«تنورة ماكسي» فيلم جريء مشكلته الفانتازيا

يطالبون بوقف عرضه.. وفي موناكو يفوز بجائزتين

بوستر الفيلم
TT

«ماما، أنت أجمل ماما بالعالم»، هذه العبارة التي استهل بها المخرج جو بو عيد فيلمه السينمائي الأول «تنورة ماكسي» كتحية لوالدته التي لم تستطع أن تجمل رد فعل بعض المراجع الدينية إثر عرضه في صالات السينما اللبنانية. فقد طالب المركز الكاثوليكي للإعلام ممثلا بمديره عبدو بو كسم بإيقاف عرضه، ومطالبا رئيس الجمهورية ميشال سليمان بدعمه في قراره.

فالمخرج اللبناني جو بو عيد لم يكن يتوقع أن تتحول باكورة أفلامه السينمائية إلى حديث البلد بعد أن شكلت بعض المشاهد فيه موضوع جدل وأخذ ورد فيما بينه وبين بعض أهل الإعلام من جهة، والمرجعيات الدينية المسيحية من جهة أخرى.

فالفيلم الذي يروي حكاية استوحاها المخرج من قصة حب حقيقية عاصفة عاشها والداه في الواقع، وأسفرت عن زواجهما، تضمن في مجرياته بعض المشاهد التي ترتكز على إشارات وإيحاءات استخدم فيها المخرج خياله بأسلوب سوريالي فيه الكثير من الفانتازيا، مما جعل مهمة استيعابه صعبة بالنسبة للبعض ونافرة للبعض الآخر الذي وجدها تمس بالمسيحية.

وتدور القصة في قرية جنوبية (جزين) لجأت إليها عائلة بيروتية هربا من وابل القصف ودوي القذائف التي رافقت اجتياح الجيش الإسرائيلي لبيروت عام 1982. وسكنت تلك العائلة المؤلفة من رب العائلة وزوجته وولديهما (فتاة جميلة وشاب يعاني من التخلف العقلي) وشقيقته وابنها في مبنى تسكنه أيضا سيدة وابنها الذي ينوي أن يصبح راهبا، وتعود ملكيته لهما. فتبدأ قصة حب عاصفة بين الفتاة (عليا) التي تجسد دورها الممثلة جوي كرم والشاب المفترض أن يصبح كاهنا (عامر) ويلعب دوره الممثل شادي التينة. وبينما يستهل الفيلم بمشهد يصور عملية ولادة طفل والصعوبات التي تمر بها الأم خلالها فهو يسدل الستار على مشهد حفل الزفاف الذي جمع بين العاشقين (عليا وعامر) ليذكرنا بأنهما والدا الطفل المولود والذي هو في الحقيقة جو بو عيد، مخرج الفيلم.

القصة بسيطة رومانسية جريئة تتخللها مشاهد من الحياة في تلك الحقبة، فتحرك لدى المشاهد نوستالجيا إلى الأيام الغابرة رغم مرارتها وتذكره بالحرب الأهلية، إن من خلال مشاهد تناولت عناصر الميليشيا المسيحية والحواجز التي كانوا ينشرونها هنا وهناك (متاريس الرمل) وفلاشات الأخبار الإذاعية التي كان يتابعها الناس باهتمام للوقوف على آخر المستجدات الميدانية أؤمن خلال أغاني عالبال «ليندا ليندا يا ليندا وشيك شاك شو». نجح المخرج في نقل المشاهد بعفوية. ولأن الفيلم يدور في إطار ديني إلى حد ما (البطل كان يتحضر للارتسام ككاهن)، فهناك مشاهد تدفعه إلى المشاركة ببعض الابتهالات الدينية المعروفة لدى المسيحيين كتراتيل للعذراء مريم «في ظل حمايتك» أو صلاة «الأبانا»، إضافة إلى ذلك استخدم المخرج رموزا وإشارات تنبع مباشرة من خياله، أرادها أن تصقل موضوع الفيلم وحيثياته، محاولا أن يستعرض فيها قوته الإخراجية، وكل ما حفظته ذاكرته من قصة والديه ضمن كادرات مشبعة بالفانتازيا. من هنا اختلطت الأمور ببعضها البعض، وضاع المشاهد بين الحقيقة والخيال في حبكة نص غير ناضجة، أسهمت في عدم بلورتها فتاه في عجقة مشاهد نقلته حينا إلى كرسي الاعتراف، وحينا آخر إلى نار جهنم، ومرات إلى مشاهد ساخنة وحميمة بين العاشقين وأخرى سوريالية داخل الكنيسة، مرورا بمشاهد تظهر معالم القرية اللبنانية (وجميعها نقلتها كاميرا سريعة في صورة ملونة جميلة بعدسة قريبة (close).

