والإجازات. ولا يشير إلى التطور العائلي، وتماسك العائلة، ودورها في المجتمع.

ثالثا: أسس الاتحاد الأوروبي في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا (على بحر البلطيق) «مركز محاربة التفرقة الجندرية». ما هو الفرق بين التفرقة الجندرية والتفرقة الجنسية؟ يقول ميثاق المركز: «نريد تحقيق المساواة الجندرية، ونريد منع التفرقة التي أساسها الجنس».

وقال بولانجيز: «هذا التعريف يزيد الغموض، ويعقد المشكلة». وذلك لأن استعلاء الرجل الجندري له صلة باستعلائه الجنسي. وتساءل: «أليست الحقيقة هي أن الرجل هو الذي يطلب الزواج؟».

* الطبيعة والتربية

* في نفس الندوة الرجالية، تحدث بيتر هارمانيانج، مؤلف كتاب «تاريخ الصراع الرجالي - النسوي». وأشار إلى كلمات جديدة ظهرت في هذا النقاش.

أشار إلى كلمتي «نيتشر» (الطبيعة) و«ناتشر» (التربية). وقال إن سبب الاختلاف في لعب الطفل والطفلة طبيعي وفطري، وليس موضوع تربية ونظريات. وقال: «يميل الطفل إلى اللعب بالسيارات والطائرات والدبابات. لكن، تميل الطفلة إلى لعب دور العروس والزوجة والأم. ويدخل الصبي الحمام ليستحم سريعا. لكن، تستحم الفتاة لساعات وساعات، لأنها تستعمل (أو تجرب) مختلف أنواع الروائح والملابس والكريمات ودهان الشفاه، ورموش العين، وبودرة الخدين».

وأشار إلى كلمة أخرى، هي «كومبليمنتزم» (التكامل). وأساسها عبارات دينية (في التوراة، والإنجيل، والقرآن الكريم) بأن الرجل والمرأة يختلفان في وظائفهما البيولوجية، وأيضا، في وظائفهما العائلية والاجتماعية. لكن، هذه الوظائف يكمل بعضها بعضا. يعني هذا أن المساواة تكامل وليست منافسة.

لكن، قال هارمانيانج إن المشكلة هي اختلاف رجال الدين في تفسير هذا الموضوع؛ من جانب، يقول المتطرفون إن المرأة يجب أن لا تنافس الرجل في أي مجال (هي تعمل داخل المنزل، وهو يعمل خارجه).

ومن جانب آخر، المعتدلون يقولون إن المرأة تقدر على منافسة الرجل خارج المنزل، وفي نفس الوقت، تقدر على التكامل داخل المنزل بأن تكون زوجة وأما.

* الندوة النسائية

* وفي الندوة النسائية التي أقامتها منظمة «ناو» (منظمة المرأة الأميركية الوطنية)، مثل ندوة اليسارية السوداء أنجيلا ديفز، كانت هناك آراء نارية ضد الرجال. وهذا ما قالته واحدة منهن: «هل تعرفن سبب غضب الرجال علينا؟ إنهم خائفون. سأقول لكن 3 أرقام علمية أوضحت انخفاضا في التالي: أولا: في نسبة الرجال بالمقارنة مع نسبة النساء. ثانيا: في هرمون (تستوستيرون) الرجالي. ليس فقط وسط الرجال كبار السن، ولكن، أيضا، وسط الرجال في منتصف العمر. ثالثا: في عدد الحيوانات المنوية عند الرجل».

وكررت، وسط التصفيق: «هل عرفتن الآن سبب غضب الرجال؟».