ولعل نقل واقع كما رآه المخرج بأفكاره الفنية الخارجة عن المألوف (تمرير تابلو راقص على مقاعد الكنيسة أو اشتعال النار وراء عامر المنتظر أن يصبح كاهنا أو مشهد القبل بينه وبين حبيبته خلف باب زجاجي) كانت السبب المباشر في إبداء رجال الدين المسيحيين في لبنان انزعاجهم من الفيلم ومخرجه. إذ رفض هؤلاء أن ينقل المخرج وجهة نظره متناسيا المحرمات الدينية ومستهترا بموقع الأكليروس، الأمر الذي دفع بمدير «المركز الكاثوليكي للإعلام» عبدو بو كسم إلى المطالبة بوقف عرض الفيلم في الصالات اللبنانية، موصلا صرخته إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان لمساندته في منع عرضه. المخرج بو عيد دافع عن نفسه في مؤتمر صحافي عقد لهذه الغاية قائلا «لو كان الفيلم يضر أو يمس بشكل من الأشكال بالديانة المسيحية، فأنا قبل أي جهة أخرى أرفض أن يعرض فيلمي، وأسحبه من الصالات». وأضاف: «أن يثير (تنورة ماكسي) كل ردود الفعل هذه من مؤيدة ومعارضة، فهذا يعني أنني نجحت في التعبير عن فكر رائد، وعن فكر إنساني حي وحقيقي في إطار جمالي وعصري».

وأوضح بوعيد بعضا من مقاصده في بعض مشاهد الفيلم بينها النار التي اشتعلت في الكنيسة والتي تعني نار الخطيئة الملتهبة التي تحاول أن تزعزع إيمان الإنسان عندما يقترب من الله. أما مشهدية الرقص فما هي إلا ترجمة من خلال الصورة لخطايا البشرية، والتي يقولها المسيحي على كرسي الاعتراف، فيفرغ عندها المؤمن من خطاياه ويغتسل. كذلك فإن الفيلم يقدم عدة إشارات على انتصار الحب على الحرب. وأضاف المخرج: «في الفيلم نظرة عصرية جدا للمجتمع المتنوع الآراء حتى وإن كان من لون طائفي واحد أو مذهب واحد». وأكد بو عيد أن الفيلم ما هو إلا قصة حقيقية للقاء والديه، إضافة إلى تجاربه الشخصية وقال: «ترجمت القصة من خلال نظرة فنية يرويها الولد الذي هو أنا، ويقدمها في إطار جمالي أساسه الخيال والفانتازيا».

نصار سمراني، مدير شركة «نفتلين» التي أنتجت الفيلم (بدعم من مهرجان دبي السينمائي) أكد بدوره في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الفيلم وقبل أن يعرض مر على الجهات المعنية دينيا ورسميا. وقد أجريت عليه التعديلات المطلوبة وإلا لما كانت مديرية الأمن العام قد سمحت بعرضه».

ورغم كل الأصوات التي طالبت بإيقاف عرض الفيلم فإنه استطاع أن يحصد مؤخرا جائزتين في «مهرجان موناكو السينمائي». فقد نال بوعيد جائزة أفضل مخرج واعد، ونالت بطلته جوي كرم جائزة أفضل ممثلة عن فئة الأفلام الأجنبية الطويلة. يذكر أن الفيلم هو من تأليف جو بو عيد ووضع الموسيقى له مايك ماسي.